صراحة نيوز – بعد أن كانت مشاعر الهدوء والانسجام والسعادة تملأ كيان الطفل نضال في معظم أوقاته، تغير كل هذا بليلة وضحاها وتحولت شخصيته الهادئة الى أخرى عدائية، وهو ما كان يتضح من تصرفاته وسلوكياته بعد تبدل أحواله.
والدة نضال تقول إن انفصالها عن والده كان نقطة التحول في شخصية نضال ذي الأعوام السبعة؛ إذ تبدل حاله تماماً، وانقلبت حياته رأساً على عقب، مبينةً أن طفلها وبعد وقوع الانفصال عن والده بأيام تغير وأصبح حاد الطباع، وتغيرت علاقته مع أصدقائه وسلوكه في المدرسة للأسوأ.
وتضيف، إنه أصبح في كل ساعة بحالة مزاجية مختلفة، يرفض الأشياء حتى التي كان يحبها، وغدت أحاسيسه سلبية تجاهها وتجاه والده وأقربائه، وبدأ يكره المدرسة ويعبر عن استيائه من كل شيء في حياته، وأصبحت العصبيةوالعنف يطغيان على طريقته في التعبير.
وتضيف، رغم كل محاولاتها لتعويضه عن كل شيء وتوفير كل حاجياته التي كان يحبها تماما كما يفعل والده حين يقضي عنده أياما عدة من الأسبوع؛ إلا أن ذلك لم يغير من طباعه، ولا من حالته النفسية التي يمر بها.
أما “شهد” التي انفصلت عن زوجها منذ سنوات فلا تزال تبحث عن اطفالها الثلاثة والذين “خطفهم الأب وهرب بهم خارج البلد”، بحسب تعبيرها.
اختصاصيون تحدثوا لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ربطوا بين انهيار العلاقة بين الأبوين اللذين يعتبرهما الطفل بمثابة القدوة في حياته، وبين انتكاس الحالة النفسية للأطفال.
أستاذة القضاء الشرعي المشارك في جامعة العلوم الاسلامية العالمية الدكتورة سناء جميل الحنيطي تقول، إن من رحمة الله تعالى بالأسرة المسلمة أن شرع الله تعالى حل رابطة الزوجية (الطلاق) في حال احتدام المشاكل بين الزوجين واستحالة الحياة بينهما، “فكان الطلاق حلاً لمشكلة لا مشكلة بذاتها كما يتوهم البعض” لكنها تشير الى العلاقة الزوجية تثمر في الغالب عن أبناء من حقهم ان يتمتعوا بحقوقهم سواء استمرت هذه العلاقة أم قُدّر لها أن تنهتهي بالطلاق.
وتضيف، ان السؤال الهام في هذه المسألة يدور حول طبيعة العلاقة التي يجب أن تنشأ بين المطلقين بعد الطلاق حيث أن العداء هو السمة البارزة للزوجين السابقين وينصب انتقام أحدهما من الآخر بانتزاع الأطفال بصفتهم وسيلة القتال الأولى بينهما فيجعلون منهم قنابل متقاذفة بينهما ويكون الأبناء هم الخاسر الأول في هذه المعادلة الجاهلة.
وتتابع: من هنا كان لا بد من تعميم ثقافة التعامل بين الزوجين بعد الطلاق، وذلك من خلال وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذا الموضوع كدائرة قاضي القضاة والجامعات اضافة الى الجمعيات التي تعنى بقضايا المرأة وذلك من خلال تصحيح نظرة أفراد المجتمع لطبيعة العلاقة بين المطلقين، وأنها يجب أن تظل قائمة على التفاهم والحوار والتشاركية بناء على ما تقتضيه مصلحة الأبناء.
وتؤكد أن الإيمان بقضية النصيب يشكل قاعدة ايمانية يجب أن ينطلق منها كل من باءت حياته بفشل الزوجية، وذلك بالنظر بعمق أكثر في مصلحة الأبناء التي تقع على عاتق الأبوين بالدرجة الأولى. وتؤكد الحنيطي أن الشريعة الاسلامية بنت جميع أحكام الحضانة للوصول إلى مصلحة المحضون الفضلى ، ذلك أن من حقهم أن يعيشوا حياة كريمة ولو في ظل انفصال الوالدين وإلا كان اهتمام الأزواج بأنفسهم والانشغال بفكرة الانتقام والكراهية والحقد ضرباً من ضروب الظلم للأبناء فتضيع حقوقهم بين والدين يتلذذان في مستنقع “الأنا”، فيكون الأبناء بذلك ضحية الثقافة المجتمعية البائسة والجاهلة بين الأزواج بعد انفصالهما للأسف.
