بعد وقوع حدث صادم أمام الطفل.. كيف نساعده على التأقلم والتعافي؟

14 سبتمبر 2022
بعد وقوع حدث صادم أمام الطفل.. كيف نساعده على التأقلم والتعافي؟


 تُلقى على عاتق المربين مسؤولية كبيرة في احتضان الطفل بعد تلقيه صدمة ما، خاصة إذا ظهرت عليه أعراض اضطراب، إذ تجب تهدئته قدر الإمكان والبحث عمن يثق بهم، ومحاولة مساعدته قدر الإمكان ليعود إلى حياته الاعتيادية.
ولتسليط الضوء على اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال، حاورت الجزيرة نت اختصاصيين للإفادة بآرائهم وخبراتهم، كما نقلت تجارب أطفال تعرضوا لصدمات.
 
 
 
مساندة الأهل للطفل
ساءت الحالة النفسية للطفل وسيم (8 سنوات) كثيرا، بعد فقدانه أحد أصدقائه المقربين بسبب تعرضه لحادث سير، وفق قول والدته، إذ لم يتمكن من استيعاب الأمر وتقبله، معبرا عن حزنه بالبكاء طوال الوقت حينها.
تقول والدة وسيم “وقفت حائرة أنا ووالده بشأن كيفية مساندته، حاولت التخفيف عنه بالكلام، قرأت قصصا تتحدث عن تجارب مماثلة، وكيف أن الآخرين يمرون بمثل هذه التجارب، استغرق الأمر وقتا، إلا أنه تأقلم شيئا فشيئا بمرور الأيام”.
من جهتها، تقول والدة الطفل معاذ، توفي زوجي قبل 3 سنوات نتيجة إصابته بمرض السرطان، ولم أعلم كيف أشرح الأمر لصغيري معاذ وهو بعمر 6 أعوام.
وتضيف الأم أن معاذ واجه الأمر بالإنكار والصراخ في ذلك الوقت، كما حاصرها بالعديد من الاستفسارات التي تحير طفلا بعمره، وفي ما بعد لاحظت معاناته مع التقلبات المزاجية، إلى جانب رفضه الطعام أو الاختلاط بالآخرين.
وتتابع الأم “الزمن كفيل بردم الجروح وبناء لحظات جميلة من خلال إكمال رسائل وأمنيات من نحبهم، وهو ما حرصت على غرسه بنفس طفلي حتى يتعافى”.
ومن جانبه، يذكر والد الطفلة سديل (10 سنوات) أنه تعاون مع المرشدة التربوية وإدارة المدرسة لاحتضان ابنته، وذلك لصعوبة ما مرت به بعد انفصاله عن والدتها.
يقول والد سديل للجزيرة نت “أصبحت ابنتي عدوانية بتعاملها مع زميلاتها، ولم تكن كذلك في ما قبل، لكن واجهت الأمر بالرفق واللين والاستيعاب قدر الإمكان، كما كان للمرشدة دور كبير في تحسين حالتها بإشغالها بالأنشطة وإعادة الطمأنينة لنفسها”.
 
إنكار وغضب ثم تكيف
يقول استشاري أول الطب النفسي، الدكتور وليد سرحان، “الصدمة هي الحدث الضاغط الذي يفوق الأحداث اليومية، ويكون فيه الطفل أو المراهق شاهدا على الحدث أو متأثرا به أو له علاقة به بشكل أو بآخر”.
ويتابع أن الصدمة ينتج عنها عدم التصديق والإنكار، ثم الحزن والغضب الشديد، ثم محاولة التكيف معها.
ويشرح الاستشاري سرحان أن علامات الصدمة عند الطفل لا تظهر بوضوح، بل قد تنعكس في شكل بكاء أو صمت أو شكوى من آلام البطن والرأس.
والصدمة قد تمر بسلام وتترك آثارا بسيطة، لكن قد تؤدي إلى مضاعفات سلوكية ونفسية وعاطفية ودراسية، وفق سرحان.
ويضيف أن مساعدة الطفل تكون بعدم إخفاء الحدث، بل بتقديمه بهدوء وروية وعدم سرد التفاصيل كلها، خصوصا أن البالغين يكونون أيضا متأثرين بالحدث.
دور الأسرة في مساعدة الطفل
عن دور الأسرة في مساعدة الطفل، يقول الاستشاري سرحان إن الأسرة القريبة المتأثرة يجب أن تقوم بالحد الأدنى مع إظهار الحب والحنان، وأما الأسرة الأوسع والأصدقاء، فلهم دور كبير في الأسابيع الأولى.
ويؤكد أن المدرسة يجب أن تكون على علم، حيث يجب العمل على إعادة الطفل أو المراهق لبرنامج حياته الطبيعي بالسرعة الممكنة، وهذا له دور كبير في سرعة التكيف مع آثار الصدمة.
ويقول سرحان “من ملاحظاتي اليومية، في كثير من الحالات يكون وقع الصدمة بسيطا على الطفل والمراهق، لكن الوقع على الأهل  يكون كبيرا جدا فيقحموا الأطفال والمراهقين في معاناتهم”، موضحا أن إهمال الطفل بعد الصدمة قد يجعل مضاعفات الصدمة كبيرة وبعيدة المدى.
اللجوء إلى الطبيب النفسي
يوضح الدكتور سرحان أنه إذا كانت المظاهر التي تلي الصدمة على الطفل شديدة وخطيرة، مثل الامتناع عن الطعام والشراب، ومحاولة الانتحار وعدم النوم، أو كانت لديه تغيرات في السلوك مثل التمثل بالمتوفي وتقليده في كل شيء أو إذا ظهرت عليه الأوهام والتخيلات، فإنه يصبح من الضروري عرضه على الطبيب النفسي.
ويكمل استشاري الطب النفسي أن الأمثلة كثيرة في العمل اليومي، ولكن ما يلفت الانتباه أمران متطرفان:
الأول: عندما يكون الحدث بسيطا ولا يشعر به الطفل، ولكن تكون الأسرة مصدومة وتريد علاجا لطفل غير مصدوم.
الثاني: هو العكس عندما يكون كل تصرف الأهل مع الصدمة خطأ، فيتأثر الطفل أو المراهق وتظهر عليه كل الآثار السلبية الخطيرة، لكنه لا يصل إلى العيادة إلا بعد محاولة جادة للانتحار.
 
