صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
الكلمة السحرية التي هزت أركان مجلس النواب، وحركت المياه الراكدة ثم وحدت موقف النواب هي كلمة ” طزّ “، التي أطلقها النائب الوطني أسامة العجارمة، خلال إلقاء كلمته تحت قبة البرلمان في الأسبوع الماضي. جاءت تلك الكلمة في خطبة النائب الارتجالية، في ساعة غضب لا يؤاخذ عليها، تعبيرا عما لمسه من قصور المجلس، في الارتقاء لمستوى الحدث القائم في فلسطين، من انتهاك قطعان اليهود لحرمة المسجد الأقصى، ومحاولة القوات الإسرائيلية تهجير أهالي الشيخ جراح، وممارسة القتل والتدمير الممنهج لأهالي غزة الصامدة.
ومن الغريب أن هذه الكلمة ذات الحرفين، وحّدت موقف النواب، وحشدت 91 صوتا من أصل 103 أصوات، من أعضاء المجلس المتواجدين في تلك الجلسة، تجاه تجميد عضوية النائب أسامة العجارمة، في أعمال المجلس لمدة عام كامل. الأمر الذي أثار ردود فعل شعبية سلبية نحن بغنى عنها.
وكلمة ” طزّ “ TUZتعني في الثقافة الأذرية ( الهواء )، وفي الثقافة التركية تعني ( الملح )، وفي الثقافة العربية تعني ( السخرية ). يروى لنا التاريخ في قصصه المتداولة، أنه خلال حكم الدولة العثمانية للدول العربية في القرون الماضية، كانت تفرض ضرائب عالية على بضائع التجار العرب ما عدا بضاعة ( الملح ). فكان التجار إذا مروا بنقاط التفتيش التركية يقولون لهم ” طزّ “، أي أن بضائعهم مكونة من ( الملح ) ولا ضرائب عليها، فيشير لهم العسكري التركي بالمرور. ثم تحولت هذه الكلمة فيما بعد في الثقافة العربية إلى السخرية واللا مبالاة، بخلاف ما تعنيه الكلمة في أصلها وحقيقتها.
وبما أن لهذه الكلمة معاني مختلفة في ثقافات الشعوب، فيجب على مستخدمها في الدول العربية بشكل خاص أن يعيدونها إلى أصلها إن كانت ” طزّ العربية ” أو ” طزّ التركية “. وعلى كل حال شكرا لكلمة ” طزّ العربية ” التي استطاعت توحيد كلمة النواب، وإيقاع الجزاء على النائب العجارمة، في جلسة سرّية امتدت لثلاث دقائق، بدعوى ” الحفاظ على هيبة وسمعة المجلس “، دون السماح لأعضاء البرلمان الآخرين بمناقشة هذا القرار، المخالف لنظام المجلس الداخلي.
وكمواطن أردني . . أرجو أن تسمح لي يا سعادة رئيس مجلس النواب / الذي يمثل 29 % من الشعب الأردني، أن أطرح التساؤلات البريئة التالية بغرض الاستيضاح : أين كانت هيبة وسمعة المجلس، في عدم استجابة الحكومة لكم عند اعتراضكم على اتفاقية الغاز مع العدو الإسرائيلي ؟ أين كانت هيبة وسمعة المجلس، عندما قتل الإسرائيليون القاضي زعيتر على جسر الملك حسين ولم يحاسب القاتل ؟ أين كانت هيبة وسمعة المجلس، عندما قَتَل أحد أعضاء السفارة الإسرائيلية في عمان، شخصين أردنيين داخل الأردن، وجرى تهريبه لإسرائيل دون محاكمة، ليحتفي به نتنياهو في تل أبيب أمام وسائل الإعلام العالمية ؟
أين كانت هيبة وسمعة المجلس يا سعادة الرئيس، عندما قدم 130 نائبا توصية طالبين بها طرد السفير الإسرائيلي من عمان، احتجاجا على الجرائم التي ارتكبتها بلاده ضد المدنيين في القدس وغزة، ولم تستجب الحكومة لطلبكم حتى الآن ؟ أين كانت هيبة المجلس وسمعته، عندما قُطعت الكهرباء عن كامل المملكة لبضع ساعات، واضطرت الحكومة للاستعانة بشركة أجنبية لمعرفة سبب هذا القطع ؟ أين كانت هيبة وسمعة المجلس، عندما مُررت اتفاقية التعاون الدفاعي مع ألولايات المتحدة قبل بضعة أشهر، دون أن تُعرض على البرلمان حسب نص الدستور ؟ أين كانت هيبة وسمعة المجلس، عندما شكك الناطق الرسمي باسم الحكومة، بقدرة القوات المسلحة في مواجهة العدو، لعدم توفر الأسلحة اللازمة لديها، ولم يحاسب على كلامه من قبلكم ومن قبل الحكومة ؟
الحكم على النائب أسامة العجارمة بتجميد عضويته في المجلس، لم ولن ينتقص من مكانته بل زادته شرفا وشعبية بين كافة أبناء الأردن، لأنه كان يتحدث باسم الأحرار والشرفاء، وعرفنا مواقفه الوطنية في مناسبات عديدة سابقة. نقف إلى جانب النائب أسامه، لما لمسه ولمسناه معه من تقصير في موقف مجلس النواب، تجاه اقتحام الأقصى من قبل قطعان اليهود، ومحاولة تهجير أهالي الشيخ جراح.
نقف إلى جانبه انتصارا للدماء الطاهرة، التي كانت تسيل من أجساد نساء وأطفال وأبناء غزة، بأحدث أدوات الفتك العسكري الإسرائيلي. نقف إلى جانبه لأنه كان ضابطا مقاتلا، يعرف نتائج القصف الجوي والصواريخ التي يطلقها العدو على السكان المدنيين، فتقتل البعض وتدفن العض الآخر تحت الركام.
وهنا أكرر تساؤلي أيضا سعادة الرئيس : لماذا تجاهلتم المادتين التاليتين في النظام الداخلي لمجلس النواب، عند فرض حكمكم على النائب العجارمة :
• المادة 87. وتنص على أن : ” لكل عضو من أعضاء مجلس الأعيان والنواب ملء الحرية، في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه، ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس “.
• المادة 146. النظام الداخلي لمجلس النواب والصادر عام 2013 جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية، فقد أكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانة البرلمانية الإجرائية، ووسع من نطاقها الإجرائي ليشمل امتناع اتخاذ أية إجراءات جزائية أو إدارية، بحق عضو البرلمان في إثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة “.
وتساؤلين أخيرين أختم بهما هذا المقال سعادة الرئيس هما : ألم يكن من الأفضل أن تتجاوز هذه الكلمة البسيطة، وتطوي تلك الصفحة بحكمة رجل رشيد، بدلا من تضخيمها وخلق أزمة جديدة امتدت لتثير بعض العشائر الأردنية، التي اعتبرت أن النائب كان يدافع عن إرثها ونخوتها تجاه الأشقاء ؟ ألم يكن كافيا توجيه كلمة لوم للنائب، والتنبيه عليه بعدم تكرار ما حصل، بدلا من إيقاع عقوبة قاسية عليه ؟
لقد كسب النائب العجارمة هذه الجولة معنويا، مقابل خسارة معنوية كبيرة لمجلس النواب الموقر. ومن خلال متابعتنا لوقائع هذه الحادثة، ظهر لنا بأن الحكاية ليست حكاية رمّانة . . بقدر ما هي حكاية قلوب مليانة . . !
التاريخ : 28 / 5 / 2021