صراحة نيوز – كتب خالد الاسمر الازايدة
تتشكل الأنماط الثقافية في كل الحضارات ، لتكون هوية مميزة لكل أمة ، ولا يكون هذا التمايز الحضاري ، عنوانً للتصادم مع الاخر ، وذلك لان المحرك الدافع لهذه الأنماط يتشكل في الأساس ليكون رافعةً للتعارف والانفتاح ، ولو كانت كل هذه الأنماط والثقافات متشابهة او مقلوبة في مشروعٍ ثقافيٍ واحد ، إذاً لاستكان البشر ولم يتعارفوا او يتقاربوا ، فما فائدة التعارف والتقارب ان لم يضف للاخر نوعاً من المعرفة او زيادةً في التجربه ، فان كان ماعندك هو نفس ما عندي ، فلن يكون هناك معناً اصيل للتبادل او المنفعه ، ومن هنا جاء التوجيه الإلهي في القران الكريم ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) ، ولما كان التقرير الالهي يؤكد على ان مبدأ الاختلاف اوجده الله من اجل إيجاد صيغة تقارب تقوم على التعارف ، وهو الامر الذي لا يمكن ان يستقيم مع التنابذ والعنف ، بل يقوم على التعاون والسلام ، فلقد سقطت بذلك ما يروجُ عن الاسلام بانه دين منغلق ، تقوم أسس علاقاته مع الآخرين على أساس العنف والدموية ، وانكار الاخر ونبذه ، ولو كان كذلك لما امرنا الله بالتعارف مع الآخرين ، ومد جسور التواصل معهم ، والاحسان اليهم ، تحقيقاً لمبدأ الاختلاف القائم على أسس التعارف ، ولا يكون تعارف بلا حوار ، وعليه فان حوار الحضارات ركيزة أساسية في النهج الثقافي الاسلامي ، وان كل ما يرمى به الاسلام اليوم هو انعكاسٌ اسقاطيٌ لما في دواخل المعادين له .
لقد كانت فرنسا وحتى وقت قريب تعتمد في اساسا علاقاتها الخارجيه على مبدأ القوة الناعمه ومرتكز الدبلوماسية الثقافية ، وهو المبدأ الذي جعل منها مركز اشعاع ثقافي ، ومنارة فكر متزن يقدم للعالم نموذجا ايجابيا لحوار الحضارات وينتقد كل قواعد الإمبريالية الامريكية القائمة على اسس وقواعد نظريات صراع الحضارات ونهاية التاريخ والفوضى الخلاقة ، ولست متأكدا من سبب انزلاق الرئيس الفرنسي الى قواعد الاشتباك الإمبريالية الامريكية ، حتى يصف دين اكثر من ملياري مسلم بتلك الاوصاف المقيته ، بل ويذهب بعيدا في هذا الانزلاق ليصف الرسوم الكاريكاريتيه المسيأة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بانها حرية لا يمكن التخلي عنها ، اين هذه الحرية من بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي ينص على عدم الاساءة للرموز التاريخية والدينيه ، واين هذه الحرية من المبدأ الديمقراطي الاصيل الذي يقرر بان حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية غيره ، فهل جاء هذا الوصف نتيجة ردة فعل انفعالية على اسلام الرهينه الفرنسية التي اسلمت على يد سجانينها ، فلو كان الاسلام دين منغلق ويعاني من العزلة والانغلاق ، فكيف يستطيع ان يقنع سجان رهينته بمعتقده ، ام ان هذه التصريحات قد جاءت كرد على جرح كبرياء سيد الاليزية بعدما فشلت محاولاته لفرض حكومه الدمى على لبنان ، ام هي نتيجة لتراجع شعبيته الداخلية بعد فشل اجبار دولة مالي على اتباع نهج القوانين الفرنسية ، فراح ينظر للمكونات المسلمة التي افشلت خطط الهيمنة الفرنسية على بلدانهم بانها عدوة له شخصيا ، ولما كانت هذه المكونات الوطنية تتبع للديانة الاسلامية ، سحب سخطه الشخصي على الدين الاسلامي بالجملة ، ام ان تسارع وتيرة التطبيع بين دول عربية اسلامية مع الكيان الصهيوني ، اوجدت لديه انطباعا ذرائعيا بان ضعف الزعامات العربية دليل على صحة اتهاماته.
ان الرد الشعبي العربي والاسلامي الذي بدأت فرنسا تلمس اثاره الواضحة ، بالدعوات الشعبية لمقاطعة المنتوجات الفرنسية ، احتجاجا على التصريحات والروسوم المسيئة لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وذالك الكم الهائل من الهاشتاجات التي تحمل عنوان ( الا رسول الله) ، الا دليل على بعد المسافة الفاصلة بين الفهم الشعبي لموروثه العقائدي والثقافي ( بالنسبة للمسيحيين العرب) ، وبين الفهم المصلحي الخاص بالنخب السياسية المزيفة التي لاتعترف بغير مصالحها الخاصة دينا وهوية، ان جموع المسلمين الغاضبة من مثل هذه الاساءات التي تتكرر بين الحين والاخر ، ستجد في دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية فرصة في هز مستويات النمو الاقتصادي للدول التي تمارس مثل هذه الاساءات ، وذلك لكون الاسواق العربية اكبر سوق تمارس فيه شركات هذه الدول عمليات التسويق والترويج لمنتجاتها ، وهنا اند ان اقدم نصيحة الاخوة القائمين على مثل هذه الدعوات بان يكون نفسهم طويل ، وان لا تكون ردات فعلهم كمثل البرق الذي يتوهج لحظة ثم لا يلبث ان يتوارى سريعا بين زوايا الظلام.