ضيق نفسي أو جرح جسدي
يقول الاختصاصي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة “لا شك بأن الصدمة تعد اختلالا في التوازن الانفعالي لدى الطفل أو عجز في السيطرة على انفعالاته، وفي الواقع تحدث الصدمة عندما يتعرض الطفل أو يُشاهد أو يواجه حدثًا يتضمن تهديدًا فعليًا لمقتضيات السلامة النفسية أو الجسدية أو كلتيهما”.
ويتابع الدكتور نوايسة، يظهر ذلك في عدم تكيف الطفل في بيئته الداخلية (الأسرة) أو البيئة الخارجية (المجتمع)، مما ينعكس سلبا على نموه الشامل وتكيفه مع الحياة بشكل عام.
ووفق نوايسة، فإن واحدا من أهم الظواهر النفسية التي تنتج عن الأحداث المؤلمة يتمثل في حدوث القلق، وبشكل خاص عندما يكون هناك ضيق نفسي، أو جرح جسدي ناتج عن خوف يشعر به الأطفال بالعجز، وبعدم القدرة على التوافق مع الحوادث. والنتيجة تكون بقاء الخوف الذي يكون شديدا ويدوم فترة طويلة من الوقت.
ويضيف أن هناك مواقف تستثير لهذا النوع من المخاوف، بعضها واضحة ومعروفة، بينما المواقف الأخرى غامضة ومجهولة.
ويتابع أن في هذا المجال أظهرت نتائج الدراسات أن توافق الإنسان وتكيفه في المراهقة والرشد مرتبط إلى حد كبير بتوافقه في الطفولة، فمعظم المراهقين والراشدين المتوافقين مع أنفسهم ومجتمعهم توافقا حسنا كانوا سعداء بسبب عدم تعرضهم لصدمات، وكانوا قليلي المشاكل في صغرهم بينما كان معظم المراهقين والراشدين سيئي التوافق تعساء في طفولتهم كثيري المشاكل في صغرهم وتعرضوا لصدمات نفسية واجتماعية جعلت تكيفهم مع البيئة النفسية والاجتماعية صعبا.
 
