صراحة نيوز – احمد يوسف البدادوة
لنكن واضحين وضوح الشمس في وسط النهار وان نعالج الامور بالحقيقة وليس بالاوهام .
لكل انسان أو كيان مجال قوة ..وهو في صراعه ومعاركه ، يستدرج أعداءه إلى دائرة قوته .. وهذا ضمن الواقع لا التشبيه، فحين يخوض شخص أو كيان معركة خارج دائرة قوته ، وداخل دائرة قوة عدوه ، فان خسارته ستكون مؤكدة وفادحة.
لاحظوا معي ( كيف يتحرك الاردن على جميع الجبهات) ..
ولكن ؛ هل باستطاعته ان يخلق له جبهة يخوض من خلالها حربا ضد اسرائيل وحلفائها وهي كما نعلم قوة نووية وعسكرية .. نعم نحن استطعنا كعرب وبالشعارات فقط تجريد اسرائيل مما تملكه ومن امكانية استعمال قوتها وترسانتها النووية ..
لكن الاردن وحدها وهذه لغة المنطق لا تستطيع ان تجر اسرائيل الى معركة داخل دائرة قوتها ، بالنظر الى نوع قوة الخصم ونوع الحليف الذي يدعمها ..
الأمر بالنسبة للعموم شبيه بالاعلام ولا يتعدى المناوشات والاعتصامات ومجموعة شخصيات شعبية وسياسبة يرفضون ويستنكرون ما تقوم به اسرائيل وامريكا ومن معهم دون أن يستطيعو فعل اي شيء ..
ومع ذلك فقد تم الرهان على الاردن ولا يهمني ان راهنوا على غيرها .. الرهان على استدراج امريكا لنا لحضور ورشة البحرين او جرنا خارج دائرتهم ، لتخوض امريكا واسرائيل بعده المعركة معنا في دائرة قوتهما .
فكلنا يعلم دائرة قوة الدولة الاردنية ، وهي أن لا تدفع بسياستها إلى خطأ يمكنها تدويل القضية الى الغير .. كالتورط في الاتفاقات والرضوخ للخطة الامريكية بما يتعلق بالقضية الفلسطينية واثرها على الاردن وهويته ووجوده ،أو الخروج عن هذه القضية برمتها ..
فقد كان وعي الديبلوماسية الاردنية واضحا بهذا الشيئ، حين سد كل أبواب التدويل ، وتعهد بعدم اراقة قطرة دم واحدة او الدخول في حرب خاسرة للشعبين الاردني والفلسطيني مع اسرائيل او غيرها.. فهو اذن كمن سد باب الخروج الى المجهول ..
وبالعكس ، فقد استدرج الاردن خصومه إلى دائرة قوته في بادئ الامر ، رغم محدودية هذه القوة وهي ( الصراع مع الضغوطات عليه ضمن المعقول) ، وكانت دائرة قوية لولا اصبح يبحث مرهقا لانهاء نفوذ القحط الاقتصادي عليه والذي تسبب به قريبون وبعيدون باعتباره السلاح الاخطر لاضعاف الاردن ورضوخه .
بعد يومين ، سيحصل امر جديد ، وهو بداية تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن ..وسيكون مجالا للتعليق والكتابة من كل صوب وحوب وسيكون ارضا خصبة للجميع بالتقول كل حسب علمه ..
لكن الامنية الوحيدة في هذه الظروف والتي يجب ان تتفهمها الاقلام والعقول والالسن هي ،مسالة ( الاردن ضمن التهديدات) ليكون او لا يكون .. لأن (ارهاق الاردن من كل ناحية) موضوع داخل في دائرة قوة الخصوم ( اسرائيل وامريكا ومن يدعمهما من دول عربية واخرى) ..وهذا سيضع الاردن بسياسته وشعبه وجيشه وامكانياته أمام امتحان كبير، ومسؤولية جديدة ، تكون عبئا اضافيا عليه .
المنتظر وهذا حقيقة قائمة أن جماعة ورشة البحرين لن يصدعو امام القرارات الاردنية ، وسيحاولون كسر قرار منع رفع هذه الكوابيس عنهم ان راوها كذلك ، وهو ما حدث سابقا باضعاف دول في العالم لانهاك قوتها وبالتالي اجبارها على فعل ما تريد منها ، وهذا ما حصل فعلا للاردن وكيف كان واصبح ضمن الاثقال المخيفة التي غرق بها من ضعف اقتصاد وحروب ومهجرين الى اراضيه وشح ماء وتزايد اعداد البطالة فيه وديون اتبعها قطع المساعدات العربية والاجنبية عنه وظهوره وحيدا حتى تردت احواله واصبح يصارع في اشد المحن واقواها .
كل هذا سيضع قرار الدولة الاردنية بموضع خطير .. فإذا تراجع عن حضور الورشة في البحرين فسيعني ذلك الخطر الذي ستقود الاردن نفسها اليه مع ما اوضحناه من نظرية اضعاف بعض دول العالم اقتصاديا لارغامها بعمل ما ، وإذا شاركت به لتستمع وتحاور ضمن محيط امنها وشعبها بما يحفظ كينونتها فهو انطباع (الدولة المتامرة بنظر الاخرين) وسينتقل القوم إلى الطعن بها..
