خريس: نتاج المبدعين متواصل رغم التحديات كشهود على المرحلة التاريخية
البدري: التاريخ عبر الرواية يعبر عن صوت الشعب والكتابة عن الهوية دفاع عنها
يخلف: المبدع الفلسطيني يقوم بتعزيز ثقافة الحرية والتواصل مع محيطه القومي
المغربي : العمق الإنساني ضرورة لتقليص الفجوة بين الأجيال ومعالجة التغيّرات
مختار: استهداف الهوية ومداهمة العولمة والثورة التكنولوجية سلبت المثقف دوره
الطيب: حق الإنسان في اختيار ثقافته الذهنية المستقلة دون الإضرار بالمجتمع
نبيل: مخاطبة الشباب لبناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات في الراهن والمستقبل
صراحة نيوز – – ناقش عدد من المبدعات والمبدعين العرب في مجال الرواية والأدب والثقافة، تحولات الواقع العربي وانعكاساتها في تجاربهم وأعمالهم الإبداعية ورؤاهم، في لقاء عبر تقنية الاتصال المرئي، نظمه منتدى الفكر العربي يوم الأربعاء 14/10/2020. وشارك في اللقاء، الذي أداره الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د.محمد أبوحمور، كل من : سميحة خريس (الأردن)، وهالة البدري (مصر)، ويحيى يخلف (فلسطين)، وآمال مختار (تونس)، ورزان نعيم المغربي (ليبيا)، و د.طارق الطيب (السودان)، والإعلامية شيرين نبيل (مصر) .
أكد المشاركون دور الثقافة والمثقفين والمبدعين في التنمية الشاملة وكأساس للوعي في مواجهة التحديات، وكذلك تواصل نتاجهم الإبداعي والفكري بوصفهم شهوداً على المرحلة التاريخية التي يعاصرونها، وأشار بعضهم إلى أن التاريخ عبر الأعمال الروائية والأدبية يعبر عن صوت الشعب، والكتابة عن الهوية هي جزء من الدفاع عنها، وتحدث البعض عن نماذج من هذا الدور ومنها نموذج المبدع الفلسطيني الذي يقوم بتعزيز ثقافة الحرية والتواصل مع محيطه القومي من خلال أعماله، واعتبر مشاركون أن العمق الإنساني ضرورة لتقليص الفجوة بين الأجيال ومعالجة التغيّرات في المفاهيم، ولا سيما مع استهداف الهوية ومداهمة العولمة والثورة التكنولوجية للمجتمعات العربية التي سلبت المثقف دوره، وحق الإنسان في اختيار ثقافته الذهنية المستقلة دون الإضرار بالمجتمع، مع تأكيد أهمية مخاطبة الشباب من قبل المثقفين والمبدعين لبناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات في الراهن والمستقبل .
أشار الوزير الأسبق الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور في كلمته التقديمية إلى أهمية دور الثقافة والمثقفين والمبدعين والمؤسسات الثقافية في بناء الإنسان. وقال: إن الثقافة هي دعامة لعملية الإصلاح والتنمية الشاملة وأساس الوعي في مواجهة التحديات التي تعانيها المجتمعات العربية وخاصة على صعيد التماسك الاجتماعي والهوية، وأن المثقف والمبدع والكاتب العربي بتجاربه ورؤاه هو حامل مشعل التقدم إلى الإمام، وصوت شعبه وضمير أمته الصادق نحو الحياة الحرة الكريمة والكرامة الإنسانية.
وأضاف د. أبوحمور أن تناول القضايا العربية بجوانبها النظرية والعملية لا يكتمل دون التركيز على الجوانب الإنسانية والثقافية، لأن تجربة المبدع والمثقف هي في المقياس الإنساني تجربة ثرية، وتعبر بحد ذاتها أو من خلال النتاج الإبداعي والفكري عن الوعي والتقدم الحضاري ضمن إطار المرحلة التاريخية والبيئة الثقافية والمكانية .
وأشارت الروائية الأردنية سميحة خريس إلى انحسار دور المثقفين في العالم العربي أكان ذلك كرهاً أو طوعاً، وعزت أسباب حالة التخلي عن الدور لدى المثقف العربي إلى الإقصاء والتحييد الذي مورس سياسياً على مدى زمني طويل وفي ظروف مختلفة، وفقدان ثقة الجماهير بدور المثقفين . كما تطرقت إلى حساسية بعض المثقفين بشأن قضاياهم، وتخليهم عن قيم الحوار وقبول الإختلاف، متأثرين ومؤثرين بذلك في محيطهم.
