صراحة نيوز –
قفز اسم النائب اللبناني السابق محمد الصفدي إلى الواجهة، اليوم الجمعة، مع تداول اسمه مرشحاً محتملاً لرئاسة حكومة تكنوسياسية، ضمن سلة توافق رباعية ضمّت تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، والتيار الوطني الحرّ برئاسة جبران باسيل، وحركة أمل بقيادة نبيه بري وحزب الله بزعامة حسن نصر الله.
وفيما اندلعت الانتفاضة اللبنانية في 17 تشرين الأول/أكتوبر، ضدّ الفساد والنهب والمحسوبية والطائفية، التي تنهش في البلد منذ عقود، يأتي اسم رجل الأعمال الصفدي ليستفزّ المنتفضين، الذين يصفونه ضمن “كلن يعني كلن” (جميعهم يعني جميعهم)، خصوصاً أنهم يرابطون في واحد من أبرز المواقع التي تمثل وجهًا من وجوه الفساد في لبنان: “زيتونة باي” في العاصمة بيروت، حيث يعدّ الصفدي أحد أبرز المستثمرين فيه، ويتم تصنيفه من “الأملاك البحرية المنهوبة”، رغم إصدار إدارة الشركة بياناً توضيحياً لتبرير استثمارها في الأملاك العامة.
ويرى البعض أن تسمية الصفدي، وهو حوت مالي لا تنحصر أعماله وعلاقاته داخل لبنان، بل تمتد لتشمل دولاً أوروبية وخليجية، كانت نتاج اتفاق بين وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل وحزب الله وأمل، على اعتبار أن اللقاءات الأخيرة لباسيل مع الحريري رجحت أن يكون وزير الخارجية قد حصل على الضوء الأخضر من الحريري لتزكية الصفدي. وبالطبع لا يُعتبر الصفدي من خارج النظام اللبناني أو الطبقة الحاكمة، لكنه أكثر هدوءاً من غيره، إذ لا يشبه رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، تحديداً لناحية اندفاعه في الملفات السياسية وبقائه تحت دائرة الضوء. ومعروف عن الصفدي صداقته مع مختلف الشخصيات الأساسية في لبنان، فهو قريب من الحريري، وصديق لرئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري. كما أن زوجة الصفدي، فيوليت خير الله، كانت وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب في حكومة الحريري المستقيلة.
الصفدي ليس غريباً في الساحة السياسية، بل أحد الوجوه البارزة في مدينة طرابلس الشمالية الفقيرة، وهو من أثرياء لبنان. وُلد الصفدي في طرابلس عام 1944، وحصل على إجازة في العلوم الإدارية من الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1968. بدأ حياته في التجارة في طرابلس ثم انتقل إلى بيروت في عام 1969، ومنها انتقل إلى السعودية في عام 1975 عشية الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، وتوسعت أعماله في عدد من الدول العربية وأوروبا من خلال مشاريع استثمارية متنوعة، شملت قطاعات البناء والإسكان والطيران والتكنولوجيا والسياحة والمصارف. وقام عام 2000 بإطلاق “مؤسسة الصفدي التنموية”. انتُخب نائباً عن المقعد السني في طرابلس عام 2000، وأعيد انتخابه عن المقعد نفسه عامي 2005 و2009، بينما رفض الترشح لانتخابات عام 2018.
شارك في عدد من الحكومات كوزير، وذلك في الفترة من 19 يوليو/تموز 2005 إلى 11 يوليو/تموز 2008، إذ عُيّن وزيراً للأشغال العامة والنقل في حكومة السنيورة خلال عهد الرئيس إميل لحود. ثم عُيّن وزيراً للاقتصاد والتجارة بين 11 يوليو 2008 و9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، في حكومة خلال عهد الرئيس ميشال سليمان. وظلّ وزيراً للاقتصاد والتجارة بين 9 نوفمبر 2009 و13 يونيو/ حزيران 2011 في حكومة سعد الحريري في عهد ميشال سليمان. وبين 13 يونيو 2011 و15 فبراير/ شباط 2014 عُيّن وزيراً للمال في حكومة نجيب ميقاتي في عهد ميشال سليمان. الصفدي عضو في مجلس المستشارين في معهد جامعة جون كينيدي في جامعة هارفارد، ومجلس الأمناء في الجامعة اللبنانية الأميركية، ومجلس أمناء مؤسسة تدريب الرواد اللبنانية، ومجلس أمناء جامعة الجنان.
