التل يكتب: بين الرفاهية والضيق

21 مارس 2022
التل يكتب: بين الرفاهية والضيق

صراحة نيوز – بقلم محمد حسن التل 

أغرق الأردنيون أنفسهم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في حياة استهلاك مطلقة غير المنتجة، وأغروا بحياة الرفاهية والحاجات غير ذات الأولوية، وكانت الأوضاع الاقتصادية آنذاك تشجع على ذلك، ولم يفكر أحد بالقادم وعصفت التغيرات في العالم والمنطقة، ووجد الناس أنفسهم أمام واقع جديد صعب، وتغيرت الأحوال الاقتصادية نتيجة ظروف كانت تلوح بالأفق، ولم يأخذها أحد على محمل الجد، فمنذ حرب الخليج الثانية تغيرت ملامح المنطقة وتغيرت اولويات الدول فيها.

الان، نقف وجها لوجه مع هذه الظروف حيث اختل الميزان وانهار التوازن المالي عند الناس وارتبكت حياتهم مع بقاء الدخول كما هي، بل تتآكل يوما بعد يوم، ولم تستطع الحكومات الاستمرار بالتعامل بمبدأ الرعوية، واضطرت إلى رفع الدعم عن كثير من الأمور المعيشية للناس، أو توجيهه بطريقة جديدة.

توقفت المساعدات ودخل الاقتصاد في ممر ضيق وصعب، الأمر الذي نعيشه اليوم في كل نواحي الحياة. الناس والحكومات يتبادلون الاتهامات، الأخيرة تقول إنها تبذل قصارى جهدها للتخفيف عن الناس، والناس يطالبونها بالمزيد، وفاتورة الرواتب تنهش القسم الأكبر من المصروفات العامة، والبطالة في ازدياد سريع والفقر تتسع رقعته. الواقع الحالي جاء نتيجة لعدم الاهتمام والانتباه في عقود الرفاه للمستقبل، فتحولت رؤوس الأموال إلى الاستهلاك، وصرفت المليارات على الحجر والحديد، والتباهي الذي أدى إلى الواقع الذي نعيشه. كان الأجدر أن تتحول رؤوس الأموال إلى بناء اقتصاد حي يحافظ على الحاضر ويبني للمستقبل لتحصين الدخل القومي.

الكل متهم بهذه النتيجة التي وصلنا إليها، فلا يتهم أحد أحدًا. كلنا غرقنا بحياة الاستهلاك غير المدروس، وتوجهنا إلى ما يوصف بالعامية “الفخفخة” الكاذبة دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف المستقبل، حيث أغرق الناس أنفسهم بالقروض من أجل متطلبات حياة غير ضرورية، وكانت النتيجة آلاف المتعثرين بالسداد وخراب بيوت كثيرة. لقد غفلنا عن مبدأ تحصين الاقتصاد وتحسينه لما هو قادم، فوقعنا في الحفرة، وأصبحنا أسرى المساعدات والمنح التي لم تعد تأتي نتيجة الظروف السياسية التي عصفت بالمنطقة، واختلاف الأولويات وإغلاق الدول أبوابها على نفسها ولم تعد تتطلع إلى الغير.

الاقتصاد المبني على اللاشيء والحياة المفتوحة على واقع مزيف قطعا ستكون نتيجتها ما نراه اليوم من تعثر اقتصادي وضيق في الحياة.

الوقت لم يفت، فالجميع اليوم عليهم واجب وطني، سواء الحكومات أو الناس أنفسهم في العمل نحو بناء اقتصاد متين على أسس ثابتة وواقعية، فهذا هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الواقع المرير الذي يكاد يعصف بالجميع، وأولى حلقات الحل هو الاعتراف بالمشكلة، وتحليل أسبابها لنتمكن من تفكيك عقدها، فنحن لا نعيش لزمننا هذا فقط، فأمامنا أمانة الحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة، وتهيئة الظروف المعيشية التي يستحقونها، فالطريق ما زال مفتوحا أمامنا لتجميع أوراقنا المبعثرة والبدء من جديد للخروج إلى ضفة الأمان بعون الله تعالى، وإن كان في بدايته يبدو طويلا وصعبا، ولكن قطعا في نهايته سيؤدي إلى النتيجة المرجوة، فالأردن لديه إمكانيات بشرية هائلة تكاد تكون نادرة بالمنطقة تحمل عقولًا جبارة في التخطيط والتنفيذ ولنتوقف عن لومنا لبعضنا البعض ونبدأ فورا وإلا ستكون النتائج بما نعانيه اليوم كارثة على الجميع.

الاخبار العاجلة