صراحة نيوز – عندما يستطيع فنّانٌ أو عددٌ من الفنّانين التأسيس لرؤية جمالية جديدة في فضاء ثقافيّ ما، فإنّ هذا الأساس لا يضيف إلى المشهد الفني الحاضر فحسب، بل يصبح أيضاً أرضيّةً يبني عليها فنّانون من أجيال لاحقة، ونقطةً ينطلقون منها. هذا هو حال المشهد التشكيلي السوداني مع “مدرسة الخرطوم”، التي زوّدته ولا تزال تزوّده، منذ ستينيات القرن الماضي، بآفاق واقتراحات بصرية يمكن للمتابع تلمّسها في كثير من التجارب الفنّية الجديدة.
ينطبق هذا الأمر، أيضاً، وإنْ بنِسَبٍ متفاوتة، على الفنانين صلاح المرّ، والطيّب ضوّ البيت، وأبو الشريعة أحمد، وحسين الحلفاوي، الذين تُعرَض أعمالهم في معرض مُشترَك يحمل عنوان “موعد”، ينظّمه رواق “أفريك آرت” في العاصمة الأوغندية كامبالا، حتى بعد غد الخميس، بعد أن كان قد انطلق في العشرين من آذار/ مارس الماضي.
رغم المسار التكويني المتشابه، حيث درس الفنّانون الأربعة في دفعة واحدة ولدى المعلّمين أنفسهم في “كلّيّة الفنون الجميلة والتطبيقية” في الخرطوم، إلّا أن كلّاً منهم استطاع الذهاب بالمادّة الخام التي تلقّاها من إرث “مدرسة الخرطوم” إلى مكان مختلف. ولإعطاء صورة عن هذا التباين، يمكن المقارنة بين أعمال الفنانَيْن صلاح المرّ والطيّب ضوّ البيت، المشاركة في المعرض.
تتّخذ لوحات المرّ تكوينات تملأ سطحها، بأشكال بشرية أو شيئيّة فضفاضة، مع الميل إلى تدريج لوني أو تدريجين يملآن قماش القطعة ولا يتركان مكاناً لخطوط عارية. أمّا أعمال الطيّب ضوّ البيت، فعلى العكس، تلعب على ترك فراغات في فضاء اللوحة، حيث يميل الفنان إلى ضرب خطوطٍ رفيعة في وسطها، لرسم وجه أو رأس، غالباً ما يكون مأخوذاً بشكل جانبي، مع خلفية متقشّفة على مستوى اللون.
ويمكن الإصغاء إلى أصداء لـ”مدرسة الخرطوم”، وتحديداً لاشتغالات أحمد شبرين (1931 ـ 2017)، في أعمال حسين الحلفاوي المعروضة، حيث المزج أحياناً بين الحروفيات والعناصر والأشكال النوبية، كما أنّ أشكال أبو الشريعة أحمد، شديدة البيضوية، والتي تتشكّل من طبقات من الأسود والظلال على مساحات بيضاء، تذكّر بلَمَسات المعلّم الأوّل في هذه المدرسة، إبراهيم الصلحي (مواليد 1930).
إضافة إلى خلفيّتهم التعليمية، يشترك الفنانون الأربعة في كونهم غادروا جميعاً السودان منذ سنوات، للعيش في بلدان أفريقية أخرى، مثل كينيا (حسين الحلفاوي والطيّب ضوّ البيت) وأوغندا (أبو الشريعة أحمد)، والاستفادة من مساحة أكبر من الحرّيّة. وحده صلاح المرّ يعيش في مصر.
ولا يمثّل عنوان المعرض، “موعد”، استعارةً، بل هو، فعلاً، لقاءٌ لأصدقاء تعلّموا الفن معاً قبل أكثر من عقدين من الزمن، ولا يزالون محافظين على هذه الصداقة، عبر الفن وتبادل الأعمال والآراء، بحسب بيان منظّمي المعرض.