صراحة نيوز – بقلم د.بتي السقرات / الجامعة الأردنية
كان أمرا غريبا أن يمضي من العمر ما قد مضى ولم أكن بعد قد زرت جبل القلعة وأنا التي أردد دوما أنني وبالرغم من كوني طفيلية المنشأ و زرقاوية النشأة إلا أنني عمانية الهوى.
في صبيحة ذلك اليوم المشمس من شهر آب لم تكن وجهتي عند خروجي من المنزل زيارة جبل القلعة إلا أن هوى القلب أبى إلا أن يقودني إلى ذلك المكان و بدأت رحلتي الجميلة في جبل القلعة بابتسامة كان سببها ذلك المبلغ الرمزي رسم الدخول ، وما أن خطوت خطوتي الأولى جذبني سحر المكان الذي يختصر تاريخ مدينة منذ تأسيسها على يد العمونيين قبل ٣٠٠٠ عام والذين بنوا تلك القلعة الضخمة فوق إحدى الهضاب على ارتفاع ٨٠٠ متر فوق سطح البحر والتي تعد من أقدم المعالم المعروفة.
في جبل القلعة سافرت عبر الزمن وشاهدت بقايا حضارات تعاقبت على هذا الموقع ، حضارات مختلفة ازدهرت ومن ثم اضمحلت لكن الجبل وقلعته هما من صمد بالرغم مما عانته المنطقة من هزات أرضية وحروب دموية.
وأنا أتجول في جبل القلعة بين هذه الحضارات المختلفة العمونية، الرومانية، البيزنطية، اليونانية والحضارة الإسلامية شعرت بجسدي يتراقص فرحا ووجدت نفسي تارة اقترب من ذلك المعبد الروماني “معبد هرقل” الذي بناه اوريليوس، وخلف هذا المعبد رأيت بيوت الأقرباء من “طفايلة عمان” تظهر جلية في جبل الجوفة ، وتارة أخرى وجدت نفسي أتأمل فن العمارة البيزنطي المتمثل في تلك الكنيسة التي شيدوها على هذا الجبل.
وبين هذه وتلك رأت عيناي أعمدة أثرية ذات ارتفاع شاهق بمجرد النظر إليها تشعر بشموخ المكان وروعته.
ولن أنسى الكهف البرونزي الذي كان يستخدم للدفائن والذي يحوي قبورا محفورة في الصخور الجيرية والتي هي جزء من إختصاصي الأكاديمي.
ولم يخلو جبل القلعة من إرث جميل متميز من الأمويين فقد بنوا فيه قصرا عام ٧٢٠ ميلادي والذي كان يعد قصرا عسكريا يكشف المنطقة بصورة كاملة لموقعه الاستراتيجي المتميز .
وللحظ السعيد أن تكون زيارتي هذه لأطّلع أيضا على أول متحف وطني للآثار تم تأسيسه في الستينيات من القرن الماضي ورأيت في داخله ما أدهشني من قطع فنية متنوعة أكتشفت خلال أعمال التنقيب في سائر أرجاء الأردن ، وفي أثناء تنقلي بين الصناديق الخشبية والحديدية التي تحوي هذه القطع من الحضارات المختلفة و إذ بي ألمح “ميدوسا” تلك القطعة الأثرية الاغريقية التي تجسد من كانت الأجمل بين أخواتها و تحولت لامرأة بشعة شعرها من الثعابين ولم استطع أن أطيل النظر وكأن الميثولوجيا الاغريقية كان من الممكن أن تتحقق إن نظرت إلى عينيها فتحولني إلى حجر.
هربت مسرعة إلى ساحة المتحف وحديقته المطلة على معبد هرقل ومن ثم تحولت وجهتي نحو ذلك المنظر البانورامي الفريد حيث وجدت نفسي أمام المدرج الروماني الذي بناه الرومان تكريما لإمبراطورهم “مادريانوس” واستخدمه من بعدهم اليونانيون وكل الحضارات الأخرى التي مرت على الأردن.
وقفت مستظلة بفي شجرة وقد بدأت نسمات الهواء تلامس وجنتيّ ، وأنا أتنفس هواء عمان من هذه البقعة الجميلة وقلبي ينبض بهواها، شعرت وكأنني استمع لكلمات حبيب الزيودي وهو يتغنى بعمان وكانت الكلمات وكأنها تصدر من قلبي وصداها ينبعث من المدرج ، صباح الخير يا عمان ، يا حنة على حنة ، يا فوح الخزامى والندى يا ريحة الجنة.
ستبقين دوما يا عمان جنتنا وسيبقى الهواء هو هواك الذي نتنفسه وستبقى الراية خفاقة فوق جبل القلعة “جبل البدايات” بإذن الله ، حماك الله وأهلك.