صراحة نيوز – كتب – رياض القطامين..
إذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما ، فطريق واحد يؤدي إلى رم “وادي القمر”، وأحادية الطريق هنا هي احد أسرار المكان ومفتاح وادي رم ، التي لا تملك اذا زرتها إلا أن تكتم أنفاسك اندهاشا وانت تعبر من بوابتها في أي وقت تشاء ، حتى لو كان ذلك بعيد غسق الدجى ، فسكون الكون في رم يكفي .
أما اذا زرتها فجرا فتلك قصة أخرى، فانت أسير لإزهار الشفق ، وخيوط الشمس الذهبية التي تلقي رسمها على المكان كضفائر على كتف حسناء، ” تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل” .
تأخذك خيوط الفجر الأبيض في رم ، لتستمع الى أعذب أنغام الموسيقى التي يتردد صداها في جنبات الوادي من هديل الحمام الذي يطوف الفضاء، وحناجر الحجل والشنار وهو يدرج بين طبقات الصخور ، وهمهمة المها العربي الأصيل العائد إلى موطنه في بطن الوادي ، وصفير من ( بدن ) قد اعتلى رؤوس المراقيب فوق القطيع ليملأ رئته بأنقى نسمات الهواء ، كجنرال يستعرض طابور جنود .
فيما تأخذك ساعات الصباح الأولى ، وتساقط الغيوم على أسنة رماح الشمس ، وحداء الرعاة ، إلى خطى الماشين بالأمس القريب الباحثين عن إشباع رغباتهم من مفردات الطبيعة الخلابة ، حيث تنمو السوسنة السوداء، و شقائق النعمان الحمراء في الأماكن الأكثر هدوءا ، وشجيرات الرتم والحبق المستلقية في أحضان الرمال ، والعرعر والتين البري المتدلي من سلوع الجبال ، والأعشاب الطبية كالقيصوم وغيره من أعشاب الطب العربي لدى البدو ، في سفوح الجبال وتعرجات الشعاب التي لا تخلو من وجود حيوانات برية نادرة كالذئاب الرمادية والقطط الرملية وفصائل مميزة من الثعالب.
من مركز الزوار الذي أنشأته سلطة منطقة العقبةالاقتصادية الخاصة، حيث بوابة رم الوحيدة ، تبدأ إيقاعات النهار مع عشاق الطبيعة ، وتفاصيل رحلة السياح إلى وادي رم من هواة المغامرة لتسلق الجبال الوردية تارة ، والمتلونة مع شعاع الشمس وحنايا الأودية تارة أخرى، بتجربة لن تمحها السنون ، والتأمل بغروب الشمس بألوانها القزحية، بمنظر مدهش يبقى حبيس الذاكرة ، وجولة على ظهر جمل أوضح يعرف المكان كما يعرف السائح خيوط راحة يده ، او على متن سيارة دفع رباعي يقودها بدوي خبير ، يعارك كثبان الرمال وتموجاتها ، ومفازات الصحراء ومتاهات التكوينات الصخرية المخبأة بين ثنايا المكان وكأنها ناطحات سحاب عملاقة .
أما إذا غابت شمسك في رم ،يقول سالم الزلابيه احد العاملين في القطاع السياحي هناك فلا بد من التخييم ليلا بإقامة فريدة هي فرصة انعتاق حقيقة من عصرنة المدن و صخب الحياة بخيمة يتحلق السياح فيها حول جمر من حطب الغضا في بطنه ” عربودا ” قرصا من خبز النار ، وعلى ظهره إبريق شاي ودلة قهوة معطرة برائحة الهيل وأصالة البداوة ، أو عشاء من لحم زرب ، اكتوى بجمر الغضا ، وأنغام صوت الربابة لشاعر نبطي يروي حكايات الوادي وقصة العشق بين المكان والانسان والزمان والقصيد ينتثر على لسانه كقطرات الندى فوق حبات الرمال وهو ينشد ” الشمس غابت يا بن شعلان والضيف يدور معازيبه …والدله تسكب على الفنجان وبهارها جوزة الطيبي… لتحظى بإقامة نوعية تعجز عن توفيرها أرقى الفنادق السياحية والمنتجعات الطبيعية في العالم.
