صراحة نيوز – لم يتمكن مشروع الحكومة الإلكترونية “الذي طال انتظاره من تحقيق الهدف المنشود بأن يكون في البلاد “حكومة لا ورقية” عام 2020، حسب التوجيهات الملكية السامية للحكومات السابقة، وذلك رغم ما انجز في العديد من الوزارات والمؤسسات الرسمية.
ويرى خبراء في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن عدم الوصول إلى حكومة إلكترونية، بمفهومها الشامل، يعود إلى أن خارطة الطريق للمشروع لم تكن واضحة المعالم، وسط غياب جهة محددة تقود هذا المشروع الشمولي”، فضلا عن البيروقراطية وغياب الأنظمة والتعليمات الداعمة للتنفيذ.
وأكدوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن تأخر الوصول إلى هذا المشروع يرجع إلى عدم وجود أنظمة وتعليمات محددة اجرائيا قبل الشروع بالتحول للحكومة الإلكترونية، إلى جانب اتساع الفجوة بين دراسة المتطلبات والواقع الحقيقي للخدمات المقترحة في مشروعها الذي مضى عليه اكثر من عقدين.
وبينوا أن مفهوم الحكومة الإلكترونية لم يكن واضحا لدى القائمين على تنفيذ التطلعات والتوجيهات الملكية السامية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين المؤسسات الرسمية فيما يتعلق بموضوع البيانات والبرمجيات.
وأكدوا أن نجاح عملية التحول الرقمي في المملكة يتطلب أن تكون الحكومة الإلكترونية أولوية وطنية وعابرة للحكومات، وتهيئة البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتحديث القوانين والتشريعات اللازمة المتصلة بعملية التحول الرقمي.
وقال ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن المهندس هيثم الرواجبة، إن عدم الوصول إلى الحكومة الإلكترونية يعود لعدم وجود أنظمة وتعليمات مكتوبة ومدروسة اجرائيا قبل الشروع بتحويلها إلى إلكترونية.
وبين عدم وجود توفيق باختيار الخدمات المطروحة ما يتطلب التركيز وإعطاء الأولوية للخدمات الأكثر طلبا وفائدة وعوائد ونتائج ملموسة تحدث الفرق على ارض الواقع، إضافة إلى الخدمات الأقل كلفة والأسهل في التطبيق.
ولفت الى عدم وجود متطلبات وشروط تنفيذ الخدمات والربط بين الأنظمة، وغياب التكامل والترابط وقاعدة بيانات مشتركة يتم العمل من خلالها على تقديم الخدمات الحكومية، وتكرار عملية التسجيل والدخول وعدم وجود تعليمات محددة وقواعد حول كيفية بناء أنظمة المعلومات الإدارية وطرق ربطها بالمستقبل.
واوضح أنه يمكن العمل على معالجة هذا الخلل من خلال عرض الخدمات الحكومية على القطاع الخاص لتقديمها للمواطنين مقابل رسوم محددة مع توفر أكثر من مقدم لضمان التنافس وتقديم أفضل خدمة، وبناء قواعد بيانات ضخمة وربط الدوائر والمؤسسات الحكومية معها ونقل البيانات والانظمة القديمة عليها.
وقال انه “لا بد من العمل على تشجيع المؤسسات لتقديم مزيد من الخدمات الإلكترونية وتقديم جوائز للفرق الفنية المسؤولة عنها، ودعم التدريب والتطوير الإلكتروني للأفراد، ووضع خطة استراتيجية للتطوير ومعالجة الثغرات”.
من جهته، قال الخبير التقني والمدير العام السابق لمركز تكنولوجيا المعلومات الوطني المهندس عبد الحميد الرحامنة، إن مكامن الخلل في برنامج الحكومة الإلكترونية “التحول الرقمي” يكمن في عدم وجود خارطة طريق واضحة للمشروع.
وأشار إلى عدم وجود رؤية استراتيجية متماسكة وواضحة المعالم، تتماشى مع الأهداف والأولويات وبما يشمل خطة تمويل وميزانية كافية قابلة للتطبيق، من حيث اعتماد نهج متكامل يسهم في صياغة السياسات التي تواكب التطور الرقمي، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى.
كما اشار الى عدم وجود مفهوم واضح للحكومة الإلكترونية لدى القائمين على تنفيذ التوجيهات الملكية السامية، ومعاملة المشروع على أساس فني تقني، إضافة إلى ربط تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية بوزارة الاقتصاد الرقمي، ما يؤدي إلى عدم وجود مستوى ضغط كاف للوزارات الأخرى للالتزام بتنفيذ التعليمات الخاصة بالمشروع.
وشدد الرحامنة، على ضرورة ان يكون مشروع الحكومة الإلكترونية وطني، سياسي، استثماري، اجتماعي، اقتصادي، عابر للحكومات، وهيكلة المشروع ضمن دائرة تابعة لرئاسة الوزراء.
ودعا الى ضرورة تشكيل لجنة من القطاعين العام والخاص لمراقبة مراحل تنفيذ المشروع وتقديم تقريرها الربعي لرئيس الوزراء، وتهيئة البنية التحتية للاتصالات بحيث تكون مهيئة لعملية التحول الرقمي لمواكبة التطورات التقنية، وتطوير وتدريب القوى العاملة والمتعاملين على أساليب التعامل والتكيف مع التكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى تحديث القوانين والتشريعات اللازمة ذات العلاقة والتي ستخدم عملية التحويل.
بدوره، نوه رئيس هيئة المديرين في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات (إنتاج)، الدكتور بشار الحوامدة، الى ان غياب الاستراتيجية الشاملة والتشاركية مع القطاع الخاص ادى إلى عدم التجانس في عملية تنفيذ التحول الرقمي في السنوات الخمس الأخيرة.
