صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
على صعيدي الشخصي ، لم أستبشر ببشر خيراً ، بالمطلق ، كما لم استبشر بغالبية الرؤساء الذين سبقوه ، خلال العقدين الماضيين . وهذا ليس من منطلق انني متشائم ، ابداً . وانما لان معظمهم ليسوا بمستوى ادارة الوطن . ثم لعدم وجود أسس تضبط عملية إختيار رئيس الوزراء .
رؤساء وزرائنا ، معظمهم ، يكتنفني شعور عجيب غريب عندما يتم تسميتهم وتكليفهم لتشكيل الحكومات . حيث اتوقف قليلاً ، أهذا رئيس وزرائنا القادم !؟ انا المواطن البسيط ، ومن النظرة الأولى ، أرى انه بحجم مدير دائرة ليس اكثر . و (( أشرب نفسي )) — كما يقال عند الفلاحين والرعيان المتخلفين — حسبما يُطلِق علينا الأفاكون ، الطارئون ، الذين خانوا الوطن — فكرت ، وقلت لنفسي : ما هذا الشطط !؟ وماهذا التهجم !؟ وما هي دواعيه ، ودوافعه ، ومبرراته !؟ وهل ينبع من غيرة او حسد !؟ او جهل بالامور !؟ او عقدة نفسية حوَّلت نظرتي الى السوداوية والانغلاق على النفس !؟ او ماذا !؟
وبعد تفحص ، وتمحيص ، وتدقيق فعلي وحقيقي ، وجدت انه لا وجود لكل ما سبق التساؤل عنه بالمطلق ، لأسباب منها :— اذا لم تتم الموافقة على تعييني كموظف صغير بعد تخرجي من الجامعة عام ١٩٧٥، فكيف لي ان افكر في هكذا مراكز متقدمة جداً !؟ وقد يقول قائل : هذا ليس مبرراً منطقياً ، وهناك مئات الحالات تدحضه ، ويتمثل في ان مئات ممن هم اكثر مني تشدداً ، او ربما تطرفاً في مواقفهم ، قد تم تجاوز ذلك عنهم ، واعتلوا أعلى المناصب ، ومنهم اصبحوا رؤساء وزارات وعشرات الوزراء . أرد وأقول : نعم هذا كلام منطقي وواقعي وحقيقي تماماً ، لكن ليعرف الجميع بانه لا يمكن تبرئة أي واحداً منهم من اثنتين : اولهما : إما انه كان مدسوساً منذ الصغر ، وتمت مكافأته ، وأعرف شخصياً منهم الكثير . او ثانيهما : انه دفع ثمناً خيالياً وقياسياً من كرامته ومصداقيته . لأن هناك بيت شِعرٍ يقول :-
(( إن إبن آدم لا يُعطيكَ نعجتهُ / إلا ليأخذَ مِنكَ الثورَ والجَملا)) .
رؤساء وزاراتنا ، في الفترة الأخيرة ، أغلبهم ليس لهم هيبة ، ولا قدرات ، ولا إمكانات الرؤساء مطلقاً . من سبقوهم شاركوا في تدمير الوطن ، نعم ، لكن اغلبهم ان لم يكونوا كلهم لهم هيبة ، ولو بالشكل . لكن الرؤساء في الفترة الاخيرة تشعر ان الواحد منهم كما المسطول . ولا اعرف الاسباب الفعلية . اعرف انهم يستكثرون على انفسهم الرئاسة ، وانهم لا يمتلكون متطلباتها ، هذا معروف ، لكن اود ان اعرف لماذا يبدون كالمساطيل ، ودوماً مُنشدهون !؟ أحدهم ، لله دره ، كان يحافظ على قلمه وورقته ويدون ملاحظاته كما طالب الثانوية النجيب .
تحليلي المتواضع ان هناك سبباً ، لكنه لا يصل لدرجة القاعدة العامة . لأتمكن من سرد السبب وإيضاحه ، اسمحوا لي ان اعود الى الوراء قليلاً : طلاب المدارس يُصنفون بشكل عام الى ثلاثة اصناف هي : ١) طالب مجتهد جداً ، جماعة ال (( Full Mark )) متفرغاً تماماً للدراسة (( مدلوس في كتبه )) ، ولا يعرف اي نشاط غيرها ، لا يغادر غرفته في البيت ، غارق بين كتبه وواجباته . ٢) طالب يوازن بين هذا وذاك ، فتجده (( مدردح )) نشيط ، له اهتمامات تترافق مع اهتمامه بالدراسة ، لكنه لا يُهمل دراسته ابداً . طلبة هذا النموذج تكون شخصياتهم قيادية ومؤثرة ولهم حضور . ٣) طالب مهمل في دراسته ، ولا يأبه لأي شيء ، وهذا ليس محور موضوعنا .
