صراحة نيوز – يزخر الأردن بثروة غنية بالآثار والمواقع الأثرية التي تشهد على تاريخه العريق كمركز لتقاطع الحضارات والأمم التي مرت عبره، حيث يجسد هذا المخزون الأثري المتراكم عبر آلاف السنين نشأة وتطور الكثير من الثقافات والمجتمعات، ويضفي على الأردن ميزة فريدة تجعله بمثابة متحف مفتوح احداها جبل القلعة.
ويعتبر موقع جبل القلعة أحد أهم المواقع الأثرية والتاريخية في الأردن الذي يضم كنوزاً ذات قيمة فنية وتاريخية تعكس عراقة وأهمية الإرث الحضاري والانساني في المملكة، فيما يمثل موقعه قصة تختزل تاريخ الأردن عامة وعمّان بشكل خاص.
وفي حديث لوكالة الانباء الأردنية (بترا) مع مدير آثار العاصمة عاصم عصفور قال، “توات على موقع جبل القلعة حضارات منذ العصر البرونزي وحتى العصور الإسلامية، إذ اتخذه العمونيون منذ القدم مقراً لحكمهم في المدينة وعاصمةً للمملكة العمونية، ومن بعدهم جاءت الفترة الهلينستية حيث اصبحت المدينة تعرف بفيلادلفيا، ومن ثم الرومان الذين ازدهرت المدينة بعهدهم فبنيت فيها المسارح والمعابد الضخمة والحمامات والساحات والأسواق.
وأضاف، “برز الموقع كمقر للحكم والإدارة خلال فترة العصر الحديدي حيث اتخذه العمونيون عاصمةً لهم واطلقوا عليه تسمية ربة عمون، وخلال الفترة الهلينستية أعاد الحاكم البطلمي بطليموس فيلادلفيوس بناء ربة عمون وقام بتغيير اسمها الى مدينة فيلادلفيا والتي تعني مدينة الحب الأخوي، وخلال العصر الروماني ازدهرت فيلادلفيا وتوسعت وتكونت من جزأين: المدينة السفلى التي شيدت فيها المعالم العامة كالشوارع والمسارح والساحات والحمامات والأسواق والمدينة العليا التي بني فيها المباني الرسمية والمعابد.
وتابع، “بعد فترة الرومان جاء البيزنطيون الذين شيدوا العديد من الكنائس، وصولاً للأمويين الذي بنوا على قمة الجبل مدينة متكاملة تشتمل على القصر والمسجد والسوق، وكان فيها دار لسك النقود، ومن ثم الأيوبيون الذين بنوا على الجبل الأبراج وحصنوا أسوارها”.
وأشار عصفور الى أنه “بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام في العام 635 أنهى جيش يزيد بن ابي سفيان سيطرة الغساسنة التابعين للإمبراطورية البيزنطية والمتحكمين على منطقة البلقاء فعادت المدينة تعرف باسمها القديم ثانية عمان”.
وقدم عصفور شرحاً عن أهم المعالم والمواقع الأثرية في جبل القلعة بدءا من معبد هرقل الذي يعتبر من أهم وأضخم المباني الرومانية الباقية في مدينة فيلادلفيا، حيث يعود تاريخ بنائه الى القرن الثاني الميلادي وتحديداً 161- 166 ميلادية وشيد فوق مصطبة حجرية مرتفعة، لافتا الى أنه يمكن مشاهدة أعمدته الشاهقة من وسط المدينة ومن الجبال المحيطة بمدينة عمان.
وقال، إن “المعبد كرس لأحد أهم آلهة الرومانيين وهو الإله هرقل أو هيركليس باليونانية الذي أشتهر بقوته البدنية الخارقة ومغامراته المتعددة، وما يدعم هذه المعلومة العثور بالقرب من المعبد على يد وجزء من ذراع ضخمين لتمثال من الرخام”، موضحاً أن بعض الباحثين قدروا بأن هذا التمثال الرخامي كان ينتصب بارتفاع 13 مترا ما يجعله واحداً من أضخم التماثيل التي عرفت في العصر الروماني.
وقال عصفور، إن “جبل القلعة هو أحد جبال مدينة عمان السبعة، ويقع في وسط العاصمة، ويطل من جهته الغربية على عمان الغربية بمعالمها الحديثة، ومن الجهة الأخرى على عمان الشرقية بجمال مبانيها ومعالمها القديمة، مشيراً الى أن الموقع شيد قديماً واختير بعناية لتمتعه بمزايا عسكرية واستراتيجية”
وأضاف عصفور، بنى في جبل القلعة ثلاث كنائس أهمها ما يعرف بالبازيليكا أو الكنيسة البيزنطية التي بنيت عام 550 ميلادية وتتألف من صحن وجناحين، اضافة الى الأعمدة التي تتزين بالتيجان الكورنثية المزخرفة بأوراق الأكانثوس التي نقلت من المباني الرومانية وأعيد استخدامها في بناء الكنيسة”، مشيرا الى أن نشاط الكنيسة استمر حتى بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام.
