صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
قال الله تعالى في محكم كتابه ( وقل ربي زدني علماً ) صدق الله العظيم .
وثيقة التمكين هي وثيقة سرية خاصة بالأخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية وليس لها أي علاقة لا من قريب أو بعيد بأي جماعة خارج مصر .
وهي تصلح أن تكون خطة إستراتيجية لتحقيق أهداف وطنية إجتماعية وإقتصادية وسياسية كما تصلح أن تكون خطة لإدارة الأزمات أو درسا من دروس التخطيط والتنظيم .
( التمكين ) هو إسم وثيقة ضبطها رجال الأمن المصري في مكتب السيد خيرت الشاطر عضو مكتب الإرشاد لجماعة الأخوان المسلمين والنائب الأول لمرشد الجماعة .
وثيقة التمكين هي عبارة عن خطة شاملة تبدأ بالحث على التغلغل في قطاعات الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة وتركز على ضرورة إستهداف المناطق الفقيرة والفئات الشعبية لأن الإنتشار بين هذه الفئات أسهل وأوسع لأنهم يمثلون غالبية الشعب .
وبالرغم من أن هذه الخطة قد تم وضعها من قبل الأخوان المسلمين في مصر لتتناسب مع الواقع المصري وتطرح تصورا سياسيا عقائديا براجماتيكيا وتضع إستراتيجية شاملة على ثلاثة مستويات .
المستوى الأول : التعامل على مستوى الوطن أي مستوى الجمهورية العربية المصرية في كيفية التعامل مع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والطلابية والأقباط وحتى اليهود المصريين .
المستوى الثاني : التعامل على المستوى الإقليمي أي العالم العربي الإسلامي ودول الجوار الإفريقي .
المستوى الثالث : التعامل على المستوى الدولي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الأطلسي ومن ثم روسيا والصين وعلى مستوى الأمة الإسلامية في العالم .
وإن وثيقة التمكين تصلح لكل الحركات لا سيما الحركات الدينية والإجتماعية والحزبية والتنظيمات السياسية لأنها ترسم إستراتيجية توضح من خلالها مدى ما حققته في الماضي وما تحققه الآن على أرض الواقع وما تطمح إلى تحقيقه في المستقبل القريب والمستقبل البعيد عن طريق تعزيز الإستمرارية ورفع مستوى الكفاءة لكافة الكوادر العاملة والتابعة لجماعة الأخوان المسلمين في شتى مواقعهم .
ولقد احتضنت وثيقة التمكين شعار ( الإستعداد لتحمل مهام المستقبل وإمتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة ) في حال النجاح في السيطرة على الحكم . كما ركز الأخوان المسلمون على ضرورة رفع الكفاءة الإدارية من أجل مواجهة أي أخطار داخلية أو خارجية تهدف لإجهاض مخططات الأخوان المسلمين وتم وضع أربع آليات عمل أساسية لتنفيذ المخططات وتحقيق الأهداف التي أقرها الأخوان المسلمون واعتمدوها كغايات عليا وهذه الآليات هي
الآلية الأولى :
سهولة الإنتشار وتكريس العقيدة الإسلامية والتأكيد على ضرورة التغلغل ونشر الأفكار والأهداف في طبقات المجتمع المختلفة خصوصا الطبقات الفقيرة ومن ثم التوجه إلى إمتلاك القدرة على تحريك وتسيير هذه الطبقات من أجل زيادة فرص الجماعة في زيادة نفوذهم وتسهيل عملية تمكينهم من الحصول على أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب ومختلف فئاته وبالتالي الإستعداد لمجابهة الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والإستعداد للصدام معها إذا لزم الأمر . ويؤكد التخطيط الإستراتيجي أنه بقدر التأثير والإنتشار بين قطاعات الطلاب والعمال والطبقات الشعبية وقطاع الفلاحين بقدر ما يكون النجاح .
الآلية الثانية :
الإنتشار والتغلغل وإختراق المؤسسات الفاعلة والمقصود بالمؤسسات الفاعلة هو الجيش والشرطة والإعلام حيث توضح وثيقة التمكين سبب إستهداف جماعة الأخوان للجيش والشرطة والإعلام حيث تقول الجماعة إنهم إضافة فاعلة وزيادة متقدمة في قوة وفاعلية الجماعة وتحييد القوى الحامية لنظام الحكم .