اذا زرت رم والتي رجح أن تكون ” ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ” والتي ذكرها القران الكريم ،فانت شاهد عيان على ارث بشري بموقع مهيب ، لن تجود المعمورة بمثلها كما يقول لورنس العرب في كتابه اعمدة الحكمة السبعه ، هناك تتلمس خطى العرب الموغلة في التاريخ لتشهد براعة الانباط في صناعة السدود وأنظمة المياه حيث الغسل والطهارة عند العرب ، وتقف على آثار الأمير الهاشمي فيصل بن الحسين وعودة أبو تايه وأحرار العرب من جيش الثورة العربية الكبرى ، الذين اتخذوا من وادي رم مركزا لقيادتهم في مواجهة الأتراك بأعمال بطولية كانت بداية لإقامة كيان الدولة الأردنية الحديثة .
وستقرأ على جدار الزمن ما سجلته الأمم والشعوب في رم من حضاراتها المتتالية بلغات مختلفة ، فحفظتها صخور رم نقشا ، وكأن التاريخ يمشي على قدمين ، لتكون رم مجمع لغات عالمية ، يتسيدها رطب الكلام من العربية المحتفظة ببكارتها وعنفوانها ببلاغة بدوي تخرج من مدرسة صحراء بني عطية ويتردد في اذنية صدى صوت عرا ر في جبل رم والخزعلي وام الدامي “يا اخت رم كيف رم وكيف حال بني عطيه… هل مازالت هضابهم شما وديرتهم عذيه …
رم سحر الشرق وسيدة الصحراء و مملكة الرمال ومزارات الشعراء والمستشرقين الذين رصدوا رسومات صخرية تعود لأكثر من 4000 عام بقصص تحكي أسرار السنين وتختزل العديد من الحضارات ،لتدخل رم العالمية من أوسع أبوابها منذ فيلم لورنس الشهير الذي جسدته هوليوود كأحد أشهر الأفلام العالمية إلى” فيلم الذيب ” بإبداعاته الأردنية المذهلة التي وصلت الى قائمة جوائز الاوسكار، وغيره من الأفلام ببطولات أشهر النجوم على مستوى العالم حيث كان وادي رم هو مسرح العمليات وساحات التصوير والإبداع كموقع تصوير أفلام عالمية وفقا للهئئة الملكية للافلام بحكاية تتواصل لأكثر من نصف قرن .
وتم اختيارها هذا العام لتصوير الجزء التاسع من سلسلة افلام “حرب النجوم ” للمخرج الامريكي الشهير ج .ج. أبرامز ، والى رم ارتحلت الباحثة ألأمريكية أريغا” من أصول برتغاليه ذات 70 عاما منذ عقدين فهجرت اروربا والغرب لتنام في رم تحت النجوم متصوفة وحالمة بغزل الصحراء بضيافة أبو عتيق لتوصي إن تضم رمال رم جسدها بعد وفاتها .
زيارة واحدة الى رم تمنحك متعة القفز الى عبق التاريخ فمن فوق جبال وادي رم الوردية، ، قفز فريق “بارا أدرينالين”، الفرنسي للقفز الحر، من ارتفاع حوالي أربعة آلاف متر، في مغامرة وصفها الفريق بـ”الرائعة والمدهشة”.
و”بارا أدرينالين” هو أكبر مركز لرياضة “سكاي دايفنج” (Skydiving) في أوروبا، جاء بناء على دعوة تلقاها من سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ضمن حملاتها لتروبج المنطقه.
روعة المنظر في وادي رم تكمن في الصورة التي تعلق بذاكرة من تتاح له رؤية المنطقة من الأعلى من خلال طائرة، او منطاد أو عبر رياضة القفز الحر من السماء، حيث يشعر وكأنه يقفز من على سطح القمر بحسب رئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية ناصر ابشريده. .
ستمنحك الرحلة الى وادي رم بالمرور بملتقى ثلاث قارات عالمية يزورها أكثر من مليون طائر مهاجر سنويا اعدت لها سلطة منطقة العقبه الاقتصادية وفقا لمدير مرصد طيور العقبه المهندس فراس الرحاحله مرصدا كمركز جذب بيئي وسباحي لتهبط في مدينة العقبة ،وستكتشف في آخر الرحلة سر العلاقة بين رم المكان والبيئة وبين الثقافة المميزة للسكان.