العلاقات الودية والحوار
يلفت نوايسة إلى أن الأسرة هي الإطار الرئيسي في دعم الطفل النفسي والمعنوي للخروج من محنته المتمثلة في الصدمة النفسية. وهنا يجب ألا ننسى أن وجود الطفل في أسرة تسودها العلاقات الودية والحوار يشكل في حد ذاته بيئة سليمة تحميه من أي اضطراب نفسي قد يتعرض له.
ويشدد على أنه لا بد من أن تلعب المؤسسات التربوية، وبشكل خاص المدرسة، دورا في إعادة التوازن للطفل عبر برامج تربوية هادفة تركز على الرفاه النفسي والاجتماعي الدامج للطفل في المحيط الذي يعيش فيه.
نصائح لمساعدة الأطفال على التأقلم
وفي ما يأتي بعض النصائح لمساعدة الأطفال على التأقلم بعد حدث صادم، وفق ما نشر موقع “تشايلد مايند” (child mind):
اجعل طفلك يشعر بالأمان: سيستفيد جميع الأطفال -من الأطفال الصغار إلى المراهقين- من لمسة، أو عناق، أو مجرد تربيتة مطمئنة على الظهر، تمنحهم شعورًا بالأمان، وهو أمر مهم جدًا في أعقاب حدث مخيف أو مزعج.
تصرف بهدوء: يتطلع الأطفال إلى البالغين من أجل الطمأنينة بعد وقوع الأحداث الصادمة. لا تناقش مخاوفك مع أطفالك، أو عندما يكونون في الجوار، وكن على دراية بنبرة صوتك، إذ يلتقط الأطفال القلق بسرعة.
حافظ على الروتين قدر الإمكان: وسط الفوضى والتغيير، الروتين يطمئن الأطفال بأن الحياة ستكون على ما يرام مرة أخرى. حاول أن تكون لديك أوقات منتظمة للوجبات والنوم. وإذا كنت بلا مأوى أو تم نقلك مؤقتًا، فقم بتأسيس إجراءات جديدة، والتزم بنفس قواعد الأسرة، مثل تلك المتعلقة بالسلوك الجيد.
ساعد الأطفال على الاستمتاع بأنفسهم: شجع الأطفال على القيام بالأنشطة واللعب مع الآخرين؛ فالإلهاء مفيد لهم، ويمنحهم إحساسًا بعودة الحياة إلى طبيعتها.
شارك المعلومات حول ما حدث: من الأفضل دائمًا معرفة تفاصيل الحدث الصادم من شخص بالغ آمن وموثوق به. كن موجزًا ​​وصادقًا، واسمح للأطفال بطرح الأسئلة، ولا تفترض أن الأطفال يقلقون بشأن الأمور نفسها التي يقلق منها البالغون.
اختر الأوقات الجيدة للتحدث: ابحث عن المداخل الطبيعية لإجراء مناقشة.
منع أو الحد من التعرض للتغطية الإخبارية: هذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص مع الأطفال الصغار والأطفال في سن المدرسة، لأن مشاهدة الأحداث المزعجة -التي يتم نقلها على التلفزيون أو في الصحف أو الاستماع إليها على الراديو- قد تبدو لهم وكأنها مستمرة. في حين أنه يمكن للأطفال الذين يعتقدون أن الأحداث السيئة مؤقتة أن يتعافوا منها بسرعة أكبر.
الأطفال يتأقلمون بطرق مختلفة: قد يرغب البعض في قضاء وقت إضافي مع الأصدقاء والأقارب؛ بينما قد يرغب البعض في قضاء المزيد من الوقت بمفرده. دع طفلك يعرف أنه من الطبيعي أن يشعر بالغضب والندب والحزن، وأن يعبر عن الأشياء بطرق مختلفة، على سبيل المثال، قد يشعر الشخص بالحزن ولكنه لا يبكي.
استمع جيدا: من المهم أن تفهم كيف ينظر طفلك إلى الموقف، وما الذي يربكه أو يزعجه. لا تحاضر؛ فقط كن متفهمًا. دع الأطفال يعرفون أنه من الجيد إخبارك بما يشعرون به في أي وقت.
ساعد الأطفال على الاسترخاء بتمارين التنفس: يصبح التنفس ضحلًا عندما يبدأ القلق؛ يمكن للتنفس العميق من البطن أن يساعد الأطفال على الهدوء. يمكنك وضع ريشة أو حشوة من القطن أمام فم طفلك واطلب منه النفخ فيها والزفير ببطء، أو يمكنك أن تطلب منه “فلنتنفس ببطء بينما أعد حتى 3، ثم أخرج زفيرا بينما أعد حتى 3″، ضع دمية على شكل حيوان محشو أو وسادة على بطن طفلك -وهو مستلق على ظهره- واطلب منه الشهيق والزفير ببطء ومشاهدة الحيوان المحشو أو الوسادة وهي ترتفع وتنخفض.
اعترف بما يشعر به طفلك: إذا اعترف الطفل بوجود مشكلة ما، فلا ترد: “أوه، لا تقلق”؛ لأنه قد يشعر بالحرج أو الانتقاد، فما عليك سوى تأكيد ما تسمعه بالقول “نعم، يمكنني أن أرى أنك قلق”.
اعلم أنه لا بأس في الإجابة بـ”لا أعرف”: أكثر ما يحتاجه الأطفال هو شخص يثقون به للاستماع إلى أسئلتهم، وقبول مشاعرهم، والوجود من أجلهم. لا تقلق بشأن معرفة الشيء الصحيح الذي يجب قوله بالضبط، فبعد كل شيء، لا توجد إجابة تجعل كل شيء على ما يرام.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

الاخبار العاجلة