صراحة نيوز – اختتم جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الخميس، زيارة العمل التي قام بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ زيارة خاصة.
وأجرت الصحفية لالي ويموث من صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقابلة مع جلالة الملك عبدالله الثاني، خلال زيارة جلالته إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، وتاليا نصها: الواشنطن بوست: ماذا تود أن ترى كمخرجات للقائك مع الرئيس ترمب؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: عندما التقيت الرئيس في شباط الماضي أبدى حرصا شديدا على إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالسرعة الممكنة، والان يترتب علينا جميعا توفير الدعم الكبير المطلوب.
الواشنطن بوست: عندما التقيت الرئيس ترمب سابقاً حذرته من خطورة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتبعاتها الكارثية على المنطقة.
جلالة الملك عبدالله الثاني: طُرح علي هذا السؤال، وإجابتي كانت أنه سيكون هناك عواقب لو جاء مثل هذا القرار معزولا عن أية إجراءات أخرى أكثر شمولية. وقد بادر ( الرئيس ترمب) بدوره وأوضح مدى حرصه على إحراز تقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتوصل لعملية سلام منتجة، وأهمية أن نعمل معا في هذا الجهد.
الواشنطن بوست: لقد تحدثتَ أيضاً مع الرئيس ترمب بخصوص وقف الاستيطان، أليس كذلك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: جل ما قلته هو أن هذه الاجراءات تخلق العداء والإشكاليات، خاصة وأننا نعلم أن أولوية الرئيس هي محاربة التطرف والإرهاب دولياً، وهذه الإشكاليات لا تخدم هذه الجهود، بل هي تزيد من قوة إيران وزعيم عصابة داعش الإرهابية أبو بكر البغدادي.
الواشنطن بوست: أليس صحيحاً أنه بعد حديثكم، قام ترمب بحث إسرائيل على تجميد الاستيطان؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن هناك مبالغة في حجم الأثر الذي تركته، فهناك من يقول أنه كان لي دور في ذلك، ولكنني لا أعلم حقيقة إن كنت أنا السبب في ذلك، فأنا عبّرت عن آرائي فقط.
الواشنطن بوست: ما رأيكم بإجراء حظر الهجرة من بعض الدول المسلمة، والذي تسعى الإدارة الحالية إلى فرضه؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لستُ قلقا إلى حد كبير من وصول المقاتلين الأجانب للولايات المتحدة، لأن لديكم إجراءات حازمة تمنع ذلك. الخطر الذي أخشاه هو الحرب الفكرية، فإذا ما شعر المسلمون في الغرب والمجتمع الدولي بأنهم مستهدفون، فإن هذا أكثر خطورة، فهجمات الذئاب المنفردة والإرهاب الداخلي هو أمر رأيناه مؤخرا في بريطانيا، ورأيناه أيضاً مرتين في الولايات المتحدة.
الواشنطن بوست: وقد شهدتموه في الأردن أيضاً؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: شهدناه للمرة الأولى في عام 2016. لقد تمكنا من القضاء وإلقاء القبض على 40 عنصرا من داعش ضمن عمليتين رئيسيتين. وعندما ننظر إلى الموضوع من زاوية أوسع، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يؤجج التطرف في المنطقة، وسيستمر في ذلك، إذا لم نتمكن من إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، حيث نجد أن جزءا كبيرا من أولئك هم من أصول فلسطينية.
الواشنطن بوست: هل جلالتكم على تواصل مع نتنياهو؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لقد تواصلت مع نتنياهو، فالأردن ومصر لديهما علاقات مع إسرائيل، وإذا لم نحرز تقدما ملموسا فإن ذلك يشكل مزيدا من الضغط على الأردن ومصر في علاقتهما مع إسرائيل. زيارتي الحالية للولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق تقدم في هذا الشأن، والإدارة الأمريكية توافقني في ذلك.
وفيما يتعلق بالاستيطان يجب النظر في انعكاساته السلبية على عملية السلام. وأعتقد أن التحدي الرئيس الذي نواجهه هو: هل نحن أمام حل الدولتين، فليس هناك بنظري أي بديل عن حل الدولتين.
الواشنطن بوست: كيف تنظرون إلى الوضع في سوريا؟ هل الرقة، والتي تتخذها داعش عاصمة لها، شارفت على السقوط؟ وإذا سقطت ماذا سيحدث بعد ذلك؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن الرقة سوف تُسترجع (من يد داعش). وأعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد في سوريا والعراق فيما يتعلق بدحر الإرهاب. إن المشكلة الوحيدة هي أن الإرهابيين سيضطرون للحركة وسوف يتوجهون جنوبا. إنه تحد، لكننا مستعدون لمواجهته بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
إنهم يقصدون وجهات أخرى أيضا، فنلاحظ توجههم إلى ليبيا، ومع نجاحنا في ليبيا سوف يتوجهون جنوبا إلى حوض تشاد، وهذا سيزيد من قوة بوكو حرام، ما سيزيد بدوره من قوة الشباب (الصومال). العديد من أعضاء الإدارة الأمريكية يدركون هذا، لذا أعتقد بأننا سنرى استراتيجيات جديدة، فلا يمكننا التركيز على سوريا والعراق فقط، بل لا بد أن يكون التركيز عالمياً، فأينما تواجد هؤلاء الإرهابيون علينا محاربتهم.
