معضلة الاقتصاد التركي والليرة التركية كيف ومتى تنتهي ؟

1 سبتمبر 2018
معضلة الاقتصاد التركي والليرة التركية كيف ومتى تنتهي ؟

صراحة نيوز – بقلم د فرج محاسنة 

تتعرض الليرة التركية حاليا لموجة انهيار وسقوط حر ادى الى انخفاضها لمستويات كبيرة ومقلقة تهدد الاقتصاد التركي فعليا . ما هي الاسباب وماهي اصلا مشكلة الاقتصاد التركي ؟ بعد ان تم استبدال الليرة التركية القديمة الضعيفة بليرة جديدة وتحديدها بقيمة دولار لكل ليرة في 2010 تم ضبط النفقات والرواتب بناءا على ذلك منذ ذلك الحين.

استمرت الليرة التركية بالهبوط منذ سنة 2010 و وصل الدولار الامركي الى حوالي 7 ليرات تركية (حاليا بالضبط 6.6 ليرة تركية لكل دولار امريكي).

ما هي الاسباب وراء ذلك؟ حققت تركيا نموا اقتصاديا كبيرا خلال السنوات الماضية وذلك بفضل الانتاج المتزايد والنمو الكبير في قطاع السياحة وبفضل التصدير الكبير واستقرار نسب البطالة عند حوال 9.9 % لكن لماذا هبطت الليرة التركية اذا وارتفع التضخم الى مستويات قياسية وارتفع الدين العام الخارجي للحكومة التركية والشركات الى حوالي 300 مليار دولار امريكي؟

لماذا قامت وكالة موديز للتصنيف الائتماني بتخفيض تصنيف تركيا السيادي اكثر من مرة خلال عام واحد لماذا ؟ ان ما دفع وكالة موديز الى هذا التخفيض هو تزايد العجز في الميزان التجاري التركي بقوة تزامنا مع صعود الصادرات وتزايد التضخم بنسب مقلقة والتدخل بسياسة البنك المركزي التركي.

فمشكلة تركيا الاقتصادية الكبرى هي انها تستورد اكثر بكثير من ما تصدر اي ان صعود الصادرات قابله صعود اكبر بالواردات. لماذا ؟

في الواقع ان الصادرات الاكثر لتركيا تعني ان تستورد اكثر ! تستوورد مواد اولية ومكونات ومواد خام تستخدمها في ما تصنعه وتصدره. مشكلة العجز الكبير في الميزان التجاري التركي بين قيمة الصادرات والواردات هي اكبر مشكلة تعترض الاقتصاد التركي.

الفرق بين الصادرات والواردات لتركيا بمئات المليارات لذلك لن يقتنع احد خارج تركيا بقبول العملة التركية كعملة عالمية والتعامل بها ! المشكلة الثانية هي تدخل حكومي بل رئاسي في عمل وزارة المالية والبنك المركزي التركي كيف؟

منطقيا يجب على البنك المركزي التركي ان يرفع اسعار الفائدة على الايداع بينما يصر الرئيس والحكومة التركية على الاستمرار بتخفيض اسعار الفائدة. يودي هذا الى هروب المستثمرين وهبوط نسبة التداول في السوق المالي طبعا هدف الحكومة التركية من تخفيض اسعار الفائدة هو تشجيع الشعب والناس على الاقتراض وبناء المشاريع والبيوت والشركات الجديدة.

بينما منطقيا رفع اسعار الفائدة يودي الى قدوم مستثمرين جدد من الخارج واستثمار اكثر في الاسهم التركية والاقتصاد التركي. ادت تلك المشاكل المزمنة الى انخفاض كبير في سعر صرف الليرة التركية مما ادى الى زيادة التضخم بنسبة كبيرة جدا وصلت الى حوالي 20% في بعض الاشهر فقط !

التضخم قلص من القدرة الشرائية للمواطنين حيث ان الرواتب كما هي بينما ارتفعت الاسعار كثيرا وربما اضعافا مما ادى الى تدني القوة الشرائية للمواطنين وعجزهم احيانا عن تسديد متطلبات الحياة الاساسية. المشكلة الثالثة التي تبدو اخف وطأة هي الاقتراض الخارجي للحكومة التركية والشركات التركية بنسبة فائدة كبيرة جدا تصل احيانا الى 18% سنويا .

هذه الفوائد الكبيرة على مئات المليارات من الديون الخارجية على الحكومة والشركات التركية تودي الى انهاك ميزان المدفوعات بتخصيص جزء كبير من المال لسداد فوائد تلك القروض. طبعا يعتقد الكثيرون مدفوعين بالهالة الاعلامية والعاطفة ان تركيا ليس عليها اي ديون خارجية وهذا وهم والديون الخارجية اعترفت بها نفس الحكومة التركية. اتت المشاكل السياسية لتكن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لليرة التركية التي هوت بشكل حاد مجددا في شهر اغسطس 2018 .

مشاكل تركيا السياسية مع الاكراد وفي سوريا ومع اميريكا وغيرها من الدول يجري التسويق لها في تركيا انها سبب انهيار الليرة التركية وهذا محض هراء لان انهيار الليرة التركية وتراجع الاقتصاد التركي سببه اقتصادي بحت وحقيقي من سوء التعامل مع الملف الاقتصادي. تلك المشاكل السياسية كانت واحد فقط من الاسباب في تراجع الليرة والاقتصاد في تركيا .

اذا المشاكل المتراكمة وتعدد المشاكل اضافة للازمات السياسية في تركيا داخليا مع الاكراد ومع سوريا والازمة مع بعض دول الخليج ومع اميريكا والغرب تشكل تحد كبير امام تركيا في 2018 و2019. ان استمرار سير الاقتصاد التركي على هذا المنوال سيودي فعليا الى انهيار شامل في المنظومة الاقتصادية لا سمح الله خلال عدة اعوام.

ان السياسة الاعلامية للحكومة التركية غريبة نوعا ما فهي لا تتحدث مثلا عن عليها ديون خارجية مطلقا ولا تتحدث عن كون وارداتها اكثر من صادراتها بحوالي 40% وترفض الحديث عن اسعار الفائدة والتضخم القاتل الذي يستنزف دخل الاتراك. مواجهة المشكلة تبدا من الاعتراف بها وعدم التدخل بالسياسة النقدية الطبيعية للبنك المركزي التركي ومحاولة تحجيم حجم الواردات وخفض عجز الميزات التجاري وحل المشاكل السياسية الاقليمية والدولية لتركيا هو المفتاح الاول لحل المشاكل الاقتصادية التركية.

مواجهة المشكلة تستدعي حل شامل ومتكامل فبينما تريد تركيا مقاطعة البضائع الامريكية وتدعو الشعوب العربي والاسلامية وشعبها لذلك تستمر مثلا في فتح قاعدة انجرليك التركية في تركيا بتعداد حوالي 50 الف جندي امريكي هناك وتستمر في الانخراط بقوة بحلف الناتو كعضو فعال ينفذ سياسات الحلف كما تريد اميريكا ! الدكتور فرج المحاسنة – دكتوراة في الاقتصاد والتجارة الالكترونية

 

الاخبار العاجلة