ومن جهة أخرى بيّنت خريس أنّ نتاج المبدعين متواصل رغم مختلف التحديات والظروف، وعلى أقل تقدير كشهود على مرحلة تاريخية عصيبة .
وقالت خريس : إن الرواية وهي الراصد لتبدل الأزمنة أكثر أصناف الإبداع قدرة على التقاط المتغيرات وتصويرها كأدلة يمكن للجيل القادم أن يحاسب من خلالها مرحلتنا وتاريخنا. وينبثق عن هذا دور المثقف العربي في فهم الصورة كاملة بأسبابها ومسبباتها المترابطة، من أجل معالجة الخسائر وتصحيح المسار العربي.
وتحدثت الروائية المصرية هالة البدري عن تجربتها من خلال أعمالها في متابعة نتائج عدم قبول الآخر وإخفاء قدراته ومميزاته وتحويل كل ما يخصه إلى شرّ مطلق، مما أدى إلى انقسام المجتمعات إلى مع أو ضد، وعدم قدرة الناس في كل المجالات على تعلّم التعامل مع الآخر المختلف، ومما ينطبق أيضاً على الاختلاف الاجتماعي والاقتصادي؛ مشيرةً إلى مضامين بعض رواياتها، مثل انقسام العالم إلى ثلاث فئات مختلفة ترفض وتقهر بعضها البعض في روايتها “مدن السور”، ومواجهة أربع نساء من بلاد وبيئات ثقافية وأزمنة مختلفة المشكلات نفسها مع مجتمعاتهن في روايتها “نساء في بيتي”، مُصوّرةً بذلك أثر ضدّية الانفتاح على الاختلافات وما يترتب عليها.
وأشارت البدري إلى تجاربها الثقافية في إدراك القضايا الكبرى، مما جعلها تنحاز للقومية العربية والعدل الاجتماعي؛ موضحةً أن التحديات الاجتماعية والسياسية والثقافية في الواقع العربي تمثل إغراءً حاداً للمبدع في كشف المسكوت عنه في هذا الواقع بتحولاته التي تبدو طبيعية في مظهرها شديدة التشوّه في العمق .
كما أشارت البدري إلى محاذير الانفصال بين المثقف والشارع، وتأثير العولمة في صبغ العالم بصبغة تجعله متشابهاً، واعتبرت أن تقديم التاريخ يعبر عن صوت الشعب، وأن الكتابة عن الهوية هو جزء من الدفاع عنها، في الوقت الذي يفتقد المبدعون العرب إلى مقياس علمي لمعرفة مدى وصول مضامين أعمالهم إلى الناس .
ومن جهته أوضح الكاتب الروائي ووزير الثقافة الفلسطيني السابق يحيى يخلف أن مشروع النهضة العربية يظل قائماً ولا ينفصل عن تحولات الواقع العربي والمشهد الراهن؛ مشيراً إلى أن هذا المشروع انطلق منذ غزو نابليون والتقاء الشرق بالغرب من خلال مفكّرين ومبدعين وإصلاحيين من مصر وبلاد الشام ودول المغرب العربي، واشتمل على الدعوة إلى الحكم الرشيد والإصلاح الديني ومواجهة الإستعمار والتحرر الوطني وتحقيق الديمقراطية، وغيرها. ولكن على الرغم من امتداد المشروع على مدار قرن كامل من الزمن إلا أنه لم يحقق أهدافه.
ورأى يخلف أن الإبداع العربي ما يزال يواصل مسيرته، فيتصدّر المشهد الثقافي والإنساني، ويتابع مسيرته التنويرية والجمالية على الرغم من الوضع العربي السيء بل وفي مواجهته كذلك. وذَكَر مثالاً على ذلك في الإبداع الثقافي الفلسطيني الذي ينمو وينجز في أجواء التحدي والصمود ومواجهة تداعيات الاحتلال والتطبيع.
وأضاف يخلف أن المبدع الفلسطيني يقوم بتعزيز ثقافة الحرية والتواصل مع محيطه القومي، انطلاقاً من إيمانه بعدالة قضيته ومن دوره في حماية هويته وتعميق المجرى الكفاحي للشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق تصبح الرواية العربية الفلسطينية في موقع المواجهة مع الرواية الصهيونية.
