صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
أغلبية الأردنيين يشعرون بالظلم، لا أدري إذا كانت سمة من سمات الشخصية الأردنية، أم أنها طارئة ونتيجة طبيعية للتحولات التي طرأت على المجتمع (أبرزها غياب العدالة) وأفرزت منه العديد من القيم السلبية، ما أعرفه أن ثمة عددا من الخزانات تغذي هذا الإحساس بالمظلومية، أما مصدر “الضخ” فهو السياسة والإدارة، وعنوانه الدولة والمجتمع معا.
خمسة خزانات كبيرة- في تقديري- تشكل مصادر تزويد متجددة لطاقة المظلومية، يشرف على تشغيلها طبقة من النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية، يتعهدون الحفاظ على استمرار تدفقها وانسيابها في المجال العام، ربما لضمان إفقاد المجتمع حيويته وقدرته على التفكير السليم، وإبقائه في حالة توتر دائم، ربما لضمان ما تحظى به هذه الطبقة من حظوات وامتيازات، وربما لأسباب أخرى لا أعرفها.
لدينا، أولا، خزان الوظيفة العامة، طاقته الاستيعابية في القطاع المدني نحو (220) ألف موظف، هؤلاء يشكلون بنية الإدارة العامة للدولة، وحين ندقق بعملية التوظيف، ابتداء من التعيينات ومواصفات الوظيفة ومعايير الاختيار (خاصة للوظائف القيادية)، مرورا بسيرورة العمل طيلة سنوات الخدمة، وانتهاء بصدمة التقاعد، سنكتشف كم المظلومية الذي ينتجه هذا الخزان.
لاحظ ردود الأفعال على صعيد الكفاءات المحرومة من المواقع العليا نتيجة الاعتماد على المحسوبية، أو الموظفين الذين يتعرضون أحيانا للتعسف بالمعادلة من قبل المسؤولين عنهم، أو المجتمع الذي يعاني من سوء الخدمة، ستجد أن التراجعات والتشوهات التي أصابت قيم الوظيفة العامة (الفساد: أدق) وانعكست على الفاعلين فيها والجمهور أيضا، أصبحت رافدا مهما من روافد الإحساس العام بالمظلومية.
لدينا، ثانيا، خزان البطالة، إذ لا شك أن شبح الإحساس بالظلم يطارد أكثر من نصف مليون شاب ما زالوا ينتظرون فرصة عمل، كما يطارد مئات من العمال الذين تم فصلهم من أعمالهم لأسباب مختلفة، هذا الإحساس لا يقتصر فقط على هؤلاء وإنما يتجاوزهم إلى محيطهم الأسري حيث نحو مليوني أردني يعيشون تحت خط الفقر في مناطق مهمشة، لم تحظ بنصيبها من خيرات التنمية، أسوة بالمناطق الأخرى
.لدينا، ثالثا، خزان الجامعات، خذ مثلا ما يحدث في موسم القبول ونظامه الموحد، ثم حجم الاستثناءات والكوتات وخريطة المقبولين والمحرومين، ستكتشف لا شك حجم المظلومية التي أفرزتها هذه الآليات غير العادلة، وما ترتب على ذلك من إكراهات وضغوط نفسية ومادية تؤثر على الشباب في صميم حياتهم ومستقبلهم، وعلى أسرهم أيضا.
لدينا، رابعا، خزان الانتخابات، خاصة البرلمانية والبلدية، حيث يخرج في كل دورة انتخابية عشرات، وربما مئات، من لم يحالفهم الحظ بالفوز، لا أقصد الحظ العادل، وإنما الحظ العابر بسبب غياب النزاهة والشفافية، وسيطرة المال السياسي، وما يعتري العملية من تدخلات أحيانا، كلها تنتج حالة من الإحساس بالظلم الذي يتحول أحيانا إلى انفجارات اجتماعية مكبوتة، بدعم مباشر من قانون الانتخاب.
لدينا، خامسا، خزان الفساد، هذا الذي أصبح يمد لسانه للجميع، ويشكل مصدر استفزاز للأردنيين، ومصدر تغذية للمظلومية أيضا، وسواء أكان حقيقيا أو انطباعيا، فإن العزف الشعبي على أوتاره، في الشارع أو البيوت أو الصالونات، ولد لدى فئات واسعة من المجتمع قناعة راسخة أن سبب فقرها وتهميشها، وربما معظم ما يعانيه البلد من أزمات، يتحمل مسؤوليته هوامير الفساد ومن يقف وراءهم.
بقي لدي ملاحظة أخيرة، وهي أن سرديات المظلومية، التاريخية والسياسية، تتجاوز الأردنيين إلى الدولة ذاتها، فالأردن – كما ذكر مؤخرا رئيس الوزراء – يعاني من ظلم الجغرافيا، والأردن – كما يردد بعض المؤرخين – تعرض، وما يزال، لظلم التاريخ وظلم بعض الأشقاء، رغم المواقف والتضحيات التي قدمتها دفاعا عن قضايا أمته، ما يعني أن حالة المظلومية متعمقة في التربة الأردنية، وأنها أصبحت جزءا من حركة اللاوعي لدى الدولة والمجتمع معا، هذه مسألة مهمة وبحاجة لدراسات علمية جادة، وقرارات شجاعة