قبل أيام انقضى موسم الحج لهذا العام ومعه عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الجميع باليمن والبركات وتقبل من الحجاج حجهم وأعادهم سالمين غانمين لأهلهم وديارهم، وهكذا هي سنوات العمر تمر علينا بكل ما فيها من تفاصيل، لحظات فرح غامرة وأخرى يتملك الحزن فيها كامل تفاصيلنا، لحظات نحقق فيها أجمل النجاحات وأخرى نقف فيها لمقاومة السقوط أو التراجع، عندما نكون سائرين للأمام محاولين تحقيق ما نصبو إليه لنجد أنفسنا قد ضللنا الطريق ودخلنا في طرق فرعية وتشعبات لا قيمة لها تعيدنا عشرات الخطوات للوراء، ولتصبح أنفسنا أسيرة للشعور بأننا ميؤوس من نجاحنا، وأننا لن نحقق شيئاً في حياتنا سوى الخيبات، فنجد من يستسلم بالفعل ويرفع الراية البيضاء أمام ضعف نفسه ليتركها نهباً لأهوائها وفريسة لشعور الهزيمة وتصبح حياته بأكملها بلا معنى هائماً على وجهه في صحراء الخيبات، وفي مقابل ذلك هناك خالد! نعم خالد، ذلك الشاب السعودي الذي قيل له يوماً: بالله وجهك هذا وجه مخترع!
يومها تملك خالد شعور واحد فقط، شعور أن يثبت للقائل وكل أمثاله أن وجهه الذي يؤمن بجماله وجمال العقل الذي بداخله يستطيع أن يحقق ما يراه البعض مستحيلاً، واستمر في العمل والاجتهاد والمثابرة حتى نجح في الحصول على جائزة أفضل اختراع على مستوى العالم من جمهورية الصين الشعبية متفوقاً على ما يزيد عن 900 مشارك من 45 دولة حول العالم، وليس هذا فحسب، بل وجاء اختراع خالد “إحساس الألوان” لمساعدة المكفوفين على تحديد الألوان بالإحساس، وكأنه يقول لذلك الشخص الذي تنمر عليه يوماً بأنه اتجه لاختراع يساعد على رؤية العالم بشكل أجمل وإحساس يخلو من التنمر والإحباط.
وكما خالد كان هناك أحمد! نعم أحمد، ذلك الشاب الأردني الذي توجه لزيارة مركز الحسين للسرطان ليكتشف أن الله أكرمه بالإصابة بمرض سرطان الدم، وكلنا يعرف أن معنى هذا المرض هو تجهيز شهادة وفاة المصاب إلا أن يشاء الله غير ذلك، ولأن أحمد كان مؤمناً بأن المرض هو كرم من الله عزوجل لامتحان صبره والزيادة في حسناته والتكفير عن خطاياه اتجه لتدريب نفسه على مصارعته ومقاومته بكل ما لديه من قوة بل والاستمتاع بهذه الحياة لآخر نفس فيها، وليس هذا فقط بل واستمر في مراجعة المركز على مدار أربع سنوات بابتسامة واثقة مؤمنة بقضاء الله وقدره يواجه بها أصعب سنوات حياته، ولكن هل هذا فحسب، بالتأكيد لا.
قام أحمد بعد أن كان أسيراً للمرض لسنوات لينفض عنه غبار الهزيمة والانكسار وتوجه للتسجيل في الجامعة لينتظم طالباً في كلية الطب وتحديداً للتخصص في أمراض السرطان، ليعود إلى مركز الحسين طبيباً معالجاً ناقلاً نفسه من السرطان إلى السلطان في مجال علومه!
لم يسمح خالد أو أحمد لذلك المطب الذي تعثرا به في حياتهما أن يكون سبباً لانكسارهم أو فقدانهم للأمل، بل على العكس استخدما ذلك المطب لبناء جبل من النجاحات فوقه للصعود من خلاله إلى أعلى قمم النجاح، ومثل خالد وأحمد كثيرين يمكن أن نكون من بينهم أنا وأنت، فعندما تجد أمامك من يعايرك بعدم نجاحك في تجربة ما أو يقول لك أن لا فائدة منك في الحياة وأن عليك الاستسلام فقط تذكر بأن أكبر الانتصارات كثيراً ما كانت تتحقق من قلب الهزائم، وأن أجمل النجاحات تتحقق من قلب مؤمن بعزيمته وقدراته واتكال صادق على الله عزوجل، وأن بإمكاننا أن نجعل من كل عثرة في حياتنا قفزة لخطوة جديدة أجمل وأقوى وسبباً للعودة أقوى دائماً بإذن الله.
كلنا في الحياة ندخل ونخرج ببصمة تشابه تلك التي نبصمها لدخولنا وخروجنا للعمل، نتشابه في بصمة دخولنا لهذه الحياة ولكن الاختلاف بيننا يكمن في بصمة الخروج منها، ذلك أن بصمة الخروج ستكون نتيجة لكل ما عملناه خلال وجودنا في هذه الحياة وما تركنا فيها من أثر، فإما أن تكون بصمتنا صحيحة مميزة تبقى وتحفر في ذاكرة كل من عرفنا، أو بصمة خاطئة تترك أسوأ الأثر، أو بصمة لا يتم تسجيلها أبداً لعدم وجودها من الأساس، ويبقى لنا الخيار.