صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
من الواضح أن الثالوث: ( الدولة والنخب والشارع )، وصلوا جميعا إلى مرحلة متقدمة من الاكتئاب والاحباط السياسي ، وهما نتيجة حتمية تعبر عن مدى شعورهم بالصدمة والخذلان من الواقع، نتيجة تصل إلى حالات من اليأس والعجز تجاه قوى الشد العكسي، التي يمارسها كل طرف تجاه الطرفين الآخرين .
على صعيد النخب السياسية ، شهدت الساحة الداخلية أخيرا ، صراعا بين ثلاثة تيارات ، بعد أن برز التيار الثالث وهو (الاقوى )،حيث التقت فيه المصالح؛ بين أصحاب المال والأعمال و أصحاب السلطة والنفوذ والجاه من المتقاعدين المدنيين والعسكريين ، الذين يمتلكون المعلومة ،ولهم أتباع ما يزالون داخل الخدمة وعلى رأس عملهم ، يزودونهم بآخر المستجدات والتحديثات على المعلومات ، لينضم هذا التيار الجديد إلى التيارين السابقين ، وهما : تيار القطاع العسكري والعام ، وتيار أصحاب الأعمال الحرة .
وما يميز التيارات جميعها، أنها تترصد لبعضها بعضا، وكل تيار يعمل على أن يحبط عمل التيارين الآخرين ، مما يسببون لبعضهم بعضا حالة من الاكتئاب والاحباط السياسي.
هذه التيارات الثلاثة تتبع لانقسامات موجودة سابقا في أجهزة الدولة ، لا تتعدى ثلاثة انقسامات:الاول(المؤلفة قلوبهم) مع شخصية بعيدة عن الحكم وليست ببعيدة ، والثاني الشرفاء في هذا الوطن ( الذين تشربوا حب الوطن ) ، والثالث والاخير للاسف “يقف في منطقة محايدة بين هؤلاء وهؤلاء “.
بدا الصراع جليا بين هذه التيارات أخيرا ، خلال حفل اشهار كتاب “الأوراق الملكية.. رؤية استراتيجية”، للوزير والنائب السابق الدكتور حازم قشوع في فندق المريديان بحضور ومباركة رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ، ورئيس الديوان الملكي ، وجرى خلاله التوقيع على وثيقة تجديد البيعة لملك البلاد ، بغياب جميع أعضاء نادي رؤساء الوزراء السابقين، الذين رفضوا المشاركة في احتفالات عامة، والتوقيع على تلك العريضة وتجديد البيعة لولي الامر، مما فتح باب التأويلات والتفسيرات العديدة، ومنها : انهم موالون للحكم وليسوا بحاجة إلى تجديد الولاء والبيعة والتوقيع على ذلك ، ومنهم من فسرها بأنهم يمتلكون وجهة نظر من زاوية شمولية، كونهم كانوا داخل اللعبة السياسية ، بحيث يرون خطرا لا يراه غيرهم، وربما أن هناك رسالة أرادوا منها بيان ” من هو التيار السياسي الأقوى ” ، الذي يقف ضد الولاء للسياسات العامة .
من الواضح أن الاحباط عام وشامل ، فكما أن المسؤولين على اختلاف رتبهم محبطون الشارع الاردني محبط أيضا ، لضعف التفاعل مع وقفات الرابع “الخميسية” ، وفي بعض المحافظات مما أصاب أهل الحراك بالاحباط ، الى جانب شعورهم بالخذلان لعدم الجدية في مكافحة الفساد والحد منه ، حيث تم تقزيم آخر واكبر قضية فساد ” قضية دخان مطيع ” الذي كان مطيعا لاسياده، إلا أنه عند الحساب اقتصر ” السامر ” على مطيع واربعة من أهله ووزير سابق ومديرجمارك سابق، فقط لا غير ، في قضية دامت سنوات عديدة ، وحديث عن مبالغ طائلة ، وعلاقات واسعة لم تستثن الصور المسربة أحدا من المسؤوليين الكبار الذين ما زالوا على رأس عملهم ،ومنهم من غادر مقعده الوظيفي اخيرا ، كل ذلك أصاب الشارع بالإحباط ، بعد أن تولدت لديه قناعة بأن مكافحة الفساد مجرد شعارات.
إن استمرار الحراكات الشعبية في الشارع وبالذات يوم الخميس ،سواء في عمان أو في بعض المحافظات، وما يرافق ذلك من هتافات غير مسبوقة، وذات سقف عال، لهو تعبير صريح عن مدى الاحباط الذي وصل اليه المواطن ، الذي اراد من هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لفت انتباه ملك البلاد ، لتلك المعاناة ، وايصال مقدار سخطهم، والتحذير من عدم اللامبالاة لنتائج القهر الذي استوطن صدورهم ، والاستماع لمطالبهم بإجراء الإصلاح السياسي والاقتصادي ، وتغييرالنهج ، والا سيكون الانفجار الشعبي هو النهاية .
واضح بأن الدولة أيضا ليست بعيدة عن حالة الاكتئاب والاحباط السياسي هذه ، حيث ظهرت من خلال أدواتها وأذرعها الخارجية والداخلية عن طريق الاستعانة بهم للدفاع عنها والرد على الاشاعات أو المعلومات( المسربة ) مجهولة المصدر ، التي بدأت تحدث حالة من القلق وتؤثرفي الجو العام الداخلي ، كونها ( إلى حد ما صحيحة ) وتخرج بعيدا عن السيطرة ، من منابرالبث الحي عبر منصات التواصل الاجتماعي ، من قبل اشخاص ( بدأ الترويج على أنهم ليسوامعارضة ) ، إنما هم مجموعة من الاشخاص يقيمون في الخارج، ويعارضون السياسات الحكومية في الداخل ، لكنهم يحظون باهتمام الشارع الذي يبحث عن اجابات شافية لما يتعلق بالشأن العام،في ظل غياب الثقة بينه وبين المسؤول ، وغياب المعلومة ، والشفافية .
هناك حلقة ما زالت مفقودة ، تُفسر الاسباب الحقيقية التي تقف خلف حالة الاحباط السياسي التي اصابت ” الثالوث ” ، وبالتالي لابد من طرح الحلول للخروج من هذه الحالة ، قبل أن تصل النخب إلى مرحلة كسر العظم فيما بينها ، ويصل الشعب إلى حالة الانفجار ، وتقف الدولة في حيرة من أمرها ، عاجزة عن الخروج من حالة الاكتئاب الاحباط السياسي التي تسللت الينا، واصبحت تسيطر علينا في مجمل أمور حياتنا.