صراحة نيوز – بقلم: جهاد أحمد مساعده
في ظلِّ الظروفِ التي يشهدُها العالمُ من أزماتٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ، يدركُ جلالةُ الملكِ أنّ المرحلةَ التي يمرُّ بها الوطنُ بالغةُ الدقّةِ والأهميةِ، ولكنَّ ما يُطمئن الملكَ هو وعيُ الشعبِ الأردني، وثقةُ الشعبِ في وقوفِ القائدِ بجانبهم، وخاصةً في ظلِّ المعاناةِ من تلكَ الظروفِ الاقتصاديةِ الصعبةِ.
فجلالةُ الملكِ بحاجةٍ اليوم إلى قياداتٍ تكونُ قادرةً على ترجمةِ أفكارِهِ، واستقراءِ المستقبلِ في ضوء معطياتِ الواقع، فالأزماتُ التي يختلقُها بعضُ المسؤولين باتت تؤرقُ جلالَتَهُ، وأصبح لديه قناعةٌ بأنَّ أداءَ بعض المسؤولين لا يرتقي إلى أدنى المستوى المطلوب، فالوطنُ لا يحتاج لمسؤول يتصف بالتراخي أو التباطؤ، وينتظر لعدد من السنوات حتى يفكّ طلاسمَ الوزارةِ التي يتولى إداراتها.
إن الأزمات التي صنعها بعض الوزراء، وما يشهده الوطن من إضرابٍ للمعلمين، وارتفاعٍ في نسبِ البطالةِ بينَ الشبابِ الأردني، وعجزِ بعضِ الوزراءِ في وضعِ رؤىً استراتيجيةٍ حقيقيةٍ للنهوضِ بالوطن، يُعد دليلًا واضحًا على ضعفهم في عمليات التخطيطِ الاستراتيجي والتطوير، مما يشيرُ إلى سوء اختيارهم لشغلِ هذه المناصب، حيثُ يعلمُ كلُّ مواطنٍ كيفيةَ التنسيبِ والتعيينِ لأولئك الوزراء.
يجبُ أنْ يدركَ المسؤولُ حينَ اختياره أنَّهُ يحملُ أمانةً كبيرةً، وعليه أن يعرفَ جيدًا بأنَّه إذا لم يستطعْ حملَها فعليه الاعتذارُ والتنحي، لأنَّ الوطنَ ليس حقلَ للتجاربِ، وأنَّ المنصبَ هو تكليفٌ لخدمةِ الناسِ، وليس لنيلِ مكانةٍ خاصةٍ.
إنّ الرؤيةَ الملكيةَ حددت مساراتٍ مهمّةٍ لعملِ كل حكومةٍ؛ للنهوضِ بالوطنِ، لكن ما نشاهدُه على أرض الواقعِ هو إخفاقُ تلكَ الحكوماتِ في تحقيقِ تلكَ الرؤى.
إن هذا الإخفاقَ والفشلَ في عملِ الوزاراتِ يعودُ إلى عمليةِ اختيارِ الوزراء، فيا ترى منْ الذي يختارُ تلكَ الشخصيات: إن عمليةَ اختيارِ تلك الشخصيات تأتي تزكيةً من بعضِ المسؤولين الذين فشلوا في تحملِ المسؤولية، وأخفقوا في أداءِ واجباتِهم، وبالتالي فإن تكرار السيناريوهات أصبح مشهدًا اعتياديًا في تشكيلِ كل حكومة.
إن الوطنَ الآن بأمسِّ الحاجةِ لوضعِ خريطةِ طريقِ تشملُ: الجانبَ الاقتصادي، والنظرَ في سلمِ الرواتبِ للموظفين كافةً، وإعادةَ النظر بالرواتبِ التقاعديةِ المرتفعةِ التي ترهق ميزانية الدولة، وإلى النظرِ بالامتيازاتِ التي ينالُها المسؤولون تحتَ شعارٍ “أَعْطِهِ يا غُلام”.
نحنُ بحاجةٍ إلى عدالةٍ اجتماعيةٍ، وعدالةٍ اقتصاديةٍ، وبحاجةٍ إلى قانون لا يُفصَّل على مقياسِ متنفذٍ أو مسؤولٍ، فالشعبُ الآنَ يريدُ تطبيقَ مبدأ التضحيةِ لا الترضيةِ، أو التنفيعاتِ القائمة على العلاقات.
الوطنُ يحتاجُ لشخصياتٍ تكونُ على قدرٍ عالٍ من تحمّلِ المسؤوليةِ، والقدرةِ على تحقيقِ الأداءِ والإنجاز.
نريد حكومة لا ترضخُ للمصالحِ الشخصيةِ لبعض أعضاء مجلسِ الأمة من نوابٍ وأعيانٍ، كما نريد أعضاءَ مجلسِ نوابٍ لا يبتزون الحكومةَ لمصالحِهم الشخصيةِ.
