تعلمنا الحياة بأنه في كل مكان تتواجد فيه للعمل والإنجاز لابد وأن يكون هناك شخص واحد أو أكثر من المبغضين لك بلا سبب، من لم يعجبه عملك أو طريقة حديثك أو ربما شكلك أو حتى لم يرق له طولك أو مظهرك الخارجي، نعم هكذا بكل بساطة وليت الأمر يتوقف عند البعض بعدم الإعجاب بل ويبدأ بخلق العداوة معك من لا شيء، والعمل على التخلص منك ومن وجودك بأي طريقة أو أي ثمن كان، برغم عدم وجود أي معرفة أو عداوة أو حتى ثأر سابق بينك وبينه.
وهنا تبدأ تحتار فيما بينك، ماذا أفعل مع أمثال هؤلاء، من يشغلون أنفسهم بغيرهم ويتلذذون بالإساءة لهم لأي سبب يخلقونه من وحي خيالاتهم، ترى هل أرد عليهم وأوجعهم أم أتركهم لنهب أوهامهم تأكلهم حتى يتضاءل وقود بغضهم لوحده، وهنا تقفز الإجابة التي نهوى ونجدها أنجع الطرق مع أمثال هؤلاء “وما أكثرهم”، وهو الرد عليهم أقوى رد وأصدقه ولكن دون النطق بكلمة واحدة، فندعهم يتكلمون ويتحدثون ويوهمون أنفسهم بالبطولات الخيالية اللحظية ليأتي لهم الرد بعد ذلك من خلال عملنا ونتائج ما نقوم به على الأرض، لا في بطولات الكلام والمتكلمين والأحلام والأوهام، ذلك أننا لو انشغلنا بالرد على أمثال هؤلاء ما أنجزنا ولا 1% مما نخطط له في حياتنا، ليس هذا فحسب بل وأننا ربما نصبح من أبطال وهم الكلام والمتكلمين ونفرغ أنفسنا من أي قيمة أو معنى، بل ونصبح أسوأ بكثير ممن يتقصدون الإساءة لنا، وقديماً قيل لا تندفع في رد الإساءة بمثلها فلا يعلم سامعكم من بدأ بالإساءة أو تسبب بها ولا يميز من بدأ بها، ولهذا أمرنا الله عزوجل في كتابه الكريم ذلك الأمر الذي نعشقه ونرى نتائجه عياناً دائماً بأن ندفع بالذي هو أحسن مع كل إنسان إمتهن عداوتنا بسبب أو بلا سبب لنجده ينقلب مع الزمن صديقاً حميماً حتى على الأقل يتفادى ظهوره بمظهر من لا قيمة له إلا في الإساءة لغيره ومن يتجنبه الآخرين لسوء خلقه أو بذاءة لسانه، وأمثال هؤلاء لا نجد لهم أحقية ولا لتملك دقيقة واحدة من وقتنا خصوصاً عندما يكون استثمار وقتك في زرع ورود الخير في عقول وقلوب ودروب الآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فعندها لن يجد من يسئ لك ولا زاوية واحدة ليقف فيها في طريقك.
وكم من شخص أساء إليك فلم تقم برد الإساءة عليه في وقتها وتركته سنوات وهو يتلذذ بها شاعراً بانتصار وهمي خلقه من وحي خياله، ليبقى ينظر إليك متمنياً انحدارك إلى مستوى إساءته منتظراً تلك اللحظة الذهبية حتى يجهز عليك، فتأخذه في النهاية إلى فقدان أمله بعد أن يراك يوماً بعد يوم وأنت ثابت تزداد ثباتاً وهو متحرك يبحث لك عن الزلة والخطأ، فتجده يتسلل إليك معترفاً بإخفاقه في سحبك إلى هاويته وتكون أنت الرابح الأكبر ويلوذ هو بخسارته وخيبته الفادحة التي أفرحته لحظات في البداية وأوردته حسرة وندامة في نهاية المطاف، وتبقى التجربة خير برهان، وربما كان أفضل مثال حي على ذلك تلك المتصلة المغوارة التي لم تترك إساءة إلا وتفننت بها في حق الشعب الأردني بأكمله حزناً على انتقادهم وغضبهم من أحد أصحاب المعالي الوزراء، ولأمثالها لا نجد رداً أنسب من (وكم كلمة قالت لصاحبها “أغرب عن وجهي”)!
كما لا يمكن لنا أن ننهي سطور مقالتنا قبل الترحم على شابتين بعمر الورود، غادرتا الحياة غدراً على يد إثنين من شياطين الإنس، الشابة الأردنية في جامعة العلوم التطبيقية في العاصمة الأردنية أو الشابة المصرية أمام جامعتها في مدينة المنصورة المصرية، رحمهما الله بواسع رحمته وربط على قلوب أهلهم وأحبابهم، وانتقم من المجرمين عاجلاً غير آجل، وتبقى هذه الأفعال الشاذة لا مبرر لها فهي نتاج ذلك الشيطان الكامن في عقول فاعليها، من يجب أن يكون هناك عقاب رادع يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على الجريمة، خصوصاً في مجتمعات تربينا فيها على عظم جريمة ضرب الأنثى فما بالك بقتلها، تربية مستمدة من تعاليم ديننا الكريم الذي علمنا “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”، حفظ الله شبابنا من الإناث والذكور وكفانا جميعاً كل الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن وما علمنا منها ومالم نعلم.