صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
عندما تنظر حولك ستجد من الإختلافات في العادات والأفكار والتقاليد والمعتقدات بين الشعوب ما يشكل فسيفساء حياتنا التي نعيشها، بل وتجدها أحياناً بين قبائل الشعب الواحد وعائلاته المختلفة، ومن هنا جاءت حياتنا متنوعة بكل هذه الإختلافات في عالم البشر بل وحتى في عالم الحيوان وعالم الجمادات وغيرها من العوالم مما عرفناه أو لم نعرفه بعد، فطريقة التعامل مع الآسيوي لا يمكن أن تكون ذاتها مع الأوروبي أو الإفريقي أو الأمريكي، وحتى طريقة الشرق آسيوي تختلف عن الغرب آسيوي ما ينطبق على القارات الأخرى وكل مكان في هذا العالم، حتى طريقة حديثك وتعاملك لابد أن تختلف بإختلاف ثقافة العرب أنفسهم، فالخليجي يختلف في طريقة تعامله عن الشامي عن اليمني عن المصري أو حتى عن من يأتي من بلاد المغرب العربي، كذلك فيما يتعلق بالإختلافات بين الأديان والمعتقدات، وربما كان إختلاف ثقافة الزوجين في البيت الواحد هو أبسط مثال لإختلاف الثقافات وضرورة معرفة كيفية التعامل معها.
أعدت إحدى الباحثات الروسيات رسالة دكتوراه تناولت بحث مسألة الإبتسام لدى الروس والأمريكان والبريطانيين والألمان، واستطلعت آراء 130 طالباً من جامعات مختلفة في تلك الدول، وكان السؤال الأول في الاستطلاع: عندما تلتقي عيناك بعيني شخص غريب في مكان عام، ماذا ستفعل: تتبسم له ثم تنظر بعيداً؟ أو تنظر بعيداً على الفور؟ أم تركز النظر في عينيه فقط قبل أن تنظر بعيداً؟ وجاءت النتيجة: 90% من البريطانيين والأمريكان والألمان اختاروا التصرف الأول، في حين أن 15% فقط من الروس إختاروا ذلك، ما يظهر إختلاف ثقافة الابتسام لدى الشعوب.
لقد خلقنا الله مختلفين، ولو أراد أن يخلق البشر جميعاً متشابهين لكان ذلك، لكن لنتأمل الكون بأشخاص متماثلة في كل شيء، لابد أنه سيصبح مملاً ولن نجد فيه أناس يمتهنون مهناً مختلفة بطرق إبداعية متمايزة، ومن الضروي العمل على فهم الثقافات المختلفة عنا وعدم التسرع في الحكم عليهم إذا ما أردنا العيش معهم بإحترام متبادل، فلا يمكن أن تكون أفكارنا دائماً صحيحة وكاملة، لأن رؤيتنا للأمور هي من زاويتنا نحن فقط وربما تكون هناك زوايا لا نبصرها من مكاننا، وليس معنى إحترام معتقدات وعادات وأفكار الآخرين ضرورة إعتناقها والإيمان بها، لكن دخولك مع طرف في مناقشة وتبادل الاتهامات والشتائم معه لن يؤدي إلا لتمسك كل طرف برأيه أكثر وخسارة هذا الشخص وربما أسوأ من ذلك، ولذلك كان من الضروري حفظ إطار الإحترام المتبادل بيننا وبين الآخرين، تماماً كما يفعل البعض عندما يعيش في بلاد الغرب محافظاً على عاداته وتقاليده ومتقبلاً ومحترماً إختلاف الآخرين عنها، وقد جاءت كل الأديان السماوية بالنهي عن السخرية من الآخرين المختلفين عنا والتسرع في الحكم عليهم والمحافظة على الكلمة الطيبة والقول الحسن معهم، ولهذا كان علينا تعليم أولادنا عدم السخرية من زملائهم المختلفين عنهم، وأن تبقى “بالتي هي أحسن” هي الأساس لكل تعامل مع الآخرين.
ولعلنا ونحن ننظر في كل هذه الإختلافات فيما بين الشعوب نعود إلى أصل الحكاية التي أخبرنا عنها الصادق المصدوق نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 عام فيما رواه الترمذي: “إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك”، ولأجل أننا جميعاً خلقنا من قبضة تحتوي كل هذا الإختلاف وجب علينا تقبل وجود الآخر كما هو لا كما نريده نحن !