صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
وأخيرا سقطت ورقة التوت عن حضن الرئيس الأمريكي المتصهين وعصابته، رغم أننا لم نكن بانتظار سقوطها، لأن نوايا السوء كانت مكشوفة منذ أمد طويل. إلا أننا اعتقدنا أن الدولة العظمى التي يفترض بها أن تحافظ على سلامة النظام العالمي، وتحقق العدالة والحرية في دول العالم، لا أن تسقط إلى الحظيظ، بانحيازها السافر إلى جانب دولة معتدية أمام العالم كله.
الرئيس الأمريكي الأهوج ترامب زعيم الدولة العالمية العظمى، يضرب بالحائط كل القوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، وينسحب من العديد من الاتفاقيات الدولية، ثم يقرر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، خلافا لما درج عليه كل الرؤساء الأمريكيين منذ عقد الستينات وحتى منتصف العقد الحالي إرضاء للكيان الصهيوني، ومخالفا للإرادة الدولية.
لقد زار هذا الرئيس وبعضا من عصابته المملكة العربية السعودية، في وقت سابق هذا العام، حيث حظي باهتمام كبير، وسلب مئات المليارات من الدولارات من مضيفيه، وتلقى هو وصحبه الأوسمة والهدايا الثمينة، وشارك السعوديين في الرقص بالسيف، كما عقد العديد من الاجتماعات مع بعض الزعماء العرب والمسلمين. ولكن كل هذا دفنه فخامته في شق من حائط المبكي عند زيارته لإسرائيل.
فعندما تُدين غالبية دول العالم قرار نقل سفارته إلى القدس، ولا يؤيده بذلك إلا الدولة المعنية وسبع دول هامشية، ويصرّ فخامته على المضي بهذا القرار، والتهديد بقطع المساعدات عن الدول المعارضة، ألا يعني أن هذا رجل مهووس يعادي العالم، ويزعزع الثقة بدولته العظمى ؟
إن الحكمة تتطلب من الرجل السياسي التعقل في تصرفاته وقراراته، وتجنب المسّ بالأعراف والتقاليد واحترام القوانين الدولية، والحفاظ على العلاقات الودية مع الحلفاء، الذين ساروا بركابه ردحا من الزمن في مختلف أرجاء العالم، لا أن يتصرف كرجل شرير، يقلب الموازين لكي يظهر بمظهر المجدد، مستندا إلى عقيدة أو مذهب جديد، يفسد النظام العالمي بشكل عام.
إن أبسط تعريف للسياسة هو ” فن الحكم في إدارة الدولة والحفاظ على علاقاتها الودية مع بقية دول العالم “، لا أن يعتمد على القوة العسكرية، ويتحول إلى طاغية يرهب دول العالم، بل عليه أن يلجأ إلى أساليب الإصلاح والفضيلة كلما كان ذلك ممكنا. لقد قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس : ” إن من يمارس الحكم بواسطة الفضيلة يمكن مقارنته بالنجم القطبي، الذي يبقى ثابتا مكانه، وتدور من حوله بقية النجوم “.
أما الأمير النمساوي ميترنيخ ( 1773 – 1859 ) فقد قال فيما يتعلق بالحق والقوة : ” إن الشعار الذي اخترته لقناعتي شخصيا، ولأولئك الذي يأتون من بعدي هو : أن الحق هو القوة الحقيقية، وبدون الحق يصبح كل شيء هشا “. كما قال فيما يتعلق بالمجتمع الدولي: ” نظرا لعدم وجود أية دولة معزولة، يجب ألا نخسر أبدا وجهة نظر المجتمع الدولي، وهذا هو الشرط الأساس للمجتمع الدولي الحديث. فكل دولة إذن لها مصالح مشتركة إما مع جميع الدول، أو ببساطة مع مجموعة معينة من الدول، بالإضافة إلى مصالحها الخاصة . . .
وحول هذه المصالح العامة المشتركة تستند الضمانة لوجودها. وعلى عكس ذلك، فإن الانكفاء على المصالح الخاصة وإعطاء الأهمية السياسية اليومية والأحداث الطارئة، وإغفال المصالح الدولية المشتركة، يعتبر سلوكا قصير النظر بعيدا عن الحكمة. لأن المصادفة الرئيسية للعالم الحديث، ما يميزه بشكل جوهري عن العالم القديم، هو الميل نحو التقارب والتفاهم بين الدول، وإنشاء نوع من ( الهيئة الجماعية الدولية ) التي تستند إلى نفس القاعدة التي تشكل بمجملها المجتمع الإنساني العظيم “.
وفي الختام أقول : إذا كان على الرجل السياسي أن يتمتع بثلاث صفات هامة هي : العاطفة، الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، والنظرة الثاقبة أو الرؤية، فإن رئيس الولايات المتحدة – رئيس الصدفة – يفتقر إلى جميع هذه الصفات، وأسقط من حضنه ورقة التوت، ليكشف سوءاته على رؤوس الأشهاد . . !