كما أن الوثيقة تدعو إلى إختراق الأزهر والمؤسسات الدينية لما لهذه المؤسسات من قدرات واسعة وتأثير طويل المدى على غالبية الشعب من المسلمين . كما تدعو الوثيقة إلى التركيز على إختراق المؤسسة القضائية والتشريعية لأن لديهم القدرة الكبيرة الفاعلة على التغيير في مواقف فئات كبيرة لصالح جماعة الأخوان المسلمين .
الآلية الثالثة :
من أجل الحفاظ على خطة التمكين لا بد من حمايتها وتجنب التسبب في ضربها أو وأدها وذلك عن طريق التعامل مع القوى الأخرى الموجودة في الشارع المصري . والقوى الأخرى هم كما حددتهم وثيقة التمكين الذين يؤثرون سلبا أو إيجابا على رسالة الأخوان هم السلطة الحاكمة ,اجهزة الحكومة المختلفة والسلطة التشريعية والسلطة القانونية والسلطة التنفيذية والتركيز هنا ينصب على السلطة التنفيذية وكافة الوزارات والدوائر الحكومية ويتم التعامل معهم بواسطة أساليب أربعة .
الأسلوب الأول وهو أسلوب الإحتواء تحت شعار عملية أسلمة الدولة . والأسلوب الثاني هو أسلوب التعايش بمعنى العمل على إيجاد صورة من صور التعايش مع النظام بالتأثير على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وتسخير هذه الأوضاع لمصلحة الأخوان بإعتبارهم عامل مساعد في الحفاظ على الأمن والموافقة على المشاركة في الإنتخابات والدفاع عن الوطن ضد أي عدوان أو تهديد من الخارج . أما ألأسلوب الثالث فهو أسلوب التحييد أي عن طريق إشعار السلطة الحاكمة أن الأخوان ليسو خطرا عليهم وأنهم لا يسعون إلى قلب نظام الحكم أو السيطرة عليه . والأسلوب الرابع هو تقليل فاعلية الدولة من التأثير على خطة التمكين وعلى سبيل المثال عدم الإعتماد على أي مصدر من مصادر الدعم المادي والإعتماد على مصادر الدعم الذاتي والقدرة على تمويل أعضاء الجماعة ذاتيا .
كما وأن الوثيقة قد تناولت بالبحث العميق والدراسة المستفيضة الأقباط بإعتبارهم كتلة كبيرة ولهم قدرات متعددة وعندهم وعي وحس قومي وثقافة عالية وأن لهم ثقل خارجي كبير لا سيما في العالم الغربي .
ولقد وضعت الوثيقة ثلاثة أساليب للتعامل مع الأقباط أو كما تصفهم الوثيقة ” المجتمع القبطي ” .
الأسلوب الأول : هو أسلوب التعايش بأن يتم إقناع الأقباط بأن وجود الأخوان المسلمين وتطبيقهم للشريعة الإسلامية هو عين مصلحة الأقباط لأنه سيوفر للأقباط عدالة لا يوفرها لهم النظام الحالي القائم .
وفي حال فشل هذا الأسلوب الإنتقال إلى الأسلوب الثاني وهو ” التأمين ” والمقصود بالتأمين للأقباط هو تحييدهم عن مواجهة الأخوان المسلمين بأن يُشعروا الأقباط أن وجود الأخوان المسلمين لا يشكل خطرا عليهم وعلى مصالحهم وعلى مكتسباتهم في الدولة والمجتمع على حد سواء .
أما الأسلوب الثالث فهو أسلوب ” التفتيت ” ويكمن في إستغلال جماعة الأخوان المسلمين لنفوذها وقدراتها من أجل تفتيت الصف القبطي وبحسب نص الوثيقة تقليل خطر الأقباط الإقتصادي وإضعافهم ماديا .
كما تطرقت وثيقة خطة التمكين إلى ذكر اليهود المصريين في عجالة جدا وفي سطر واحد وبأسلوب واحد للتعامل معهم بأنه لا بد من تقليل فاعلية أخطارهم في كل المجالات .