ويُتوقع ألا يوافق اللبنانيون المنتفضون على تسمية الصفدي، لأسباب عدة، منها أن طرح حكومة تكنوسياسية غير وارد لديهم، مع توقعات بأن الصفدي لن يسمح بمعالجة ملفات فساد قد تمسّ الأطراف السياسية التي اختارته أو أنصارها، فضلاً عن أنه لن يتمكن من مواجهة التحدّيات المستقبلية، سواء في سياق التدهور الاقتصادي الحالي، أو في ملف مواجهة حزب الله والأميركيين. أغلب الظن أن طرح اسم الصفدي يُراد منه، في حال نجاحه بتشكيل حكومة جديدة، تمرير مرحلة انتقالية قبل عودة الحريري مجدداً.
في تقرير مؤرخ في 2 ديسمبر/كانون الأول 2006، كتبت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية عن تحقيق “مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطير” البريطاني مع الصفدي، الذي وصفته الصحيفة بـ”الملياردير اللبناني”، وذلك بشأن صفقة أسلحة سعودية مثيرة للجدل مع شركة “بي آي إيه”، المختصة في الصناعات الدفاعية، باعتباره “الوسيط الثاني للسعوديين”.
وإذ ذكرت أنّ شركات العقارات التابعة له قد تلقّت عقوداً من شركة الأسلحة البريطانية، وأنّ لديها أسهماً في مباني مكاتب في لندن بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني، أشارت الصحيفة إلى أنّ المحققين يريدون الوصول إلى حسابات الصفدي لمعرفة ما إذا كانت شركة الأسلحة قد حوّلت أموالاً سرية عبرها إلى المسؤولين الحكوميين السعوديين.
وذكرت أنّ التحقيق يبحث في وجود أي حسابات مصرفية سويسرية تخصّ الصفدي الذي عمل لصالح أقارب ولي العهد السعودي آنذاك سلطان بن عبد العزيز.
ونقلت الصحيفة آنذاك عن أحد الشهود المحتملين الذين قابلتهم هيئة الرقابة المالية قوله: “لقد سُئلت عن دور السيد الصفدي. أخبرتهم بأن شركته في المملكة المتحدة، (جونز للاستشارات)، دفعت فواتير للأمير تركي بن ناصر، قائد القوات الجوية السعودية”.
وفي تقرير ثانٍ نشرته الصحيفة في 7 يونيو/حزيران 2007، لفتت الصحيفة إلى أنّ الصفدي انتقل إلى الرياض عام 1975، حيث بنى مجمعات سكنية لشركات مثل “بي آي إيه”، التي دفعت عمولة للأمراء السعوديين لقاء هذا الامتياز. وانتقل الصفدي إلى لندن، حيث بدأ العمل كمدير أعمال لقائد القوات الجوية السعودية الأمير تركي بن ناصر، صهر ولي العهد سلطان.
ولفتت “ذا غارديان” إلى أن أسهمه البريطانية تشمل شركة “ستو سيكيوريتيز” العقارية، بأصول تبلغ 200 مليون جنيه إسترليني، على الرغم من أن اسمه لا يظهر في سجل الأسهم، ويتألف، إلى حدّ كبير، من كيانات في جيرزي وجبل طارق، لافتة إلى أن أحد المساهمين هو الجنرال أحمد إبراهيم البحيري، أحد القادة الكبار السابقين في سلاح الجو السعودي.
ووفق الصحيفة، فإنّ الصفدي كان مستثمراً في الخطوط الجوية البريطانية عبر المتوسط، إلى جانب زميله، الوسيط السعودي وفيق سعيد. ولفتت إلى أنه كان على متن هذه الخطوط تشارلز بأول، المستشار السابق للشؤون الخارجية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، المشاركة عن قرب بصفقة “اليمامة” السعودية، وهي سلسلة من صفقات شراء ضخمة لأسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية مقابل النفط الخام.
أشارت شبكة “بي بي سي” البريطانية إلى أنّ الأسباب التي أبداها الرافضون لترشيح محمّد الصفدي لخلافة الحريري تركّزت في أغلبها حول ما وصفوه بـ”شبهات فساد تحوم حوله”.