وفيما يخص الهجوم الكيماوي الأخير الذي رأيناه في سوريا هذا الأسبوع، علينا كأعضاء في المجتمع الدولي أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية البشعة، التي طالت المدنيين في سوريا.
الواشنطن بوست: لكن الهجمات على المدنيين في سوريا كان وراءها على الأغلب الرئيس بشار الأسد؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: أجل، هذا الموضوع يعالج ضمن سياسة موحدة إزاء ما هو مقبول وما هو مرفوض.
الواشنطن بوست: هل هذا يشمل التخلص من الأسد؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: إن هذا الموضوع سيبحث في محادثات جنيف المقبلة، في حين أن محادثات أستانه والتي نشارك فيها (بصفة مراقب)، تقتصر فقط على التوصل إلى وقف إطلاق النار. أعتقد أننا ندرك جميعاً أن روسيا تريد بقاءه لفترة أطول مما نريده نحن. لكنني لا أعتقد أن روسيا متمسكة ببقاء بشار. فالمنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد.
الواشنطن بوست: إذن، جلالتك تعتقد أنه خلال مباحثات جنيف القادمة قد يتم التخلص من الأسد، أهذا ما تقوله؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: سيكون هناك نوع من الاتفاق بين الأطراف على تحديد أولوياتهم ومصالحهم المشتركة حول كيفية التعامل مع بشار الأسد، في نهاية المطاف نحتاج نظاما سوريا مقبولا من كل الشعب السوري.
الواشنطن بوست: هل تود أن ترى الولايات المتحدة منخرطة مع روسيا فيما يخص سوريا؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: سأوضح لكِ لم هذا الأمر مطلوب. إن لروسيا مصالح على عدة مستويات من ضمنها القرم وسوريا وأوكرانيا، بالاضافة الى الاهتمام في ليبيا. فكيفية تعامل الأمريكيين والأوروبيين مع روسيا بالنسبة لجميع هذه القضايا بشكل متواز هو أمر مهم.
الواشنطن بوست: وإذا ما تم فهم هذه القضايا بشكل متكامل ما العمل بعد ذلك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: يتم الاتفاق بين الأطراف بناء على أولوياتهم ومصالحهم. برأيي ما يهم روسيا بالدرجة الأولى هو القرم، إذا ما تم التوصل لتفاهم حولها سترى مرونة أعلى فيما يخص سوريا. وستصبح أوكرانيا أقل القضايا إشكالية.
وبالنسبة للرئيس بوتين فإنه يواجه تحديا رئيسيا يتمثل في الإرهاب. فداعش بذراعها الدولي بدأت تشكل تهديدا لهم. وأعتقد أن حادثة (مترو) سانت بطرسبرغ هي بداية انتقال المقاتلين الأجانب إلى ساحة قتال جديدة. ولذلك هناك مصلحة للرئيس بوتين لأن يعمل على إيجاد حل سياسي عاجلا أم آجلا في سوريا. فإذا كانت الدول الأوروبية تواجه خطر المقاتلين الأجانب، فإن روسيا تواجه هذا الخطر بعشرة أضعاف. فهناك الكثير من المجموعات الإرهابية من القوقاز، وقد خاضوا حربين في الشيشان.
الواشنطن بوست: ماذا تتوقع من الرئيس بوتين؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: ننظر إلى الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا كعنصر مساعد، وبخلاف ذلك، ستستمر الولايات المتحدة وروسيا في السعي نحو تحقيق مصالحهما بشكل متضارب في سوريا، وإذا ما استمر هذا التوتر فقد يمتد الى مناطق أخرى مثل مولدوفا. وسيستمر هذا الوضع المتأجج حتى يتم التوصل إلى تقارب في وجهات النظر.
الواشنطن بوست: ولكن هل هذا حل مناسب للغرب؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: إذا تمكنا من الوصول إلى حل في سوريا والتوصل إلى تفاهم مشترك يكون عادلا للشعب السوري عندها يكون الحل مناسباً. قضية القرم هي القضية الأولى للرئيس بوتين. وهنا يمكن أن يكون التوجه كالآتي: فيما يتعلق بالقرم فلنناقش الوضع، لكن فيما يتعلق بسوريا، فإننا بحاجة إلى أن نتقدم للأمام.
الواشنطن بوست: هل من الصحيح أن قادة عرب فرحون لاعتقادهم بأن الرئيس ترمب سيكون أكثر حزما وشدة مع إيران من الرئيس السابق؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: بعض الدول تعتقد ذلك.
الواشنطن بوست: وما رأيك أنت؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: هناك بعض المشاكل الاستراتيجية التي لإيران علاقة بها في منطقتنا، ولكن هناك فرصة ماثلة أمامنا تتمثل في إيجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي الأمر الذي سيعزز الاستقرار في المنطقة، ويحقق الأمن لاسرائيل، التي تشعر بالتهديد الإيراني.