وتناولت الروائية والصحفية التونسية آمال مختار أثر المخططات والمؤامرات الخارجية التي تعرض لها العالم العربي من قبل القوى الإمبريالية والصهيونية، ولا سيما تجاه الهوية العربية والوحدة، إضافة إلى أن العولمة والثورة التكنولوجية التي داهمتنا دون أن يكون الإنسان العربي متهيئاً لها، كل ذلك ساعد على سلب المثقف دوره، وأصبح بمقدور كل من امتلك هاتفاً أن يقدم محتوىً على الإنترنت ليس بالإمكان التحكم به أو بالاتجاه الذي يقصده، سواء أكان موجّهاً نحو خدمة المجتمعات والأوطان أم نحو الهدم.
وأكدت مختار أن من واجب المثقف والمبدع خلال هذه الجائحة أن يقوم بكتابة وتسجيل التاريخ، رغم انعدام ضآلة عدد من يقرأون أو يستمعون إليه، فيما على الدول أن تسعى إلى تعزيز واستعادة قيم الانتماء والهوية، وإحياء دور مثقفيها ودور التعليم ومكانة الإنسان.
وبيّنت الروائية الليبية المقيمة في هولندا رزان نعيم المغربي أن دور المبدع والمثقف يتفعّل عندما يكون مؤثراً، ولا يصبح كذلك إلا بالعمق الإنساني. وقالت : إنّ بعض الكُتّاب العرب اليوم يفتقدون لهذا العمق الإنساني في أعمالهم، حيث يقومون بتوثيق وتسجيل الوقائع فقط في رواياتهم مما يجعلها شكلاً أشبه بنشرة الأخبار، لا نقرأ فيها عن تأثر الإنسان وهشاشته بفعل قسوة واقعه.
وفي رؤيتها للواقع العربي الراهن أشارت المغربي إلى أن الحدث الإقليمي كان له أثره على صياغة مفهوم الانتماء والهوية . وقالت المغربي أيضاً : إن التأثير بوجود العمق الإنساني في الأعمال الأدبية ضروري من أجل تقليص الفجوة بين الجيل الماضي وجيل اليوم، خاصة مع التغيرات في مفاهيم الجيل الجديد ونظرته للأوطان ومسألة الانتماء، وقد أصبحنا نرى في إصدارات الشباب أن الجيل الجديد يكسر الأطر التي وضعها المبدع العربي خلال القرن الماضي ويشتتها إلى مفاهيم أخرى بشأن الوطن والانتماء، مما يؤدي إلى زيادة التباين بين رؤى المثقفين العرب، بل إن المثقف أصبح يفتقد إلى رؤية واحدة لما حصل في الواقع العربي خلال السنوات الماضية.
وتحدث الروائي والشاعر السوداني المقيم في النمسا د. طارق الطيب في مداخلته عن الأخطاء والأخطار التي تترصد البنى الثقافية في العالم العربي، متمثلةً بالقيود غير المرئية التي تخضع لها الثقافة، وبعلاقة الخضوع في المسار الثقافي للمسار السياسي، وغياب الوعي بقيمة المعارضة الثقافية وباختلافها عن المعارضة السياسية. كما أشار إلى أن هذه الأخطاء والأخطار من صنيعتنا نحن في المقام الأول، قبل التعامل معها على أنها مؤامرات خارجية.
ودعا د. الطيب إلى فتح الحدود الثقافية لحوارات مستمرة دون خوف، ومجابهة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة دون غضب أو محاولات إقصاء، لعل الحوار البيني يفتح مجالات لحوارات داخلية ثرية، مؤكداً بذلك حق الإنسان في اختيار ثقافته الذهنية المستقلة في إطار الحرية الشخصية وعدم الإضرار بالمجتمع.
وأشارت الإعلامية المصرية شيرين نبيل كبير مقدمي البرامج في شبكة إذاعة “صوت العرب” من القاهرة في مداخلتها، إلى التغيرات التي شهدها العالم عموماً والعالم العربي منذ بداية اندلاع الثورات العربية وخلال السنوات العشر الماضية وحتى جائحة كورونا، وأثر ذلك على المثقف العربي ومدى حريته في التعبير عن واقعه وأزمات مجتمعه في ظل هيمنة وسائل الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي .
و دعت نبيل في إطار تأثير التحولات في الواقع العربي على الشباب، إلى أن يتوجه المثقفون إلى مخاطبة الشباب بشكلٍ خاص من أجل بناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات في ظل المشهد الراهن على الساحة العربية والمستقبل المنظور، وإيجاد خطاب ثقافي نابع من القيم الثقافية الوطنية التي توحد المجتمعات وتعزّز هويتها .
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة على الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وعلى قناة المنتدى عبر منصة YouTube .