وشعر قسم من المتظاهرين بأن تسمية الصفدي لرئاسة الحكومة “استفزاز مباشر لهم”. وقالوا إن الصفدي أحد مالكي خليج الزيتونة، الذي يتجمع فيه المتظاهرون منذ فترة ويعتبرونه “ملكية بحرية عامة استولى عليها فاسدون”.
وأشار المغردون إلى أن اسم الصفدي “ارتبط بتهم باستغلال المنطقة البحريّة في بيروت ضمن مشروع (الزيتونة باي) بشكل غير قانوني”. ويقول مكتب الصفدي إنه يمتلك نسبة 17 بالمئة من المشروع.
وفي عام 2013، برز سجال بين وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي ووزير المال آنذاك محمد الصفدي، تحدّث فيه الأول عن ملفات متعلقة بالأملاك العامة “تنطوي على فساد أكيد”، على حدّ قوله. وقال العريضي حينها: “منذ تسلّمي وزارة الاشغال جاءني أشخاص طالبوني بتوقيع مشروع في (الزيتونة باي)، ولم أوافق، وكان المطلوب ارتكاب مخالفة. ذات يوم جاءني اتصال يقول إن شخصاً يقوم بصب عواميد من الباطون في المكان بشكل مخالف للقانون لربط المبنى بمنطقة أخرى، وهو مخالفة، ومرتكبها مسؤول بارز عن المال العام. وهي مخالفة للمرسوم الذي يحدد نسبة البناء في هذه المنطقة، إضافة إلى مسألة متعلقة بإشغال الأملاك البحرية. لم أصدق، اتصلت بمدير عام التنظيم المدني وأرسلت وفداً وأكدوا لي ذلك”.
وأضاف العريضي أنّ الوزير محمد الصفدي قال إنّه لن يوقّع على أي معاملة للوزارة إلا إذا وقّع على مخالفاته في البربارة و”الزيتونة باي”. وأعلن أن الصفدي “ارتكب مخالفة في البربارة وبنى ميناء من دون ترخيص ومن دون إجازة، وهو الوزير المسؤول عن هذا الأمر”، قائلاً إنه “في 24 مايو/أيار تسلّم معاملة من الصفدي مع الخرائط الكاملة للميناء، وموقّعة منه، وكان المطلوب إسناد الميناء بمكعبات رمادية، وأي موافقة تصدر من جهتي تعني الموافقة على المخالفة، وطبعا أنا لم أوافق”.
ورداً على القول إن الصفدي يملك مرفأً في جبيل، أكّد مكتبه آنذاك أنّ “هذا الأمر مضحك وليس صحيحاً على الإطلاق، فالوزير الصفدي يملك منزلاً في بلدة البربارة تم بناؤه بأقل من حجم الاستثمار الذي يحقّ له به في العقار، ويتعرّض المنزل خلال فصول الشتاء إلى أمواج عاتية تتجاوز الـ6 أمتار ما يؤدي الى إصابة أجزاء منه بأضرار. ولذلك فإن المهندس المشرف على البناء تقدّم بطلب لبناء كاسر أمواج ليخفّف من ضغط الموج على البيت، ومنحته وزارة الأشغال العامة والنقل هذه الرخصة فتم بناء الحاجز، وهو حائط من الإسمنت، وللأسف هذا الحاجز تعرّض بدوره لانهيارات وتشقّق بسبب الأمواج العاتية. وهذا ما دفع إلى طلب رخصة لترميم الحاجز الإسمنتي، وهذا هو المستند الذي رفعه وزير الأشغال العامة غازي العريضي أمام الكاميرات في مؤتمره الصحافي واصفاً حائط الدعم بأنه ميناء”.
وأضاف المكتب: “من المضحك فعلاً أن يتم الحديث عن وجود ميناء أو مرفأ غير شرعي في هذه الأيام، إلا إذا كان وزير الأشغال يعود بالذاكرة إلى زمن الميليشيات أيام الحرب. أما المزعج والمسيء فهو خلط الخاص بالعام في السياسة، بنوع من التذاكي في سياق حملة إعلامية مبرمجة لضرب صورة الوزير محمد الصفدي”.