صراحة نيوز – نقلا عن صفحة ياسر البشابشة في رثاء الحاجة لطيفة البداينة الصقور التي اشتهرت بالطب الشعبي وتوفيت عن عمر ناهز من 115 عاما رحمها الله واحسن مثواها .
الحاجه لطيفه البداينه الصقور في ذمة الله .
إنه الالم- اعزائي – الذي قادني الى راس قمة في اطراف العين البيضاء في الطفيلة لألتقي هذه العجوز دون معرفة سابقة بل محض صدفة .
بدأت القصه عندما شعرت بالم شديد في قدمي الشمال في احد اصابع القدم، ألم حرمني من النوم مدة ٢٦ يوما وليلة متواصله قبل حوالي ٦ سنوات راجعت خلالها اطباء اخصائيون قرروا بتر الاصبع وحددوا موعد البتر في المركز العربي وقبل هذا الموعد بيوم واحد أشار لي احد اخواني بوجود عجوز في الطفيله يأتيها الناس من كل مكان طلبا للعلاج حتى الاطباء يترددون عليها طلبا للعلاج …قابلت هذا الكلام بشيء من السخرية والتسخيف ولكني وتحت الاصرار منهم قبلت الذهاب وذهبت .
اخذتنا الطريق الى تلة تطل على العين البيضاء لنصل الى بيت معزول مكون من غرفتين ومطبخ تفتح ابوابها جميعا على ساحة فيها اثاث مستعمل وبعض الكراسي يجلس عليها عدد من المراجعين من الرجال والنساء والاطفال وكل له شكوى والم مختلف فجلست معهم في حالة تراوحت بين الالم والامل منتظرا دوري حتى جاء . دخلت منشغلا بالتأوه من شدة الالم ودخلت غرفة كل ما فيها من زمن ليس هذا الزمن حتى الحاجه لطيفه نفسها انها من عالم الدفء ، عالم الرحمه، عالم الانسانية ، عالم الشعور الصادق ، عالم الاحساس بالاخرين ، عالم الوقار ، عالم البساطه ، عالم التوكل على الله .
نظرت في وجه العجوز فرأيت في قسمات وجهها السلامه ، ورايت نقوش الزمن الجميل على قسمات وجهها بعبارات لا تقبل الشك ولا التأويل ، عبارات الطهر والنقاء والمعنى الحقيقي لكلمة انسان ،
بادرت العجوز فورا بسؤالي قائلة ( وانت علامك يمه) ؟
فذكرت لها شكواي لتسالني من جديد ( رحت ع الدكاتره) ؟
قلت نعم ، فقالت نيابة عني : ( قالوا ليك ودنا نقطع اصبعك؟)
قلت نعم … فقالت ( ربي يقطع اديهم ما عندهم غير هالسالفه)
ثم تابعت قائلة ( مد رجلك خليني اشوفها ) وفي هذه اللحظه سمعت صوت المؤذن ينادي لصلاة المغرب وكانت العجوز تردد مع المؤذن وهي تتلمس قدمي بهدوء وتأني حتى فرغ من الاذان وبدات بالدعاء قائلة ( يا رب بجاه هالاذان انك تشفي بنيي)
ثم وجهت الكلام لي قائلة ( رجلك يابسه ودها تنطل كيف تحملت وجعها؟ بس يمه ما عندك غير السلامه لا تخاف )
قامت العجوز الى ( نمليه قديمه) واخرجت مقصا صغيرا وكيس فيه اعشاب تشبه القطن.ولكن لونها اخضر فقامت بفركها بين يديها لتصبح كروية الشكل بحجم حبة الزيتون واعطت المقص لاحد المرافقين معي بعد ان طلبت مني النوم على بطني واشارت له ان يقص شعري في المكان الذي حددته له ففعل ، وضعت ( القدحه) في المكان المحلوق واشعلت فيها النار فسرت فيها النار كما تسري في الفحم وظلت كذلك حتى انطفات في مؤخرة راسي بعد ان تحولت الى رماد ، لم اكن مهتما بالم الحرق فهو اخف بكثير من الم قدمي وكنت انتظر ان تنتهي العمليه لانهض وامسك بمكان الالم في قدمي وفعلا نهضت .. وهي تقول (ابشر بالسلامه واذهن تروح بكرا ع الدكتور)
خرجنا من بيت العجوز وبدا الالم يزيد شراسة لدرجة اني بدات بالصراخ لفرط الالم … اصر احد الاصدقاء من ابناء العين البيضاء والذي رافقنا لبيت الحاجه لطيفه على دعوتنا للعشاء فاعتذرت لان وضعي لا يسمح نظرا لشدة الالم وتحت اصراره وافقت على شرب فنجان قهوه فقط ، وفعلا توجهنا الى بيته وقمنا عند وصولنا لصلاة المغرب كان صاحب البيت اماما وكان الالم شديدا وعندما كبرت تكبيرة الاحرام بعد الامام شعرت وكأن احدهم ضربني بكل قوته بمطرقةعلى اظفر قدمي الصغير لدرجة اني جلست من شدة الالم فبدا الالم ينسحب من باقي الساق ليتركز فقط في الاظفر …. بدا احساسي بالالم مختلفا واصبح يخف تدريجيا وصارت ساقي خفيفة وبدات ملامح وجهي تتغير لتبدو اكثر ارتياحا لاحظ ذلك من كانوا معي لانني توقفت عن بعض الحركات والكلمات التي تشير الى فضاعة الالم ،…… شربنا القهوه ثم شربنا الشاي ولولا اني خجلت لذكرت المضيف ان الدعوة كانت على العشاء وليس القهوه فقط لاني كنت في قمة الجوع والايام التي مرت كنت فيها صائما قائما لانوم ولا اكل .