أعتقد ان رؤساء وزاراتنا في الفترة الاخيرة ، هم من النموذج الأول ، تجد عيونهم (( معمشات )) ، ومسطولين . لانهم لم يهتموا بغير (( بصم )) الكتب ، للحصول على درجات كاملة . وهؤلاء اذا اتيحت لهم الفرصة والدعم يذهبون الى اشهر الجامعات في العالم ، مثل (( هارفارد / السوربون / اوكسفورد )) وغيرها . وهناك يغرقون بين ملايين المراجع ، فيزداد السطلان ، ومن شدة حرصه على مراعاة الدقة في كلامه ، يلوك الكلمة عدة مرات قبل ان يمضغها او ينطقها ، سيان . لذلك تجد قلمه ودفتر ملاحظاته لا يفارقة – ليثبت انه طالب نجيب – وينسى انه رئيس وزراء لوطن منكوب به وبأمثاله .
بينما أغلب القيادين في كل دول العالم ، هم من طلبة النوع الثاني . تجده يوازن بين كل الامور بدقة ، وتوازن . أنا مثلاً ، ومعظم ابناء بيئتي في ذاك الزمان — وهذا لا يعني انني اود ان أُمرر بانني قيادي ، مطلقاً والله ، لانني إنسان لا مطمح ولا مطمع لي —: كنت اسعى للحصول على اعلى العلامات في المرحلة الابتدائية ، وكان لي ذلك . لكنني لم أسعَ للحصول على معدلات عالية في المراحل الاعدادية والثانوية لاسباب منها أنني :— ١) اقتطعت جزءاً من وقت الدراسة لخدمة إنتمائي . ٢) اقتطعت جزءاً غير يسير لمساعدة والدي رحمة الله عليه في كل اعمال الفلاحة صيفاً ، وإطعام الأغنام شتاءاً ((بتعبئة الطوايل ، وفرز الرغث عن الجلد ، وعزل البهم )) . لكنني كنت أجهد كثيراً جداً لان اعطي دراستي حقها ، وقد كنت الى حدٍ ما مجتهداً . الى ان تلقفتني جامعة العز ، والبهاء ، والكبرياء ، جامعة بغداد ، مصنع العلم والرجولة . حيث كان أساتذتنا الأجلاء يكررون علينا باستمرار نهج جامعة بغداد وسياستها التي تتمثل بجملة واحدة هي : (( جامعة بغداد تقولب الشخصية ، وتُعطي مفاتيح العلم والمعرفة )) .
أرى ان نكبات وطني كثيرة ومتعددة ولا يمكن حصرها ، ومن هذه النكبات إختيار رؤساء الوزارات . لاحظوا معي انه ليس لديهم القدرة على القاء نظرة شمولية على الوطن ، ليعرفوا ويلاته ، والموازنة بين متطلباته ، ومراعاة توازنات علاقاته . أشعر انهم كما الطالب النجيب يتناولون الامور بطريقة مشابهة لحل اسئلة الامتحان ، واحد ، واحد . لذلك هم يُدِيرون الوطن بالقطعة ، وبالمياومة .
يا بشر ، يامن تحترف الإختباء ، والإقصاء ، كلكم تشبهون بعضكم بعضاً ، والخل أخو الخردل ، والوطن مبتلى بِكُم . (( البين يگبحكوا انتو والشعب الاردني اللي بيقبل في هيك رؤساء )) . وأستشهد ببيت للشاعر / الحطيئة قاله في مجلس سعيد بن العاص الأموي :-
((يا باري القوس برياً ليس يُحسِنُهُ / لا تَظلِمِ القوسَ إعطِ القوسَ باريها )) .
أتمنى أن تُحسَنَ بِرَايةُ وطني الذي أعشقه رغم كُرهي له . وانا على وشك الاقتناع بأن الأوطان خُرافة ولا قيمة ولا أهمية لها ، وانها تشبه الماركات التجارية الزائفة التي يصطنعها الاثرياء لسلب اموال الاغنياء الاغبياء ، ويتشوق لها الفقراء . إذا لم تَحترِم ، وتُكرِم ، وتعز الأوطان مواطنيها ، فما الفائدة منها !؟ مخطيء من يظن ان الاردن بحاجة الى تلاميذ نُجباء (( من بتوع الصَم، والبصِم )) . الاردن بحاجة الى رجال .