الساكت يدعو إلى مواجهة معوقات الممارسة الحزبية وإلى توفر قناعات الخيار الديمقراطي
الساكت: أسباب ضعف التنظيمات الحزبية يتطلب إعطاء الشباب دوره للقيام بالتطوير والتجديد
د. أبوحمور: الأوراق النقاشية الملكية أسست للتدرج المطلوب في بناء الديمقراطية وتعميقها
د. أبوحمور: تجاوز معوقات العمل السياسي ينبغي أن تكون ضمن الأطر الإصلاحية وبتوافق الجميع
صراحة نيوز – استضاف منتدى الفكر العربي في لقائه مساء الأحد 22/10/2017 الوزير السابق والعين الأستاذ مازن الساكت في محاضرة بعنوان “أزمة العمل الحزبي وواقع الحياة السياسية – مساهمة في حوار مطلوب”، تناول فيها معوقات الممارسة الحزبية انطلاقاً من مفهوم أن الحياة السياسية هي تعبير شامل عن واقع العمل السياسي في المجتمع ومؤسساته وتمثله من خلال السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي ضوء التطورات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الإيديولوجيات والبرامج وواقع القوى والأحزاب والحياة السياسية بشكل عام.
وبيّن العين مازن الساكت إشكاليّات التجربة الحزبية والحياة السياسية في الأردن بعد العام 1989؛ محللاً أزمة العمل السياسي والحزبي والمعوقات التي اعترضته، وانعكاس هذه الأزمة في الواقع السياسي، وقدم في ختام محاضرته مجموعة من الأفكار والتوصيات لتجاوز هذه المعوقات وتحقيق حياة سياسية تشاركية تلبي المطامح الوطنية.
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي قال في كلمته التقديمية: إن الإجابة عن الأسئلة حول تراجع الحياة السياسية وتقلص دور الأحزاب والتباعد بينها وبين المجتمع، لا بد أن تكون ضمن الأطر الإصلاحية التي يتوافق عليها الجميع من أجل حياة سياسية تستطيع أن تحقق المشاركة الفاعلة لقطاعات المجتمع كافة وفعالياته السياسية والثقافية والاقتصادية، وعلى أسس وطنية تحترم التعددية والتنوّع كركائز لإغناء الثقافة المدنية الديمقراطية، ومن ثم تحقق التدرج المطلوب في بناء الديمقراطية وتعميقها من أجل الوصول إلى حكومات برلمانية ضمن إطار سيادة القانون، وتجسيد كل هذه المنطلقات عملياً كما جاءت في الأوراق النقاشية الملكية.
وأضاف د. أبوحمور أنه على المستوى الوطني شهدنا مراحل من “الازدهار الديمقراطي”، ومنها في الخمسينات تشكيل حكومة سليمان النابلسي البرلمانية (29/10/1956- 14/4/1957)، وعودة الحياة البرلمانية وانتخابات مجلس النواب (عام 1989 وما بعده) … وهذه أمثلة من محطات لا بد أن يُنظر إليها بمنظور علمي موضوعي من حيث الإطار الزماني والمرحلة التاريخية وظروفها الإقليمية والدولية، ودراسة إشكاليات التجربة السياسية والحزبية، ولا سيما في المرحلة التي أعقبت عام 1989.
وأشار د. أبوحمور إلى الأزمة التي أنتجتها معوقات العمل السياسي والحزبي في ضوء الثقة الجماهيرية ودرجتها تجاه الأحزاب، وعقلية التعامل مع المكون الحزبي في الحياة العامة والثقافة المجتمعية، وتأثير الموروث الاجتماعي، والعقلية الإدارية في إفساح المجال للمشاركة والتمثيل في المؤسسات والجامعات. وكذلك في طبيعة تكوّن الأحزاب وهياكلها التنظيمية، وقدرتها على صياغة برامج تلبي متطلبات التقدم الاجتماعي، ومواكبة عصرها فكرياً.
وقال د. أبوحمور: إن الأزمة في توصيفها “أزمة سياسية”، وهي في جوهرها “أزمة ثقافية اجتماعية” تحتاج منّا جميعاً إلى حوار هادىء وموضوعي ونزيه، مفتوح على الأفق الوطني الواسع الذي يجمعنا، ومتجردٌ من أي نزعات محدودة أو انحياز أو تطرف، والعمل باتجاه ما هو لصالح المجموع والوطن ومنعته ومستقبل أجياله.
وأكد العين مازن الساكت في محاضرته أن ما شهده العالم في العقود الثلاثة الأخيرة من تغيرات جذرية في واقع القوى الدولية ومعسكراتها واتجاهاتها واختلافاتها وصراعاتها، كان له نتائج وآثار عميقة على الحياة السياسية خاصة في منطقتنا العربية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. وأكد أن اتساع خيار الديمقراطية كنظام سياسي وترافقه مع تلك التحولات لم يكن مجرد مصادفة تاريخية بقدر ما كان أحد التعابير عن أزمة الأيديولوجيا الشمولية، وتزايد القناعات بخيار النظام الديمقراطي والنضال السلمي، والمطالبة بالحياة النيابية والتعددية السياسية والعمل العلني، حتى داخل القوى والأحزاب الشمولية نفسها، وقبل انهيار المعسكر الاشتراكي ونتائجه.
وعرض المحاضر للمحطات الرئيسية في الحياة السياسية الأردنية منذ عام 1989؛ تاريخ عودة الحياة البرلمانية والعمل السياسي العلني وإقرارالميثاق الوطني، الذي شاركت به ووضعته مختلف الأحزاب والاتجاهات، وحيث مثلت الانتخابات النيابية ونتائجها في تلك المرحلة تعبير عن هذا الواقع بفوز عدد من الشخصيات المحسوبة على الاتجاهات السياسية التاريخية المعروفة من قوميين ويساريين، إضافة الى الاتجاه الاسلامي، كما كانت في نفس الوقت مؤشراً على ضعف التنظيمات الحزبية لهذه الاتجاهات وعلى قوة الحالة التنظيمية لحركة الإخوان المسلمين واتساع اتجاه الاسلام السياسي في المجتمع.
وقال الساكت: إن الأحزاب الجديدة منذ عام 1989 والى الآن انقسمت إلى ثلاثة تصنيفات رئيسية، هي: الأحزاب التاريخية، والوسطية، وبعضها أحزاب شكّلها شخصيات أخذت حضورها ودورها من مواقعها ومسمياتها في أجهزة الدولة، والقسم الأخير محاولات تشكيل أحزاب أتى معظم نشطائها واستندت طروحاتها وبرامجها الى اتجاهات العمل السياسي التاريخي في الساحة الأردنية.
وعزا الساكت ضعف العمل الحزبي والسياسي إلى استمرار ثقافة وممارسة منع العمل الحزبي، إضافة الى موروث نتائج أخطاء تجارب الأحزاب التي خلقت حالة من عدم الثقة الشعبية في العمل الحزبي وجدواه، ثم الفجوة التاريخية بين الأجيال التي سببتها مراحل منع العمل الحزبي ونتائج انهيار تجاربها، وندرة الشباب في صفوف الأحزاب بما يمثلونه من تفكير وأساليب عمل واهتمامات وطرق تنظيم جديدة أفقدت الأحزاب القدرة على التطور والابداع.
كذلك، ضعف الخبرة في عملية بناء الأحزاب الجديدة في الأردن، فمعظم الأحزاب في المراحل السابقة تشكلت كفروع لأحزاب قومية وأممية ذات أيديولوجية وبرامج وقواعد تنظيمية وإجراءات داخلية جاهزة، وفي ظروف نهوض قومي وسياسي تحرري، فضلاً عن تراجع التجربة الديمقراطية بتأثير المتغيرات الدولية والإقليمية، وعودة اتجاهات تتعامل مع التجربة كحالة شكلية مفرغة من مضمونها، وعدم وجود تطور فكري حقيقي وعميق في تبني الديمقراطية، واستمرار الفهم الخاطئ والمختلط لمفهومي السلطة والدولة.
ودعا الساكت إلى تشجيع ودعم وتطوير نتاج سياسي فكري يمثل خيارات المجتمع الرئيسية من وطنية وقومية ويسارية وإسلامية وديمقراطية، تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجذرية في عالم اليوم وتستند اليها أهداف وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية قابلة للتحقيق. وأكد ضرورة دعم وإطلاق طاقات الشباب ودورهم الرئيسي في عملية بناء الأحزاب الجديدة، وأشكالها التنظيمية وبرامجها وأساليب عملها والخروج من الأنماط التقليدية في العمل الحزبي إلى الحداثة والمعاصرة.
كما دعا إلى تطوير قانون الأحزاب ونظام التمويل بما يدعم بناء أحزاب الاتجاهات الرئيسية في المجتمع ودعم عملية مشاركتها في الانتخابات البلدية والنيابية، وإيجاد آلية ملزمة لمشاركة الأحزاب الرئيسية في عملية وضع السياسات. وأوضح الساكت أن انخراط الأحزاب وأعضائها في العمل الاجتماعي والتطوعي سبيل أساسي في بناء مصداقيتها وعلاقتها بالجمهور، وفي الوقت نفسه وقف الحملات الإعلامية والممارسات التي توجه ضد العمل الحزبي والانتماء للأحزاب المشروعة.
كل ذلك من أجل بناء حياة سياسية فعالة وقوى وأحزاب تمثل اتجاهات وحضور شعبي رئيسي، تستند الى النظام البرلماني الدستوري وسيادة القانون، والنضال السلمي، ويحتاج ذلك وبشكل رئيسي إلى توفر قناعات حقيقية بالخيار الديمقراطي وأسس النظام الديمقراطي ومؤسساته وشروطه ومرتكزاته لدى مختلف القوى والاتجاهات وبشكل أهم لدى السلطة ومؤسساتها المختلفة.