إذا استطعنا أن نجد حلا للقضية الفلسطينية، سيشكل ذلك مرحلة جديدة من الاستقرار في منطقتنا تستطيع من خلاله اسرائيل العيش بسلام الى جانب جيرانها في المنطقة.
الواشنطن بوست: هل أنت قلق عندما تنظر إلى الشمال من أن إيران ستهيمن على سوريا في مرحلة ما بعد الرقة؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: هناك محاولة لإيجاد تواصل جغرافي بين إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان. لقد ناقشت ذلك مع الرئيس بوتين، وهو يدرك جيداً نوايا إيران الاستراتيجية بأن يكون لها نفوذ هناك.
الواشنطن بوست: أليس الحرس الثوري الإيراني على مقربة من حدودكم؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: نعم، إن الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كيلومتراً تقريباً (في جنوب سوريا). وإذا كانت الأخبار غير جيدة بالنسبة لنا، عليكِ أن تأخذي أيضا المعادلة الإسرائيلية في الحسبان.
الواشنطن بوست: لا شك أنهم في غاية القلق؟ ماذا ستفعلون بشأن ذلك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لقد كنا في غاية الوضوح مع روسيا، بأن مجيء لاعبين آخرين، من تنظيمات وغيرهم، إلى حدودنا لن يتم التهاون معه، وأعتقد أننا وصلنا إلى تفاهم مع روسيا بهذا الخصوص.
الواشنطن بوست: هل ستسيطر إيران إذن على العراق في المستقبل إذا لم يتغير أي شيء؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لقد بذلنا جهدا في سبيل المصالحة الوطنية بين جميع العراقيين: الأكراد والسنة والشيعة. وسيكون لي لقاء مع قادة من السنة والشيعة والأكراد في المستقبل القريب، لنتمكن من خلق أجواء مناسبة لتحقيق المصالحة.
الواشنطن بوست: لكن، يبدو أن إيران ستهيمن على عراق المستقبل، هل أنا مخطئة؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لديها تأثير، لكن أعتقد أن جمع المكونات العراقية الوطنية لتعمل معا سيوفر التوازن المطلوب.
الواشنطن بوست: لكن أليس النفوذ المتنامي لإيران يعتبر تهديدا للمنطقة؟ ألا تدعم إيران ميليشيات الحوثي بقيادة شيعية في اليمن؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لا يمكن إنكار النفوذ الذي تتمتع به إيران في العراق. وتتواجد أيضا في شرق أفريقيا وفي أفريقيا بشكل عام، إنهم موجودون هناك منذ فتره ويحاولون فرض نفوذهم . ووجودهم هناك تم إحباطه مبكرا إلى حدٍ ما. ولكن، ما لم نعمل على تقوية الدول الإفريقية، فإن لاعبين آخرين سيدخلون إلى المشهد، وسيحاولون فرض سياساتهم. لذلك، مجددا، فإن الولايات المتحدة منخرطة بشكل أكبر في الصومال، وتعمل على تقوية علاقاتها مع كينيا، وأثيوبيا، وجيبوتي، لأنها دول محورية في الحرب ضد حركة الشباب.
الواشنطن بوست: ماذا عن المساعدات الأمريكية للأردن؟ هل تريدون أن ترونها في نفس المستوى الحالي أم أن يتم زيادتها؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: نريد، خلال السنوات الأربع أو الخمس القادمة، أن نخرج من إطار اعتمادنا على المساعدات، لذلك فإن تعزيز الدعم للأردن في المرحلة القادمة سيزيد من مستويات النمو، لنتمكن من الاعتماد على انفسنا.
ونحن نعمل الآن على إعادة هيكلة القوات المسلحة، لتخفيض النفقات خاصة فيما يتعلق بالمعدات الثقيلة. ولذلك، فإن دعمها أمر مهم للغاية أيضاً.
ومع وصول نسبة اللاجئين في بلدنا إلى 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان، فإن الحكومة تواجه عبئا كبيرا جداً، فنحن نوفر لهم الخدمات الصحية والتعليم، والولايات المتحدة هي الداعم الأكبر للأردن، فقد تلقينا مساعدات بقيمة 1.275 مليار دولار العام الماضي.
الواشنطن بوست: ما هو انطباعك عن الرئيس ترمب؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: لمست أن لديه رغبة كبيرة بالانخراط من أجل الوصول إلى تسوية واتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولقد فوجئت بمدى التزامه بالعمل من أجل التقريب بينهما.
الواشنطن بوست: ما هو أكبر مصدر قلق بالنسبة لك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: الوضع الاقتصادي لشعبي.
الواشنطن بوست: إن معدل البطالة مرتفع في الأردن، أليس كذلك؟ جلالة الملك عبدالله الثاني: إن ارتفاع نسب البطالة قد يقود الى التطرف. إن مصدر القلق الذي أرقني على مدار 5-6 سنوات الماضية هو الوضع الاقتصادي، وليس الوضع السياسي أو العسكري أو الأمني. إنني أحاول جهدي لتحقيق نمو اقتصادي والاهتمام بشعبي.