صراحة نيوز –بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
وأنت تنظر حولك متأملاً فيما يدور في هذا العالم من أحداث تقف أحياناً عند أمور تجعلك حائراً، فقبل عدة أيام إندلع حريق كبير في أحد أشهر الكنائس في العاصمة الفرنسية باريس والتي تعد أحد أشهر الكنائس في أوروبا والعالم، وإنطلق العالم ما بين متعاطف مع الفرنسيين والمسيحيين سواء من ناحية قيمة الكنيسة الدينية لأتباعها أو من باب أهمية الكنيسة الفنية والمعمارية في العالم، ومابين باحثين في تاريخ الكنيسة وماجرى بداخلها من أحداث إنطلقت لمحاربة أديان وشعوب أخرى ومقارنين بين الحريق وبين كوارث إنسانية حدثت في بلادهم لم يتم التعاطف معها من قبل أتباع الكنيسة برأيهم، وفريق آخر ذهب أبعد من ذلك بكثير متبنياً دعاء “أهلكهم الله” على أتباع الكنيسة وكل من يتعاطف معهم لأنهم يستحقون الفناء والهلاك برأي ذلك الفريق !
والسؤال الذي يتبادر للأذهان في كل مرة يحدث فيها مثل هذا الأمر هو كيف ننتظر من العالم التعاطف معنا كمسلمين والوقوف معنا في مصائبنا عندما نبادر بالدعاء عليهم بالهلاك والفناء عندما تقع بهم مصيبة ما، وما حادث نيوزلندا الارهابي منا ببعيد، عندما انتظرنا من العالم التعاطف معنا في مثل هذا الحادث الارهابي الشنيع وانتقدنا كل من لم يتعاطف معه، لكننا في الحقيقة اذا ما كنا ننتظر من العالم التعاطف معنا ومع قضايانا فان علينا الحرص دائماً على التحلي بأخلاق ديننا الاسلامي الحقيقية قبل أي شئ، والتي أمرنا الله عزوجل فيها وفي أكثر من موقع في كتابه الكريم بالكلمة الطيبة والقول الحسن، ومنها قوله عزوجل في الآية 53 من سورة الاسراء: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا﴾، وقوله جل جلاله في الآيات 24-25-26 من سورة إبراهيم: ﴿ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار﴾.
وأن لا ننسى أخلاق قدوتنا نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الذي أجاب من طلب منه الدعاء على غير المسلمين يوماً فيما رواه مسلم بالقول: “إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة”، والذي عاد يوم إعتداء أهل الطائف عليه بعد أن دعاهم إلى طريق الحق والصواب إلى مكة وهو حزين فبعث الله إليه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة وهما جبلان محيطان بها، فرفض ذلك قائلاً: “بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئًا” رواه مسلم.
هذا هو جوهر دين الاسلام الحنيف الذي ننتمي اليه، دين الرحمة والمحبة والسلام، دين لا ننظر من خلاله الى أسوأ ما لدى غيرنا من أتباع الديانات الأخرى لنتخذه سبباً في الدعاء عليهم ومحاربتهم وقتلهم والفرقة بيننا وبينهم، بل ننظر من خلاله إلى أجمل ما لديهم لتكون عاملاً مشتركاً مع ما في ديننا من جمال وروعة، فقد أرسل الله عزوجل أنبياءه موسى وعيسى لنفس السبب الذي أرسل من أجله محمد وكل الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وهو هداية الخلق إلى طريق الحق والسلام والنجاة وليس ليقف كل فريق منهم رافعاً يديه بالدعاء على غيره بالهلاك والفناء.
ولنتذكر قبل المبادرة بالدعاء على أتباع الديانات الأخرى قول خالقنا عزوجل في الآية 108 من سورة الأنعام: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون﴾، فمن يرضى أن يسمع كلاماً بذيئاً في حق خالقه جل جلاله فليبادر عندها بالدعاء على غيره من البشر من أتباع الديانات الاخرى، وفي النهاية كلنا بشر نعيش في حديقة واسعة إسمها “الحياة” تجمعنا جميعاً مسلمين ومسيحيين ويهود وغير ذلك من أتباع كل الديانات والملل، وبامكان كل منا ان يختار مكانه ومكانته في هذه الحديقة من خلال زرع ورود جميلة في هذه الحديقة والمساهمة في عمرانها وتجميلها، أو باقتلاع هذه الورود وزرع أشواك مثل “أهلكهم الله” فيها.