صراحة نيوز – بقلم الدكتور هاشم غرايبه
صدم الأردنيون جميعا، بتشكيلة حكومة الرزاز التي أعلن عنها بعد أسبوع من الترقب والأمل، ليجدوا أنهم قد خدعوا مرة أخرى، فما خرج من قبعة الحاوي هو الأرنب ذاته، بعد إلباسه بزة جديدة، فقد تبين أن تأجيل إعلان التشكيلة هذه الفترة الطويلة، ما كان للتشاور والتباحث بل لامتصاص زخم الإحتجاجات.
وهكذا خاب الأمل بعد أن رأوا أن الوزارة السابقة عادت بمعظم رموزها، مع تطعيمها بأسماء جديدة لكنها من العلبة ذاتها، إي لا يملك أحد منهم رؤيا مستقلة، بل جميعهم موظفون على حد تعبير أحد الوزراء الذين ذهبوا كبش فداء في الحكومة المطاح بها ، حينما قال إنه لم يكن غير حارس مرمى يقوم بوظيفته، وأن مشروع قانون ضريبة الدخل قد تمت ترجمته الى العربية، وقدم لهم على عجل من أجل إقراره من غير أن يخضع للنقاش.
لقد أدرك الأردنيون الخلطة السرية للحكومات، والتي ليس لها علاقة بالكفاءة ولا التخصصات، فهي توليفة من أشخاص تحقق جملة من التقاطعات:
1 – شهادة اجتياز متطلبات مؤسسات تحدد أسس القبول، وهذه المؤسسات مرتبة حسب الأولوية: السفارة الأمريكية – مؤسسة وادي عربة – المخابرات العامة.
2- شهادة خلو من الإسلام (السياسي).
3 – بعدها يدخل المقبولون في التنافس بموجب المؤهلات، وبالطبع ليست علمية أو خبرات عملية بل في مدى حيازته لدورات تهيئة القياديين التي تنظمها الأجهزة الأمريكية المختصة، بالتدريب والتثقيف الليبرالي.
4 – بعد اختيار المرشحين تبدأ العملية الأصعب والتي يشرف عليها الديوان الملكي، في تركيب الخلطة العجيبة التي تحقق مختلف المتطلبات وهي على صعيدين:
أ – المتطلبات الشعبية: وتستوجب توزيع الأسماء من المحسوبين على مختلف المنابت والأصول والمناطق، وترضي الطوائف والأقليات.
ب – متطلبات مراكز القوى: فالخارجية منها تشمل كل الجهات المانحة،مثل البنك الدولي، والإتحاد الأوروبي، و USAid والدول العربية التي تقدم مساعدات، ومنظمات الضغط الدولية غير الحكومية مثل مركز كارنيغي ومراكز البحوث والدراسات الأمريكية ومنظمات الـ NGO.
أما مراكز القوى الداخلية، فهي ترضيات لبعض رموز العائلة المالكة للحفاظ على التفاهم الداخلي، وترضيات لأشخاص يعتقد النظام أنهم الداعمون له، ومنها شخصيات عشائرية وأخرى يعتبرها موالية، وآخرون تمكنوا من تثبيت حصتهم كرموز يحققون توازنات إقليمية وطائفية ومناطقية، فغدت بمثابة حقوق مكتسبة ومتوارثة.
هكذا نكتشف ضيق مساحة المناورة المتاحة للنظام، والتي حصر نفسه بها، بسبب قناعات رسخها الإنجليز في عقل النظام منذ التأسيس، ونصائح قدموها على أنها الوصفة الأمثل لديمومته، وبقي ملتزما بها رغم أن الولاء تحول لأمريكا منذ عام 1957 .
تلك سمة عامة لكل الحكومات، لكن هنالك خصوصية في الجزئيات تميز كل حكومة، وتشي بالأولويات التي يتوخاها النظام (وليس الحكومة فالوزراء مجرد موظفين تنفيذيين لا دخل لهم برسم السياسات)، لذلك سأتعرض للنكهة العامة للحكومة، وليس لأشخاصها كما أسلفت.
من اختيار رئيسها وخلفيته الليبرالية وتأهيله في البنك الدولي، نلاحظ أن النكهة اقتصادية وليست سياسية وإذا ما لاحظنا تعيين مدير البنك الأهلي نائبا أول رغم أنه لا تعرف له أية مؤهلات، نفهم أن المبتغى دعم مجلس الكنائس العالمي، الذي له تأثير هام في الإتحاد الأوروبي.
كما أن تطعيم الوزارة بعدد كبير نسبيا من قليلي الخبرة العملية من الشباب والسيدات اللذين خضعوا لدورات التدريب الليبرالي في الغرب، نتفهم خطب ود الغرب، وطمأنته على حرص النظام على الثبات على المنهج المرسوم، وعدم السماح لأية تغييرات يطالب بها الشارع باتجاه المنهج الإسلامي.
يحس الناس بذلك، لذلك يلفهم القنوط، ويلخصه سؤال وجهه شاب إسمه “قتيبه” الى الرئيس المكلف: هل ستصلحون البلد أم نتدبر أنفسنا بالهجرة منه؟، فأجابه: انزع فكرة الهجرة من رأسك، وبمشاركة الجميع سنحقق ما نريد…بعد إعلان الوزارة، وتعبيراً عن خيبة الأمل، تداول الأردنيون وبشكل واسع وسم: #هاجر يا قتيبه!.