بدوره بين الناطق الاعلامي باسم دائرة الافتاء العام الدكتور حسان ابو عرقوب ان الطلاق بين الزوجين لا يعني نهاية الحياة لأيّ منهما، بل على كل واحد منهما أن يستمرّ في حياته وعطائه، وله أن يكمل الحياة مع زوج آخر ليبدأ من جديد.
وقال، وقوع الطلاق بين الزوجين لا يلغي وجوب نفقة الوالد على أولاده ذكورا وإناثا، بل يجب عليه أن ينفق عليهم حتى إنهائهم المرحلة الجامعية الأولى كما نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية الأردني، ويحرم عليه منع النفقة عنهم أو المماطلة بدفعها لهم.
واضاف، على الرغم من وقوع الطلاق بين الزوجين، يبقى برّ الوالدين لأبنائهما مطلوبا، فلا يجوز لأحدهما إخفاء ولده عن الطرف الآخر أو منعه من التواصل معهم، بل عليه أن يعينه على برّه والإحسان إليه.
واشار ضرورة وأهمية أن يحترم كل واحد من الزوجين الآخر، وأن يحافظ على صورته الزاهية أمام الأولاد، وأن تكون العلاقة بينهما بعد الطلاق مبنية على الاحترام والتقدير.
من جانبه قال استاذ علم الاجتماع والفكر التنموي الدكتور سالم ساري، يمكن ملاحظة ان علاقات الزواج والطلاق في مجتمعنا لا يحكمها الشباب المتزوجون و المطلقون انفسهم لأن شأن الزواج والطلاق عندنا ليس شأنا ذاتيا خاصا، وانما هو شأن عام تتولاه الروابط الاجتماعية الكلية: العائلة والعشيرة والقبيلة، ممتدة الى تدخلات مجموعات الجيران و الاصدقاء والمعارف ولكل من هذه الروابط الكلية مكانتها الثقافية الراسخة للتدخل، في التأكيد والتفضيل ،وفي التفعيل والتأثير.
واضاف، وبملاحظة علاقات ما بعد الطلاق، نرى ان ما كان مخفيا كامنا او مؤجلا من العواطف والمشاعر يخرج فجأة الى السطح بين الافراد والجماعات والعائلات المتصاهرة: فكل ما كان انسانيا جميلا او حميميا متواصلا يتحول بعد الطلاق الى علاقات كريهة متوترة، عدا عن مفردات الوصم والتشويه، والعداء والقطيعة. وكثيرا ما يتحول ابناء الطلاق الى ادوات للابتزاز والمساومة والتهديد والوعيد.
ولأن علاقات الزواج و الطلاق علاقات مجتمعية ثقافية في المقام الاول، يقول ساري انه يمكن ملاحظة ان في ثقافتنا المجتمعية العربية اليوم، تحضر خاصيتان: اولاهما المظهرية و سطحية مفاهيم الحب والكره، وشكلية متطلبات الاقتران والافتراق، والاخرى التسرع في الخيار والقرار، وضخامة وهم التوقعات في الاتصال والانفصال.
كما يغيب في هذه العلاقات الاجتماعية الثقافية عندنا مفهومان (تنمويان) لهما قيمة اجتماعية مضافة اولهما مفهوم الاستدامة، فلم يعد الزواج عندنا ظاهرة مستقلة مستقرة مستمرة، وانما ظاهرة تنتابها التبعية و التفكك والانفصال، سرعان ما يحولها ارتفاع معدلات الطلاق (تكاد تصل عدد حالاته عندنا الى نصف عدد حالات الزواج في السنوات الاخيرة!) الى ظاهرة شبابية قلقة تعكس قلق الشباب انفسهم من تحمل عبء مسؤولية الإنفاق على الابناء والتربية، وثاني هذين المفهومين الصداقة التي تستوجب حفظ قيم التفاعل والحوار واحترام حق التغاير والاختلاف سواء في حالات الاقتران او الافتراق .