صراحة نيوز – كتب محمد حسن التل
في الأخبار أن حزبا جديدا سجل رسميا تحت عنوان الميثاق الوطني، واللافت في الموضوع أن مؤسسي هذا الحزب أكثرهم من الشخصيات المعينين كوزراء وأعيان ونواب وغيرهم حاليين أو سابقون ممن تولوا مناصب رسمية، وهذا النوع من الشخصيات عادة ما ينظر إليهم الناس أنهم من أبناء “السيستم” الرسمي، ويدورون في فلك الحكومات ودوائرها ولا يملكون القواعد الشعبية التي تؤهلهم لأن يكونوا قادة مؤثرين على الساحة الوطنية، فالقائد الشعبي غير الموظف الرسمي، وأنهم يسعون من وراء تشكيل هذا الحزب إما للحفاظ على مكتسباتهم أو زيادتها ليبقوا في الواجهة، ومنذ أن عادت الديمقراطية للأردن أثبتت من هذه التجارب فشلها.
الحزب الحقيقي المؤثر هو ذلك الذي يخرج من رحم الناس ومعاناتهم، ويخاطب أحلامهم وطموحاتهم وتكون قياداته من صفوفهم يدفعهم الناس للقيادة دفعا لأنهم قد عانوا كما عانى الناس من أوجاع، أما تلك الأحزاب التي تأتي من الطوابق العليا البعيدة عن الناس عادة ما تفشل وتذوب نتيجة عدم امتلاكها شرعية الشارع.
كما ذكرت، عشنا في الأردن تجارب كثيرة ومتعددة من هذا النوع أسست على نفس النهج، ولكن جميعها كان مصيرها الاندثار، لعدم وجود شرعية لها عند الناس واقتناع، ولعدم وجود عوامل مشتركة بين المؤسسين الذين يكون هدفهم التصدر على الواجهة فقط والدوران في فلك الحكومات.
المتأمل في الهيئة التأسيسية للحزب الجديد سرعان ما ينتبه أن قائمة الأسماء هي لشخصيات في معظمها من الفئة التي ملها الأردنيون من تكرار ترددها على المناصب، وهم فاقدون للقواعد الشعبية ويلقبهم الأردنيون “بأبناء الداية”، ويرون أنه لا يمكن أن يكون لهم دور في الحياة الحزبية الحقيقية التي إن وجدت فعلا تكون عين الناس على أداء الحكومات، وتعيش نبض الناس.
معظم أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب الجديد لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه مع الاحترام بدفع من الناس، بل بالصدفة والواسطة والعلاقات الشخصية المؤثرة في تشكيل الحكومات ومجلسي الأعيان والنواب، هذه هي الصورة الراسخة في أذهان الأردنيين ولا يمكن تغييرها، لذلك ستكون هذه التجربة متعثرة حتما.
كان على الأشخاص الذين عملوا على تأسيس هذا الحزب كما يقولون “منذ سنوات” أن ينتبهوا إلى الواقع السائد في الشارع الأردني، والذي لا يثق بأي شخصية ذات خلفية رسمية، لها تاريخ طويل في المناصب المتعددة، فالزمن الذي كان الأردنيون به يثقون بالقيادات الرسمية قد ولى منذ عقود، فهذا ليس زمن الرموز.
كما قلت الحزب الحقيقي هو حزب الناس أصحاب المعاناة العميقة، وليس حزب الكراسي والمناصب. وأي حزب لا يحمل أصحابه نهجا فكريا مشتركا في الحد الأدنى بين أعضائه لن يكتب له النجاح والاستمرار، وسرعان ما تتنازعهم المصالح والمكاسب كما ثبت ذلك في التجارب التي رأيناها سابقا.
الأردنيون بحاجة إلى أحزاب تخاطب طموحاتهم ومعاناتهم من قيادات عاشت ظروفهم ولم تنظر عليهم يوما وهي جالسة على كراسيها الرسمية.
إنني بالتأكيد لا أطعن بشخصيات “الميثاق”، ولكن أخطأ هؤلاء في التوقيت والفكرة والظرف، فالأردنيون يعيشون حالة من عدم الثقة المطلقة بكل ما هو صاحب خلفية رسمية، لأن تجاربهم مع هؤلاء كانت فاشلة، وهم الآن منغمسون في محاولة تحسين ظروف معيشتهم، رافضين تنظير وتحزب شخصيات يعتقدون جازمين أنها سببا حقيقيا من أسباب حالة الضيق والتهميش التي يعيشونها.
من يريد تشكيل حزب مؤثر على الساحة الوطنية ويحفز القواعد الشعبية للعمل الوطني العام لا يلجأ إلى “نخب” فقدت ثقة الناس منذ زمن بعيد تطمع بود مراكز القرار في الدولة حتى تنجح، وحتى إن تحقق ذلك، فسيظل القرار بيد الناس والحكم لهم وحدهم، يمنحون النجاح ويحكمون بالسقوط في كل شيء وحدهم .
وبمناسبة تأسيس الحزب الجديد، فإنه يجب على كل القوى السياسية الشعبية أن تجتمع على مائدة حوار حقيقي ينتج عنها تأسيس حزب حقيقي يعمل للناس ومن أجلهم في مواجهة هذا الموج الرسمي، واللهاث حول تأسيس أحزاب تقطف كما تعودت ثمرة كل جديد في البلاد.
الأردني لم يعد من السهل التمرير عليه فهلوات وأفكار لا تسمن ولا تغني من حاجته إلى ديمقراطية حقيقية يكون هدفها خدمة البلاد والعباد.