صراحة نيوز – مبددًا نصيحة الأجداد “لا تسافر إلى الصحراء بحثا عن الأشجار الجميلة، فلن تجد فيها غير الوحشة”، ورافضا لسبع سنوات عِجاف كانت تأويلا لرؤيا فسَّرها نبينا يوسف عليه السلام، جاعلا من مكان عمله وفريقه أنموذجا يحتذى، باكتفاء ذاتي واستصلاح للصحراء، بسلاح العلم.
رئيسُ الجامعة الهاشمية الدكتور كمال بني هاني، يؤمن بأن التخلص من أي مشكلة يكون بحلها من جذورها، وأن الخطوة الأولى بعد التعثر هي الاستعداد النفسي للنهوض والمشي مرة أخرى.
“هي سنوات سبع، تحولت فيها الهاشمية إلى نظام دولة مصغر”، يقول بني هاني في اللقاء الذي نظمته لجنة تقييم الإبداع في وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، حول “قيم الإبداع في الجامعة الهاشمية”، ويضيف، اكتفت الجامعة ذاتياً، وسدّتُ ديونها، ورفعت رواتب موظفيها، ورفدت الاقتصاد الوطني ببعض من مشاريعها، ولم يتوقف نموها ولم تمد يدها للاستدانة من أحد.
بعد أن استلم رئاسة الجامعة، بإرث مثقل بالديون، حوله إلى فائض انعكس إيجاباً على كل من يعمل في الجامعة برفع الرواتب والوصول إلى تحقيق استقلال مالي وإداري كامل، لا تتلقى أي مساعدة من الحكومة، لتكون أول جامعة بل والوحيدة على مستوى العالم بهذه الخاصية.
بني هاني الحائز على درع جائزة مؤسسة غوليسانو للقيادة الصحية تقديرًا لقيادته المتميّزة في تطوير برامج المجتمع الصحي، يقول إن همه الأول كان ضرورة الوصول بدين الجامعة إلى صفر، واستهداف العقول الشابة، ومنعها من الانجرار خلف الكثير من الأفكار المعلبة الجاهزة، مؤكدا أن البحث العلمي لم يتوقف أيضا.
ويضيف ان البحث العلمي هو العلامة الفارقة لدى الجامعات، ويحقق كثيرا من الإنتاجية ويسهم في التطور والتحسين المستمر، فالقرارات المتخذة على أساس علمي تكون نتائجها محمودة على الأطراف كافة، وهو ما يحدث في الهاشمية حيث تم تخصيص 6 بالمئة للبحث العملي من موازنة الجامعة.
الخطوة الاولى للوقوف والمشي يقول بني هاني، كانت بتحقيق الاستقلال المالي والإداري للجامعة، وهذا تم بإطفاء الديون، حتى وصلت إلى أنها لا تتلقى أي مساعدة مالية من الحكومات المتعاقبة، بل وتعدى الامر إلى زيادة رواتب الموظفين حتى 70 بالمئة على مدار سنوات.
“الأرقام تتحدث”، يقول الرئيس وتكون الأرقام في صالح الجامعة إن كان هناك تفكير خارج الصندوق، ولأن الطاقة كانت ذات كلف عالية فإن أفضل طريقة للخلاص من هذه الكلف كان بحل المشكلة من جذورها فتم انشاء محطة شمسية اُفتِتِحَت في منتصف العام 2016 بقدرة 5 ميغاواط، وبكلفة 5.5 مليون دينار.
المحطة بحسب بني هاني تضمنت ثلاثة أجزاء، الاول مزرعة على مساحة 80 دونمًا، والثاني ممر مُظَلَّل للطلبة بطول كيلو متر واحد وثلاث مظلات للسيارات أدت هذه مجتمعة الى خفض الفاتورة من 2.5 مليون دينار سنويا الى صفر دينار، بالإضافة إلى توريد 2 مليون دينار إلى شبكة الكهرباء.
بعد الطاقة قررت الجامعة التفكير بحل مشكلة المياه يقول بني هاني، فقامت بإنشاء محطة تحلية مياه بطاقة انتاجية بلغت 650 متر مكعب يوميًا، وهذه تعمل على الطاقة الشمسية وتم تركيب وحدات لاستخلاص الماء من رطوبة الهواء بقدرة إنتاجية ألف لتر يوميًا من أنقى أنواع المياه.
بني هاني وهو يغذ الخطى بجامعته نحو التطور والاستقلال يبين كيف استمرت الخطط بالتطبيق على أرض الواقع وبدأ الاتجاه نحو الامن الغذائي، وهنا كان لابد من التفكير بالصحراء وأجوائها والاستفادة منها بمنهجية علمية فتم انشاء كلية الأمير الحسن بن طلال للأراضي الجافة المتخصصة في تطوير البادية الأردنية والتي تشكل 80 بالمئة من مساحة الأردن.
الهاشمية لم تكن بمنأى عما يحدث في المحافظات الأردنية من أحداث امنية وآراء متطرفة، فعمدت الى استهداف العقول ومنعها من الانجرار خلف كثير من الأفكار المعلبة الجاهزة، فأقامت أول مؤسسة في الأردن تعتمد “نظام القائمة النسبية المفتوحة مع حد العتبة” منذ العام 2012 لإنتخابات المجلس الطلابي وكثفت النشاطات اللاصفية، واستحدثت مساقات في تربية الأخلاق والقيم الإنسانية، وحل النزاعات وقبول الآخر، والمواطنة وحقوق الإنسان وتخصص ماجستير “إدارة الأزمات والكوارث”.
لم تتأثر مشاريع الجامعة في البنية التحتية كما لم تتاثر التنمية وتطوير الكفاءات والاستفادة من المتفوقين، فعينت وأوفدت حوالي 700 أردني خلال الفترة بين عامي 2012-2018 وهذا يشكل ثروة بشرية وطنية لا تقدر بثمن، واستحدثت 27 ناديًا طلابيًا في مختلف المجالات والحقول، كما خصصت ميزانية لكل ناد بقيمة ألفي دينار وجائزة فصلية للنادي المتميز بقيمة ألف دينار.
الصحافيون الحاضرون أمطروا رئيس الجامعة بسيل كبير من الأسئلة، حول أسباب نجاح الجامعة في الإدارة والوصول الى كل هذا النجاح، فلخص لهم بني هاني القصة بان العمل العام يحتاج الى جرأة في القرار بما يخدم العامة، وان الخطأ او التقصير قد يرد ولكن معالجته تكون سهلة لأن النجاح كبير، وان كل مسؤول يستطيع ان يفعل الكثير في مؤسسته ويصل بها الى بر الأمان.
يشار إلى أن الجامعة الهاشمية كغيرها من الجامعات الأردنية العامة والخاصة، قامت بالعديد من الإجراءات في مجال حقوق الإنسان وتوفير البيئة المناسبة للطلبة من مرافق وخدمات، وتهيئة الأجواء لهم لمتابعة تحصيلهم العلمي، من بينها وجود حرم جامعي حديث وقابل للتوسع ذي بنية تحتية جيدة ومبانٍ حديثة، ومختبرات مجهزة وفق أحدث التجهيزات العلمية الحديثة، ومكتبة متميزة توفر المراجع والدوريات وقواعد البيانات، وحصلت على جائزة ضمان الجودة الأكاديمية، ودرع الحسين للتميز في تخصصات العلوم المالية والمصرفية والمحاسبة والتمريض، الذي نفذه صندوق الحسين للإبداع والتفوق بالتعاون مع المركز الأمريكي لضمان جودة التعليم العالي.