نريدُ نوابًا أصحابَ عدالةٍ ونزاهةٍ، أصحابَ رأيٍ وتشريعٍ، لا نوابًا يهرولونَ للتوسطٍ في تعيينٍ النطيحةِ والمترديةِ في مناصبِ الدولةِ، وفي المقابلِ نريد حكومةً عادلةً تعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، لا حكومةً تسعى لإرضاءِ بعضِ الذواتِ من الوزراءِ أو النوابِ.
إنَّ هذه الحكومةَ وما سبقها من حكوماتِ غيرُ قادرةٍ على تخفيضِ نسبةِ الدين العام، وتوفيرِ فرصِ عمل للشباب، وإنَّ كلَّ ما يُعلنُ عنه ما هو إلا استهلاكٌ إعلامي سرعانَ ما ينكشفُ زيفُه.
إن زيادةَ الدينِ العام، وارتفاعَ نسبِ البطالةِ، وعدمَ وجودِ استراتيجيةٍ لجذب الاستثماراتِ دليلٌ على فشلِ الإجراءاتِ التي وضعتها الحكومةُ، كما يدلُ على عدمِ امتلاكِ الحكومةِ لرؤيةٍ واضحةٍ، وإنما يعتمدُ عملُها على الاجتهاداتِ والمزاجيةِ لبعضِ الوزراءِ دونَ علمٍ أو دراية.
هل تنتظرُ الحكومةُ غضبةً منَ الملكِ؟
لقدْ أرسلَ الملكُ رسائلَ واضحةً للحكومةِ يفهمُها كلُّ عاقلٍ، فجلالتُه لا يريدُ أن يختبئ وراءَهُ أحدٌ، وعلى الجميعِ أن يتحملَ مسؤوليتَه، يريدُ أداءً مقترنًا بالإنجازِ ضمنَ خطةٍ زمنيةٍ محددةٍ.
الوطنُ اليومَ بأمسِّ الحاجةِ إلى فريقٍ حكوميٍّ أمينٍ عليه، قادرٍ على التعاطي مع الأزماتِ الاقتصاديةِ التي أنهكتِ المواطنَ، فريق لا يزوِّرُ الحقائقَ ويرسلوها لجلالةِ الملك.
لقد أشارَ جلالةُ الملكِ إلى أنَّ هناك عقليةً لدى بعض المسؤولين أصبحت عائقًا أمامَ الاستثمارِ، والتسريعِ في عمليةِ النموِ الاقتصادي، وهنا نؤكدُ لجلالةِ الملكِ إنَّ الذين يرفضون عملياتِ الاستثمارِ ويؤخرون تنفيذَ توجهاتكم، لا يفكرون في مصلحةِ الأردن وشعبهِ، وإنما يخافونَ على مصالحِهم الشخصيةِ.
لذا يراهنُ الملكُ اليومَ على الشرفاءِ في هذا الوطنِ ليلحقَ الأردنُّ بركبِ الدولِ المتقدمةِ في المجالِ الاقتصادي، من خلالِ خلقِ بيئةٍ استثماريةٍ، إضافةً إلى ترسيخِ العدالةِ الاجتماعيةِ بهدفِ توطيدِ الثقةِ بينَ أبناءِ الوطنِ، وتحقيقِ المكتسباتِ في الانفتاحِ على الآخرين، والاطلاع على الخبراتِ والتجاربِ العالميةِ، باعتبارِها أساسَ النموِّ والتطورِ الاقتصادي.
فالوطنُ اليومَ بحاجةٍ لمن يشمِّرُ عن ذراعيهِ، ويعملُ بصدقٍ وشجاعةٍ، فشبابُنا ليسوا بحاجةٍ إلى مسؤولٍ يجلسُ خلفَ المكاتبِ العاجيةِ، والركوبِ بالسياراتِ الفارهةِ، وتصدرِ جاهاتِ الأفراحِ، بينما الوطنُ غارقٌ في الأزمات، نحن بحاجةٍ إلى رجالٍ قادرين على حملِ الأمانةِ والمسؤوليةِ، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ، يصنعونَ للشبابِ مجدَهم المخلدَ، قادرينَ على حفظِ الأمانةِ والدفاعِ عن الوطنِ.
الوطنُ اليومَ بحاجةٍ إلى قياداتٍ قادرةٍ على استثمارِ قدراتِ الشبابِ وتمكينِهم، فهناك الكثيرُ من الرجالِ الشرفاءِ القادرينَ على تحقيقِ النهضةِ للوطنِ، يمتلكونَ كثيرًا من الاستراتيجياتِ والبرامجِ التي من شأنِها أنَ تجعلَ الأردنَّ أنموذجًا عالميًا، أنموذجًا نابعًا من رؤيتِكُمُ المستقبليةِ.