وخلال طريق العوده من الطفيله الى الكرك بدا الالم حالة من الكر والفر يختفي ثم يعود ولكنه في كل مره يعود فيها يكون اخف من سابقتها الى ان وصلت بيتي كان الالم قد زال تماما لم يكن في بالي حينها الا النوم ليرتاح جسدي المرهق مدة ٢٦ يوما متواصله.
وفعلا نمت من بعد صلاة العشاء الى الساعة الرابعه عصرا في اليوم التالي ما زلت اذكر لذتها حتى الان ثم بدأت قدمي تعود لطراوتها بعد ان كانت قاسية وشبه متحجره .
بدات اتردد على العجوز كمراجعات دورية للمتابعه وملاحظة النتائج بكل ثقه منها وتوكل على الله وكانت احيانا تتابعني من خلال الاتصال وتقول( ودي طمن على اصيبعك)
اخيرا ………. رحم الله الحاجه لطيفه رحمة ملؤها السماوات والارض وادخلها الفردوس الاعلى من الجنه وجعل الله قبرها روضة من رياض الجنة وجزاها الله عنا خير الجزاء عن كل الم ساهمت بامر الله بتخفيفه وكل صرخة وجع انتزعتها من حناجر المرضى وعن كل كلمة او حرف نطقته لطمأنة زوارها رغم كبر سنها وضعف بدنها .
ذهبت الى بيتها زائرا ذات يوم فوجدته مغلق الابواب فقررت الانتظار بمكان تعلق قلبي فيه وبساكنيه انتظرت حوالي نصف ساعه حتى جاءت سيارة بلوحة حكومية حمراء تبين لي انها لجامعة الطفيلة التقنية ترجلت منها الحاجه لطيفة بمساعدة سائق السيارة وهي بلباسها الرسمي لعجائز الطهر والعفة والوقار عصابة سوداء ومقنع ومدرقة من المخمل وجبه .
وفي يدها صندوقا اسودا اتضح لي انه درعا وشهادة تكريميه من مؤتمر طبي لعدد من الاطباء تم عقده في الجامعه وتمت دعوة ( الطبيبه الشعبية) لطيفة البداينه الصقور للمشاركه والتكريم.
الحاجه لطيف ووريت الثرى اليوم لكن اجرهاو اثرها باق في نفس كل من عرفها سواء من المرضى او من ذويهم على مدى ستون عام عرفت خلالها الحاجه لطيفه كطبيبه شعبية .
علىى مثلها يمكننا ان نطلق لقب ملائكة الرحمه وليس على ممرضة تركت مريضا تشرف عليه يتقطع الما بينما هي منهمكة مع صديقاتها في حديث على جروب واتس او فيس واذا اضطرت ان تذهب للمريض بضغط او استجداء من المريض او ذوية تذهب وتشعره أنه عبء عليها وكأنه ضيف غير مرحب به في بيتها الخاص ..
ومن مثلها نتعلم ان الطب مهنة انسانية يعتبر فيه البعد الانساني جزءا مهما من العلاج وليس من طبيب يتحول الى عقلية التاجر او السمسار لصالح حيتان القطاع الطبي الخاص .
نشرت قصه وتجربه خاصة وفاءا مني لروح انسانة لها من بعد فضل الله فضل علي ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله