صراحة نيوز – جددت دراسة أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية، تأكيدها أن الحكومات الأردنية تنصلت من تنفيذ البرامج والمشاريع التي أعلنتها ضمن خططها بدون إبداء أسباب عدم التنفيذ في الوقت المحدد.
وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان “البرامج التنموية الوطنية بين التخطيط والتنفيذ”، أنّ الإصلاحات الاقتصادية اقتصرت منذ العام 2016 على تنفيذ التزامات المملكة أمام صندوق النقد الدولي مع تراخيها في الإصلاح في الجانب التشريعي، وفي الأطر الحاكمة للنشاط الاقتصادي.
وقالت الدراسة “الحكومة استمرت بالاعتماد على المساعدات الخارجية خلال السنوات الماضية لسدّ العجز في الموازنة، وسياسات فرض الضرائب ورفع معدلاتها بدون التخفيف من عجز الموازنة، إلا أنه كان له انعكاس سلبي على الاقتصاد؛ إذ ارتفعت أسعار العديد من السلع والخدمات مع بقاء معدلات دخل الأفراد ثابتة، ما أسهم في تباطؤ معدلات النمو، وزيادة التضخم”.
كما أثبتت الدراسة أنّ العديد من الإجراءات والسياسات المقترحة ضمن “رؤية الأردن 2025” ليست جديدة، وكانت موجودة في الخطط والاستراتيجيات السابقة التي طوّرتها الحكومة والقطاع الخاص، فيما كان هناك تضارب في المرتكزات الأساسية للبرامج الحكومية مع بعضها بعضا.
جاء هذا متوافقا مع وجهة نظر خبيرين اقتصاديين أكدا أنّ المشكلة الأهم اليوم في حل الأزمة الاقتصادية هي عدم تنفيذ الاستراتيجات والخطط التي تضعها الحكومات المتعاقبة، وعدم تطبيق آليات مراقبة ومحاسبة مناسبة.
لكنّ وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أكدت أنّ الوثيقة تمثل رؤية وطنية بعيدة الأمد وليست خطة تنفيذية تفصيلية، مشيرة الى أنّ تنفيذ “وثيقة الأردن 2025” يتم من خلال البرامج التنموية التنفيذية المتعاقبة والتي تمثل خطة الحكومة التنموية المتكاملة لثلاث سنوات، مع الإشارة الى الوضع غير المستقر في الإقليم وأثره على مرتكزات التنمية في الأردن.
وتذكر الدراسة بتنَدُّر رئيس الوزراء السابق، عبد الله النسور، خلال المؤتمر الوطني الأول لإطلاق وثيقة الأردن 2025 قبل حوالي 3 أعوام عندما انتقد استخدام كلمة “رؤيا” بدلا من كلمة “رؤية” كعنوان رئيسي للمؤتمر آنذاك.
حيث أكد النسور حينها أنّ “الرؤيا” ترتبط بالأحلام وبالتالي قد لا يمكن تحقيقها، فيما أنّ “الرؤية” هي التصور المستقبلي الذي يضع خطة عمل لأي جهة.
ومن جهته، أكد وزير تطوير القطاع العام سابقا، د.ماهر المدادحة، أنّ المشكلة الرئيسية اليوم في معالجة المشكلات الاقتصادية هي تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تضعها الحكومات على أرض الواقع، ومتابعتها ومساءلة من يفشل في تطبيقها.
وأضاف أنّ هناك مشكلة أخرى في هذا الجانب تتمثل في “عدم وضوح هذه الاستراتييجات التي توضع في كثير من الأحيان من قبل مجموعات مغلقة بدون مشاركة واسعة للقطاعات ذات العلاقة”.
كما ذكر أنّ “بعض هذه الاستراتيجيات تتسم بعدم الموضوعية وبعدها عن الواقع، خصوصا فيما يتعلق بالتمويل الذي بات يتأثر بشكل كبير بالاضطرابات الإقليمية وتراجع المساعدات”.
ويتفق الخبير الاقتصادي، أنور الخفش، مع ما سبق، مضيفا “أنّ الملك عندما كلف حكومة الملقي الحالية انطلق من رؤية الأردن 2025 وطالبها بالمعالجة السريعة للمشكلات الاقتصادية التي تؤثر على حياة المواطن”؛ على أنّ النتيجة، وفق الخفش، كانت واضحة فهناك “فشل في تحقيق هذه الرؤية” التي انعكست سلبا عليه وعلى الاقتصاد؛ حيث زادت من أعبائه وأدت الى تجذر مشكلات كالفقر والبطالة وغيرها.
وأشار الخفش، الى أنّ هذه الرؤى إذا لم تكن ضمن مفهوم وإطار متكامل من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مجتمعة، لن تؤدي الى الهدف المنشود ولن يشعر بها المواطن.
وزارة التخطيط ردّت على ما جاء في الدراسة، وأكدت أنّ “وثيقة الأردن 2025” هي وثيقة رؤية وخريطة لترسم طريقا للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع.
وقالت “هذه الوثيقة بنيت على أساس أنّ المواطن هو قلب العملية التنموية وأن الاقتصاد يعتمد على التنافسية والمنافسة وتوسيع قاعدة التصدير وتعزيز سيادة القانون، وتكافؤ وإتاحة الفرص للجميع، وزيادة التشاركية في صنع القرارات، وتحقيق الاستدامة المالية المبنية على استدامة الاستقرار المالي وزيادة الاعتماد على الذات وتجسير الفجوة بين المحافظات وتعزيز الإنتاجية وتنافسية الاقتصاد الأردني والخروج التدريجي من أشكال الدعم العشوائي واستهداف الفئات المستحقة للدعم وتعزيز منعة الاقتصاد، وقدرته على الصمود والحد من تأثير الصدمات الخارجية على أدائه، ورفع مستوى البنية التحتية ورفع سوية التعليم والصحة، بالإضافة الى تعزيز دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في العملية التنموية”.
وأكدت أنّ “وثيقة الأردن 2025” تضمنت أهدافا استراتيجية وآليات تحقيقها من خلال مجموعة من السياسات والإجراءات، وضمن برنامج زمني مرن يأخذ بالاعتبار المستجدات في العالم والإقليم وتكييف ذلك مع تلك المتغيرات، وهذه الوثيقة تمثل رؤية وطنية بعيدة الأمد وليست خطة تنفيذية تفصيلية، وهي تتضمن أكثر من (400) مبادرة.
واعتمدت “وثيقة الأردن 2025” نموذج النمو الجديد التي تركز على مفهوم العناقيد كأسلوب فعال للتنمية الاقتصادية، فهذا الأسلوب يعمد إلى استغلال الميزات النسبية للأردن، كما أنه يقوم بربط العناقيد المختلفة للوصول إلى نمط اقتصادي متكامل وفعّال.
وأوضحت التخطيط، أنه للعمل على تنفيذ المبادرات في “وثيقة الأردن 2025” وتحقيق أهدافها، يتم استخدام آلية البرامج التنموية التنفيذية المتعاقبة والتي تمثل خطة الحكومة التنموية المتكاملة لثلاث سنوات، والتي تتضمن مخرجات تحقيق كل من وثيقة الأردن 2025، والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية، وبرامج تنمية المحافظات والبادية، وأجندة التنمية المستدامة 2030، وأي خطط حكومية ووطنية إضافية يتم إعدادها وإقرارها حسب المستجدات مثل خطة تحفيز النمو الاقتصادي الأردني 2018-2022، والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، ويتم رفع تقارير متابعة لمجلس الوزراء بشكل دوري بخصوص تقدم سير العمل بالبرنامج التنموي التنفيذي والذي يتم مراجعته وتحديثه بشكل سنوي.
وأكدت أنّه ولدفع عجلة النمو الاقتصادي الذي تأثر بتداعيات الاضطرابات في المنطقة وأدت الى تراجعه عن الهدف الذي حددته وثيقة الأردن 2025، فقد تم التوافق على خطة تحفيز النمو الاقتصادي الأردني 2018-2022، آخذين بعين الاعتبار ما حددته وثيقة الأردن 2025، وبحيث ركزت على مجموعة من المرتكزات سواء كانت مشاريع حكومية أو إصلاحات وتشريعات أو فرصا استثمارية بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأشارت الوزارة، في ردها، الى أنّ الحكومة ستعمل على إجراء مراجعة منتصف المدة في 2020 لوثيقة 2025 وفق ما تم الإعلان عنه عند إطلاق الوثيقة في العام 2015، وتعمل الحكومة حاليا على تطوير عمل وحدة متابعة الإنجاز الحكومي بناء على توصية وزارة التخطيط لتفعيل أدائها وفق أفضل الممارسات الدولية ولمتابعة تنفيذ الأولويات الوطنية الواردة في البرنامج التنموي التنفيذي ووفق ما يحدده مجلس الوزراء، فيما تم تأمين مشروع دعم فني ممول من المساعدات الخارجية للوحدة لتطوير قدراتها ومأسسة إجراءات عملها.
كما تم إجراء مراجعة سنوية للبرنامج التنموي التنفيذي لتقييم النتائج والتقدم الحاصل، آخذين بعين الاعتبار الوضع غير المستقر في الإقليم وأثره على مرتكزات التنمية في الأردن.
وعودة الى الدراسة، فقد أكدت أنّ هنالك تبايناً في نسب النمو المستهدفة في البرامج الوطنية التي وضعتها الحكومة، وبنيت على أساس “رؤية الأردن 2025″، ما يدلل على أن الأهداف القطاعية في هذه البرامج تختلف عن بعضها بعضاً، كما يوحي بوجود تضارب أحياناً في الأهداف القطاعية، أو أن نسب النمو المستهدفة هي نسب تأشيرية، ولم يتم عكس الأهداف القطاعية في جميع هذه الخطط على النسب الكلية المستهدفة.
وذكرت الدراسة، أنّ بعض المشاريع الواردة ضمن البرنامج التنفيذي التنموي للأعوام (2018-2016) بوصفها مشاريع مستمرة، وقيد التنفيذ مع تكاليف كلية مخصصة لها ضمن الموازنة العامة بحجم أعلى من الكلفة الكلية المرصودة لها ضمن المنحة الخليجية، فهنالك عملية ترحيل لهذه المشاريع والخطط في للأعوام المقبلة؛ ويدل هذا الأمر على ضعف الشفافية، وغياب النهج التشاركي اللذين نصت عليهما الرؤية الملكية.
وأشارت الى أن هنالك اختلافات في التوجهات والرؤى والأرقام المستهدفة للدين العام في هذه الخطط، فقد أكدت “رؤية الأردن 2025” ضرورة تخفيض الدين العام ليصل إلى حوالي 47 % من الناتج المحلي الإجمالي بدون التطرق إلى أي شق من الدين الذي سوف يتم تخفيضه (الدين الداخلي، أم الخارجي).
أما في البرنامج التنفيذي التنموي للأعوام (2018-2016)، فقد ورد ضمن الإطار الكمي للمالية العامة ضرورة العمل على تخفيض الدين الخارجي بمختلف السُبل من خلال شراء الديون خصوصاً ذات الفائدة المرتفعة، إلى جانب الاستمرار في العمل على مبادلة الديون واستغلال الاتفاقيات المبرمة في هذا المجال.
وأشارت الدراسة الى ارتفاع معدلات البطالة في الأردن خلال العامين 2015 و2016، وعدم توافقها مع أهداف “رؤية الأردن 2025″، كما استمرت بالارتفاع خلال العام 2017، علماً بأن الخطة كانت تتوقع تخفيض معدلات البطالة إلى 11.56 %.
كما تبين، وفق الدراسة، أن جزءاً كبيراً من التضخم في المملكة هو تضخم مستورد؛ نتيجة اعتماد الاقتصاد كثيراً على الاستيراد، ولا سيما النفط الخام والسلع الغذائية والاستهلاكية الأخرى.
وقد شهدت هذه المعدلات ارتفاعاً خلال العام 2017؛ إذ بلغت حوالي 3.32 %، وجاءت هذه النسب أعلى مما كان وارداً في الخطط، فقد بلغت القيمة المتوقعة في الخطط حوالي 2.40 %.
وقالت إنّ مؤشرات التنافسية وأنشطة الأعمال للمملكة شهدت تراجعاً في العام 2016 ولم تتحقق أهداف البرنامج التنفيذي التنموي المرسومة لتقدم ترتيب المملكة في هذه المؤشرات، إلا أنه طرأت تحسنات واضحة في هذه المؤشرات خلال العام 2017، وتم تحقيق الأهداف المرجوة في البرنامج بشكل أفضل من العام السابق.
كما عرجت الدراسة على ترحيل عدد من الإجراءات التشريعية والقانونية من البرنامج التنفيذي التنموي للأعوام (2016-2018) إلى خطة تحفيز نمو الاقتصاد الأردني للأعوام (2018-2022)، مثل إقرار قانون الأموال المنقولة؛ وقانون المساءلة الطبية مع الإشارة الى عدم مساهمة المنحة الخليجية في تحفيز النمو الاقتصادي الذي قد يعود لأوجه إنفاق هذه المنحة التي خلت من مشاريع كبيرة ذات قيمة مضاعفة لعناصر النمو الاقتصادي.
الغد