ولقد برز مصطلح ( الآخر ) في وثيقة التمكين بحيث تشمل آلية التفاعل أيضا النوادي والجمعيات المشبوهة وحددت أسلوبا واحدا للتعامل معها وهو تقليل فاعلية خطرهم على خطة التمكين نظرا لأن هذه الأندية والجمعيات يصعب إختراقها كما يشمل مصطلح الآخر عند الأخوان المسلمين الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والتي تعرفها الوثيقة بأنها النقابات المهنية والتجمعات العائلية والقبلية والمنظمات الدولية لا سيما التي ترفع شعار ” حقوق الإنسان ” . وتحدد الوثيقة أساليب التعامل مع هذه الجماعات والأحزاب أولا بالدخول فيها والسيطرة على مراكز القرار فيها وتوجيهها من الداخل والأسلوب الثاني أنه إن تعثر الإختراق والتوجيه من الداخل فليكن هناك تنسيق وتوجيه من الخارج في المساحات المشتركة وإيجاد مصالح مشتركة .
والمفاجأة الأكبر التي وردت في وثيقة التمكين أنها ولأول مرة في تاريخ الأخوان المسلمين يتم الإعتراف فيها بأن هناك جماعات إسلامية ومفكرين إسلاميين يُعتبرون في حكم “الآخر” بالنسبة إلى جماعة الأخوان المسلمين حيث تقول الوثيقة إن هذا القطاع يشمل جماعات ومفكرين يتفقون معنا في الرسالة ولو جزئيا وهؤلاء يتم التعامل معهم بالإحتواء والتنسيق والتعاون الكامل وفي أضعف الظروف التحييد والتعايش . أما الجماعات الإسلامية والمفكرون المسلمون الغير متفقين مع رسالة الأخوان المسلمين فهؤلاء يجب التعامل معهم بالتوجيه والتحييد والإحتواء قدر الإمكان وتقليل فاعليتهم ضدنا .
الآلية الرابعة :
لا بد من تحقيق أهداف خطة التمكين وإنجاحها في العمل على التصدي لأي محاولة لإفشالها والعمل على الإستفادة من البعد الخارجي والمقصود بالبعد الخارجي هو المجتمع الدولي . والتركيز على الدول التي تربطها علاقات ومصالح بمصر . وهو ما تتطرق إليه الوثيقة تحت عنوان ” القوى الخارجية المعادية أمريكا والغرب ” وتؤكد الوثيقة أن الإستفادة من البعد الخارجي يتمثل في تخفيف الضغط الداخلي وإكتساب تأييد المجتمع الدولي بحيث تطرح الجماعة ثلاثة وسائل للتعامل مع الغرب تبدأ بمرحلة التعايش وتصدير خطاب للغرب يؤكد أن على الغرب البدء في التعامل مع القوى الحقيقية في المنطقة ” الأخوان المسلمين ” على أن تضم هذه الوسيلة في خطابها الوسيلة الثانية وهي التحييد حيث يصدر في نفس الخطاب للغرب مؤكدا أن من مصلحة الغرب عدم الإضرار بجماعة الأخوان المسلمين لأنهم لا يشكلون خطرا على مصالح الغرب ما داموا لم يحتكوا به . والأسلوب الثالث والأخير للتعامل مع الغرب هو تقليل الفاعلية بالتأثير على مصالح الغرب في المنطقة ولم تفسر الوثيقة كيفية التأثير على مصالح الغرب هل سيكون بالعنف أم بالسياسة .
