نرى ونغض الطرف عما نرى, نسمع ونتظاهر كما لو لم نسمع, ويقفز السؤال والتساؤل معاً صوب الأذهان, ترى هل هذا هو الأردن الذي على ثراه ولدنا وعشنا وكبرنا معتدين فخورين به شامة عز على هام العرب وصفحات التاريخ وموضع إعجاب العدو والصديق والشقيق والمحب والحاسد والحاقد!
ونتوقف وقفة الحيارى أمام ما جرى في برلماننا العتيد العريق الذي يتزامن عمره مع عمر الدولة, ونستذكر سيرة رجال جلسوا طويلا تحت “القبة”, هاجسهم الوطن ولا شيء غير الوطن, اتفقوا واختلفوا ثم قرروا, ولم تسجل يوماً بحق أي منهم كلمة نابية أو فعل مشين, وكانوا فعلاً لا قولا فقط, رجال وطن ودولة بحق بنوا للأجيال منظومة دستورية تشريعية محكمة ينطق كل حرف فيها, بأنهم رجال دولة ووطن رفعة في الموقف والسلوك.
نستغرب ما جرى في مجلس نوابنا أخيراً, حيث رئيس اللجنة القانونية لديه تعديلات دستورية يدافع عنها بموجب النظام بعد أن أحالها المجلس نفسه إلى لجنته, فتجري مقاطعته خلافاً للأصول وللأعراف البرلمانية ثم تعم الفوضى ولا يسمح حتى لرئيس المجلس بإدارة الجلسة ووفقا للأصول ذاتها..!
ما نعرفه, هو أن المجلس سيد نفسه, يقبل أو يرفض بإرادته بآلية التصويت بالمناداة حيث الموضوع مهم وكبير يتصل بتعديلات دستورية, وبإمكان كل نائب أو كتلة أن تتخذ الموقف الذي تراه دونما تدخل.
أين الخلل وما هو المبرر إذن لتخريب الجلسة وتحويلها إلى “شجار” مؤذ ومن تسبب في ذلك؟.. ثم أليس من حق رئيس اللجنة القانونية أن يقدم “بضاعته” فإن أعجبتكم أخذتم بها وإن لم ترق لكم فأرفضوها بالتصويت!, وهل يظنن أحد أن ما جرى هو مقدمة لطي ملف التعديلات الدستورية بمجملها!
لم ترق للبعض إضافة كلمة “الأردنيات” وهذا حق لهم يرون فيه استزادة لا لزوم لها تفتح باباً للتأويل والاجتهاد, وهنا كان بالإمكان رفضها عند التصويت أو حتى الاستعاضة عنها وما قبلها “الأردنيون”, بمفردة “الشعب الأردني” مثلاً, وهي مفردة شاملة مع قناعتي الشخصية بأن كلمة “الأردنيون” شاملة أيضا, وهي تجمع ولا تفرق كما أسلفت في مقال سابق.
سأتجاوز أمر التعديلات وما سيتبعها من تشريعات على أهميتها, وأذهب إلى ما هو أهم, ألا وهو حال البلاد والعباد في بلدنا وما نواجه من مخاطر محلية وإقليمية وحتى دولية, تقتضي منا وعياً أكثر ووحدة وطنية أصلب, ومواقف توافقية أقوى, كي نعالج معضلات شتى يمر بها بلدنا وشعبنا, وأسأل.. هل بمثل هذا التناوش والتهاوش والتنابز وفوضى الكلام يمكن أن نفعل!
بوضوح لا مداهنة ولا رياء فيه, الأردن اليوم ويا للأسف الشديد, ليس الأردن الذي كنا نعرف ونتمنى أن يكون, فلقد شوهنا المشهد العام لوطن يفتقد اليوم كثيرا لرجال قلوبهم عليه, رجال رفعة في الموقف والكلمة والموقف يجمعون ولا يفرقون, هاجسهم الأول هو الأردن ومصالحه العليا والعامة لشعب وفي صابر مصابر, رجال يعون ما يدور في إقليمنا ولدى عدونا وما قد يخبئه الوقت لنا, فيترفعون عن كل الصغائر, وتتشابك أيديهم برجولة مع الوطن بالموقف والرأي والنصيحة كي يكون الهم مشتركا في شريعة كل منا.
لم يعد سراً أن كثيرين منا عملوا ومنذ سنوات وبوعي ربما أو بغير وعي, “الله أعلم” على تقزيم دولتنا, حكومة وبرلمانا ومؤسسات, حتى هشمنا “الهيبة” التي كانت مصدر فخر وإعتزاز لنا جميعا, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الأردن وطن لا ساحة, والأردن أمانة في عنق كل أردني مسؤولاً كان أم غير ذلك, والأمانة حملها ثقيل لا ينهض به سوى من يقدر قيمة أن يكون لك وطن.