واكد أن غياب القائد لعملية التحول الرقمي على مستوى مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية من أسباب الاخفاق في الوصول إلى الحكومة الإلكترونية، لافتا الى انه قد يكون هناك تجربة ناجحة على مستوى وزارة أو دائرة، لكن عدم تجانس التجربة بمختلف الوزارات، وغياب الترابط في الخدمات الإلكترونية أدى إلى ضعفها.
وقال الحوامدة، إن وجود خدمات متنافرة في الحكومات دون وجود أي ترابط أو تجانس على مستوى رحلة المستخدم، أفقد الثقة في الخدمات الإلكترونية.
وذكر أن كثرة الخدمات الإلكترونية وعدم فعاليتها والاعتماد على العدد وليس جودة الخدمة، وضعف الاتصال مع القطاع الخاص وقلة الخبرات بالقطاع العام لبناء هذه الخدمات هو سبب الاخفاق في الوصول إلى الحكومة الإلكترونية. وأشار إلى أن الحكومات غير قادرة على مواكبة الأدوات الجديدة في تكنولوجيا المعلومات، المتوفرة في القطاع الخاص، ما احدث فجوة بين القطاعين، مشددا على ضرورة وجود ثورة كاملة في تقديم الخدمات الإلكترونية.
وطالب الدكتور الحوامدة بسرعة تنفيذ التحول الرقمي وتقديم الدعم على أعلى المستويات لتغيير القوانين والتشريعات فيما يخدم التحول الرقمي، والتقرب من القطاع الخاص ومحاولة مواكبة الأدوات الأكثر تطورا للبدء بعملية التحول الرقمي بشكل أسرع.
من جهته، رأى المدير العام لشركة بيانات محمد طهبوب، أنه تم تحقيق خطوات جيدة في بداية برنامج التأسيس للبنية التحتية للحكومة الإلكترونية وبناء مقوماتها.
وقال إن من أسباب عدم نجاح برنامج الحكومة الإلكترونية لم يكن مستقلا عن تعاقب الحكومات واختلاف سياساتها، حيث ان استمرار البرنامج قد تأثر بتغير الحكومات.
ولفت إلى أن الوزارات والهيئات قاومت مفهوم مشاركة المعلومات بينها، ورفضت اعتماد مركز المعلومات الوطني كخلية وطنية للحكومة الإلكترونية وأصرت على العمل بشكل مستقل ومنفرد.
واشار طهبوب، إلى عدم فاعلية وكفاءة آلية تنفيذ البرنامج، مبينا أن آلية التنفيذ ارتبطت بقانون الأشغال العامة والإجراءات الحكومية البيروقراطية، ما جعل التنفيذ بطيئا جدا ومتعثرا.
وأكد أنه يمكن تحقيق رؤية التحول الرقمي من خلال العمل المتوازي على محاور عدة، منها التشاركية القائمة على المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص في تخطيط وتنفيذ البرنامج، والتنفيذي أي وجود هيكل تنفيذي مستقل للبرنامج لا يرتبط بتغير الحكومات.
وركز مدير عام شركة بيانات، على المحور التشريعي من خلال إيجاد صلاحيات قانونية تشريعية للبرنامج بتحقيق التحول الرقمي الترابطي بين الوزارات والمؤسسات والهيئات بعيدا عن امتناع أي منها عن مشاركة المعلومات والأنظمة بينها، واعتماد تشريعات تسمح بالخدمات الإلكترونية المكتملة.
بدوره، أكد الرئيس التنفيذي للجمعية الأردنية للمصدر المفتوح عيسى المحاسنة، أن ضعف التنسيق بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بموضوع البيانات والبرمجيات، تمثل بغياب التشاركية في البيانات بين المؤسسات الحكومية التي تعتبر ثروة وطنية.
وأشار إلى ضرورة وجود منظومة متكاملة لتبادل البيانات والبرمجيات بين المؤسسات الحكومية، وتبادل الخبراء والخبرات بينهم، مبينا أن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مدركة لوجود مشكلة بهذا الموضوع، ووضعت قانونا خاصا تحت مسمى نظام المعلومات الوطني لتسهيل هذه العملية.
كما اشار المحاسنة إلى مشكلة أخرى فيما يتعلق بهندسة الإجراءات، مضيفا ان وضع الحكومة الحالي يتطلب منها توضيح الإجراءات المتبعة، من حيث أتمتتها، وتطبيقها على شكل خدمات إلكترونية، مشيرا إلى أن هناك بعض الجهات الحكومية تكون أسرع من غيرها، وذلك قد يكون لأسباب إدارية أو طبيعة عمل بعض الوزارات.
وقال إن هناك مبادرات من وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة لبرنامج الحكومة الإلكترونية يتعلق بالبيانات وتغيير سياسات، وتحديث البنية التحتية، داعيا إلى تبادل البرمجيات بين المؤسسات، لربط أنظمة المعلومات المختلفة على مستوى الحكومة فيما بينها.
وبين ضرورة تشاركية الرمز المصدري أي ” توافقية بين الأنظمة” في الوزارات والمؤسسات الحكومية للحد من التكاليف العالية، وربط الأنظمة مع بعضها البعض، مشيرا إلى اهمية وجود جهة مسؤولة عن التوافق بين الانظمة وإعادة استخدامها على مستوى مؤسسات مختلفة مثل وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة. واضاف أن العالم اليوم أصبح يستخدم البرمجيات المفتوحة المصدر، وهي بدائل جيدة للحكومات من حيث التكلفة الأقل، والمساعدة على ايجاد الحلول للكثير من المشاكل التقنية، مطالبا الجهات المعنية بالاهتمام بهذا الموضوع ومتابعته على نطاق واسع.
(بترا-وعد ربابعة)