من جهة اخرى إذا لم تتراجع الاردن عن قرارها بالحضور ، وواجهت الأمر بحزم ضمن ثوابتها ، فإن ذلك قد يخلف اثارا اكبر خطورة عليها ستستعملها الدائرة القوية ( امريكا واسرائيل ) لصالحهما ، خاصة في مستقبل اسلوب تعاملهما مع الاردن ونوع رسائلها الموجهة الى الدول المعنية مع اسرائيل ، لتظهر أن أقلية ونحن منهم ، ممنوعة من التعبير عن رأيها بما يتوافق مع حفظ وجودها وهويتها وهوية شعبها والضغط الاقتصادي القاتل عليها ، وامور اخرى مثل كيف يتعامل كثير من الاخوة الفلسطينيين المتواجدين بالاردن ومن هم ايضا على الاراضي الفلسطينية ورغبتهم الاكيدة بعدم العودة وموافقتهم على التعويض والعيش مع الكيان الاسرائيلي جنبا الى جنب ( وهذه حقيقة تخضع لاستطلاعات حقيقية وواقعية ، الامر الذي يرفضه الاردن بقوة حفاظا على الهوية الفلسطينية والاراضي الفلسطينية نفسها وحفاظا على مقدساتها ووووو …
أسئلة كبيرة ومتنوعة طرحت نفسها امس واليوم ..تتعلق بالأهم ، وهو قرار الاردن الذهاب الى البحرين وحضور المؤتمر فيها وماذا ستيمخض عنه هذا اللقاء ، وهذه اسئلة طرحت على الساحة الاردنية واصبحت رايات وشعارات في بعض المجالس وحديث الناس والمسيرات في العاصمة دون اي تحليل واقعي للوضع القائم الذي يحاصر الاردن ومبدأه الثابت ضمن حلقات خطيره كتهديد اقتصاده وهويته ووجوده ..
خلاصة الأمر أن هناك عملية كسر عظم كبيرة ومصيرية ستواجه الاردن ( وهذا ما يجب علينا ان نفهمه ) ، بين سياسة الاردن التي تناور وتحارب على كل الجبهات من اجل الهوية الاردنية والحفاظ على فلسطين والهوية الفلسطينية بما فيه كبنونة الطرفين ، وبين ان تتحمل ما تعانيه من اثار القضية الفلسطينية عليه في مؤتمر البحرين ، ومنذ يومين بدأ التلويح بامكانية الدخول في المؤتمر .. وهو نوع من الضغط العميق على الدولة الاردنية .. ليحلله الكثير بمفاهيم وتحليلات مختلفة ومتنوعة .
رأيي ، أن امتناع دولتنا الاردنية بحضور مؤتمر البحرين من عدمه لا يجب أن يكون ملفا يتناوله الكل دون تفهم او دراية ، لأن المرحلة الحالية لا تتسع لغير ملف واحد ، وهو ملف (وجود الاردن او لا يكون) ، كما أن المرحلة التالية ، لا تتسع لغير ملف كيف سنسير مع دائرة القوى وبهذا الضعف العربي المشهود ..
لذلك لا بد على النخب في الاردن جميعها ولا بد على الجميع أن يدرج ملف الوجود الاردني في تفهمهم للواقع ضمن ملف كيف سيتعامل الاردن مع (الصفقة) ضمن كل هذه التهديدات التي تهدد مصيره والقضية برمتها باعتبار أن الذين مولوا مشروع نشر هذه الصفقة ، معروفون ،
فعدم اضافة تهمة حضور الاردن لورشة المنامة الى ملفات الاردن الثقيلة هو (الواجب على كل واحد منا) ..مع العلم أن هناك شبكة ارتبطت فيها مهمة نشر كل ما هو ضد الاردن وسياستها واتهامها بالتمويل والاتفاق السري لذلك ..
وهو ما يعني أن الاردن لم تكن بعيدة عن ملفات أخرى لها علاقة بالمساس بامنها وهويتها وتراقب عن كثب التمويلات المالية السرية ضدها ، وبغير ذلك فان الكثير ممن سيتهكم على الاردن او سيتهمه ، عليه ان يسأل نفسه ؛ هل هو ممن تهمه القضية الفلسطينية ام من الذين ينتظرون التعويض بالدولار ولا يعترف بفلسطين وهو من ابناءها اصلا ، ام ما يتقول به مجرد شعارات امام الاخرين .
اخراج الاردن ايها السادة من دائرة (الضعف) إلى دائرة (الأمن والهوية ) وهذا ما تحارب الاردن من اجله ، الأمن وليس (السياسة) هو وحده ما سيضمن تحويلها إلى (ممنوع من الاعتراض على كل ما يمس بكينونتها) ..لأن الدول المهيمنة وخصوصا الدول العظمى وعلى راسها امريكا تتدخل عادة في الأمور المرتبطة بالمصلحة لها وبالثقافة والفكر والاقتصاد وحتى السياسة الداخلية للدول الاضعف ، لكنها تتدخل في أمور (الأمن) حين تشعر بان هناك عائقا امامها يعيق مصالحها وخططها . وهذا ما يجب ان ينتبه له الاردنيون وان يعلمو بان الديبلوماسية الاردنية الان تواجه اشرس المعارك ضد منظومات اقوى تهدد امن الاردن وهويته اكبر من الارهاب والعنف والانقلابات .
الاردن بالنسبة لامريكا واسرائيل ومن يقف معهما من دول عربية يعتبر بمواقفه الثابتة عبارة عن (شق للصف) ، وعبث بمصالحهم ورموز خطتهم ، وكل ما يشكل خطرا على مسيرتهم ، ويمكن المعاقبة عليه .
فمرة أخرى نقول : المشكلة أن الشعب والنخب واخرون لحد هذه اللحظة ، يكتفون للاسف بالتواجد في خانة التعليق والتحليل ، والتصفيق والشعارات ، بينما المرحلة تقتضي تفهم الحقيقة التي تحاصر الاردن قيادة وشعب ولماذا نزلت إلى الملعب .
فلنقف جميعا مهللين بدعوات ان يكلئ الله الاردن وقيادته وشعبه برحمته وعنايته وان يخرجه من كيد الكائدين وحقد الحاقدين انه سميع مجيب الدعوات . امين