ولدى الإشارة إلى تحمل ” المسؤوليات المستقبلية ” والتي تعني حسب ما جاء في الوثيقة إلى إضطرار الجماعة إلى إدارة شؤون مصر بنفسها والوصول إلى ” الكفاءة ” المتمثلة في إعداد المجتمع داخليا وخارجيا بما يتماشى مع متطلبات المرحلة ويحقق الإستخدام الأمثل للموارد وهو ما يتطلب من الجماعة تطوير رؤيتها لتتناسب مع الظروف الحالية للمجتمع وأن تصل إلى صميم تكوين الأفراد والمساهمة في تحقيق بناء هيكلي جديد للمجتمع المصري . فمن حيث الرؤية تطرح الوثيقة رؤية البناء والتغيير إلى الأحسن لتحقيق العدالة الإجتماعية وتأمين الحاجات الأساسية ورفع مستوى المعيشة بحيث تتناسب مع الكرامة الإنسانية ومحاربة الفقر والعوز وتأمين الخدمات الصحية . فمن حيث الرؤية تطرح الوثيقة رؤية البناء والتغيير بحيث تؤدي إلى إستيعاب كوادر الجماعة في الصف الأخواني كاملا وتوجيهه لقضية التغيير وآلية هذا التغيير وإعادة البناء أو كما تطلق عليه الوثيقة ” البناء والتغيير ” المتمثلة بالمقاومة السلبية من الداخل وطرح قضية التغيير للحوار على كافة المستويات .
وفي النهاية يمكننا تلخيص ما ورد في وثيقة التمكين بالنقاط التالية
الدعوة إلى رفع قدرات الأفراد ” العناصر الأخوانية” من أجل تحقيق التأثير في المجتمع حيث أن مدى التأثير هو صلب خطة التمكين والتركيز على ضرورة الحوار والإقناع لجميع فئات المجتمع وذلك عن طريق :-
1: تنمية حلقات القيادة والقدرة على تحريك المجموعات وتفعيل نشاطاتها
2: إحداث التوازن بين الدعوة الفردية للضم والإلتحاق بالصف الأخواني ” عملية الإستقطاب ” والدعوة العامة .
3: رفع قدرة الأفراد على إختراق المؤسسات الفاعلة ” الجيش والشرطة والإعلام ” دون فقدان الهوية الأخوانية .
4: رفع قدرة الأفراد على التعامل مع المعلومات .
كما تؤكد الوثيقة أن مرحلة الكفاءة ومهام المستقبل يلزمها ما يلي :-
1: الإهتمام بمجموعة مختارة تنمي فيها القدرة على إدارة المؤسسات العامة.
2: القدرة على إستيعاب المميزين في القطاعات المختلفة والإستفادة منهم .
3: توفير المعلومات اللازمة لأداء المهام المختلفة .
4: إرساء مبدأ التفويض واللامركزية في الأعمال قدر الإمكان .
5: إرساء مبدأ التفرغ لشغل المناصب ذات الأهمية .
6: مرونة الهيكل بحيث تسمح بإضافة كيانات جديدة إستجابة للخطة ” جهاز معلومات / علاقات سياسية ” .
7: إستكمال الهياكل بناء على أهمية العمل في الخطة وأولوياتها .
ويأتي الطرح الأهم لوثيقة التمكين لموضوع الأولويات في تنفيذ الخطة فيأتي تأمين خطة التمكين أثناء التنفيذ كبداية ويضع أولويات هذه المرحلة في التركيز على الترتيب التالي الطلاب ثم العمال ثم المهنيين ثم رجال الأعمال ثم الطبقات الشعبية .
وبالنسبة إلى إختراق المؤسسات الفاعلة فيأتي قطاع الإعلام ثم المؤسسات الدينية ثم القضاء ثم البرلمان . أما من حيث التعامل مع الآخر فتضع الخطة السلطة الحاكمة على رؤوس الأولويات ويأتي بعدها الأقباط ثم اليهود ثم العرب ثم النوادي المشبوهة وجماعات الضغط والأحزاب كخطوة واحدة ثم الجماعات الإسلامية . أما مسألة إدارة الدولة فتأتي الجماعة على رأس القائمة وبعدها المهنيون ثم المؤسسات العامة ثم المؤسسات الخاصة ذات الرسالة المحددة وأخيرا المؤسسات الإقتصادية ” التمويل ” .
هذا ملخص موجز لوثيقة التمكين عند الأخوان المسلمين في مصر والتي شغلت لفترة طويلة أصحاب الفكر والسياسة والقلم وأصحاب القرار وهي تصلح كخطة إستراتيجية للأحزاب والجماعات الدينية وفي وضع أهداف قومية وأختيار السبل الأمثل لتحقيق هذه الأهداف .