وادي رم واحد من الاماكن السياحية المتفردة عالميا بزيارة اغلب جنسيات العالم اليها بفضل تميز طبيعتها ” التي لم بخلق مثلها في البلاد ” والتي حظيت برعاية مذهلة من سلطة منطقة العقبةالاقتصادية الخاصة كما يؤكد مدير محمية رم ناصر الزوايده حتى جعلت شعوب العالم تهوي اليها رجالا ونساءا شيبا وشبابا بمئات الالاف من السياح من محتلف الجنسيات سنويا.
ظلت رم بكل ما فيها من مقومات جمالية سنوات بانتظار الاقلاع الى خارطة العالم السياحية وفقا لمفوض السياحة في سلطة العقبه الاقتصادية الخاصة شرحبيل ماضي حتى عام 2001 لتدخل دائرة المخطط الشمولي لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بإطار طموح جلالة الملك عبدا لله الثاني ضمن فلسفة إعلان العقبة منطقة اقتصادية خاصة واعتبار رم احدى وحداتها التنموية والسياحية لتحظى بدعم غير مسبوق من ابسلطة وتدخل قائمة التراث الطبيعي العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 2011 بفضل جهود كبيرة بذلتها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في التسويق والترويج والتأهيل بكلفة نافت على 10 مليون دينار باعتبار رم التي تحتضن أكثر من 100 مخيم سياحي بيئي ، احد أهم إضلاع المثلث السياحي الذهبي الأردني .
تحلق رم اليوم على متن انواع عديدة من الطائرات الى وجهات عالمية مختلفة بفضل اتفاقيات ابرمتها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في عهدها الحالي لتربط المنطقة بالعالم بهدف جذب المزيد من السياح لتكون رم سفيرة الاردن السياحة المتجولة في العالم كما هي قصة رم مع البواخر السياحية كما يؤكد رئيس سلطة العقبه الاقتصادية ناصر الشريده.
ويضيف الشريده تواصل رم تقدمها على كثير من المواقع السياحية العالمية لا سيما تلك الموجود في حوض البحر الاحمر كمركز جذب بيئي سياحي متفرد ، دون إن تبخل على العديد من أبنائها واستيعابهم بأعمال كريمة بعيدا عن طوابير الفقر والبطالة .
واتاحت البيئة السياحة في رم للمراة ” الرمية” الانخراط في العمل التنموي من خلال العمل في المطرزات البدوية والتراثيات كمصدر دخل اضافي حسن مستوى معيشتها وحفز ابنائها على اكمال دراستهم الجامعية ليعودوا الى رم موظفبن وعاملين بدخل مجزي بحسب سيدات يعملن في هذا النطاق.
وتحث سلطة منطقة العقبة الاقتصادية اليوم الخطى سريعا ، لإطلاق القطار السياحي ضمن مسار الخط الحديدي الحجازي بعربات مكيفه بأعلى المواصفات تناسب طبيعة ومناخ المنطقة .
وادي رم هو واد سياحي بامتياز ياتي اليه السياح ” من كل فج عميق ” نظرا لطبيعة الموقع الذي لم تتدخل بصناعته يد البشر بل صنعهتا احوال الطبيعة ويقع في صحراء “حسمى ” جنوب الاردن على بعد 70 كيلو متر شمالي مدينة العقبة الساحلية ، يمتاز بوجود الجبال الشاهقة ، ففيه اعلى القمم الجبلية في كجبل ام الدامي وجبل رام .
ينحدر الطريق الرئيس الى وادي رم وقرية رم الصغيرة شرقا من الطريق الصحراوي عند حوالي 5 كلم الى الجنوب من مدينة القويرة، و35 كلم الى الشمال من العقبة ، ومن هناك يمتد الطريق بطول 35 كلم عبر الصحر لينتهي بوادي رم الذ شكل ممرا للقوافل العربية القادمة من الجزيرة واليمن إلى بلاد الشام .
رم ليست رواية لمكان او زمان بل هي قصة امم وشعوب مرت واستقرت بعد ان رسخت حضاراتها في كتاب الطبيعة المفتوح ” رم ” سيدة الصحراء ، وحارسة حسمى ، ومغرية العشاق ، وبوابة لكل الباحثين عن الانعتاق من “ضوجان ” وضجيج العصر.