وبين أنه خلال الفترة الأموية حظيت مدينة عمان باهتمام الأمويين فبنوا فيها مسجداً وقصراً بطابع رسمي وسياسي وكانت المدينة مركزاً حكومياً وفيها مقر الوالي أو دار الإمارة، وكان يوجد في المدينة حامية عسكرية بهدف المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة ومراقبة طريق القوافل التجارية وحراسة طرق الحج. وأوضح أن المنشآت التي أقيمت خلال الفترة الأموية تمثل عناصر المدينة الإسلامية المتكاملة، حيث احتوت على المسجد والسوق والحمام والقصر بما في ذلك قاعة الاستقبال التي بنيت في خلال حكم الخليفة هشام بن عبدالملك، وقاعة العرش، بالإضافة إلى العديد من الوحدات السكنية، واحتوت على دار لسك عملة النقود الإسلامية.
وحول موقع شارع الأعمدة، بين عصفور أن الشارع المبلط الذي تحيطه الأعمدة يشكل محوراً يمتد من البوابة الشمالية لقاعة الاستقبال إلى القصر، لافتا الى أنه توجد قناة مغطاة بشكل جزئي تمتد وسط الشارع لتصريف مياه الأمطار وجمعها في خزانات تحت سطح الأرض حيث كانت هذه الخزانات تشكل جزءا من النظام المائي في العصر الأموي والذي كان يمد دار الإمارة بالماء.
وبشأن المسجد الموجود في الموقع، قال عصفور، إن المسجد يقع في أعلى بقعة من جبل القلعة إلى الجنوب من القصر الأموي، فوق مصطبة يتقدمها ست درجات عريضة تمتد أمام واجهته، ويتألف مخططه الداخلي من ساحة مركزية مكشوفة يحيط بها سبعة صفوف من الأعمدة ويتكون كل صف من ستة أعمدة، موضحاً أن أعمال التنقيب الأثري في المسجد كشفت عن طبقات من الجبس كانت تزين كل واجهات المسجد المزخرفة بالأشكال الهندسية والنباتية.
وأشار الى أن هناك بين المسجد والمدخل الجنوبي لقاعة العرض ساحة مكشوفة يوجد في شرقها وغربها 11 غرفة في كل جهة، بمجموع 22 دكانا أو غرفة صـغيرة كانت تشكل السـوق التجاري للمدينة الأموية.
واوضح أن المسجد والسوق التجاري والقصر مجتمعة تمثل رسالة للزائرين للمدينة ممثلة بعدة ابعاد؛ اولها البعد الديني حيث المسجد أول ما يشاهده الزائر لمدينة عمان الأموية، أما البعد الاقتصادي فيتمثل بوجود المحلات التجارية والسوق والقوة والتبادل التجاري، فيما يتمثل البعد السياسي بعظمة بناء القصر وقاعة الاستقبال والقوة العسكرية للمدينة.
وقال عصفور، إن متحف الآثار في الموقع يعتبر أول متحف أقيم في الأردن وبني عام 1951 ميلادية، ويضم مجاميع من القطع الأثرية المميزة من أعمال التنقيبات الأثرية من مختلف المواقع الأثرية في الأردن، مبيناً أن القطع الأثرية رتبت فيه ترتيباً زمنياً من العصر الحجري وحتى العصور الإسلامية، ومن أهم معروضات المتحف تماثيل عين غزال الجصية التي ترجع إلى حوالي 6000 قبل الميلاد.
وفيما يخص خزان الماء “البركة” بين عصفور أن البركة الدائرية التي يبلغ قطرها 17.5 متر وعمقها أكثر من 6 أمتار مبنية من الحجارة الكلسية المشذبة وغطيت جدرانها بطبقة سميكة من الملاط وبني بداخلها مجموعة من الأدراج لتسهل عملية تنظيفها عند الحاجة.
أما الحمام الموجود بالموقع، ولفت عصفور الى الحمام الموجود في الموقع الذي رصفت أرضياته بالفسيفساء وتزين جدرانه بألواح الرخام والملاط المدهون، ويتألف من عدة غرف لكل واحدة منها وظيفة محددة.