صراحة نيوز- د. حسین عمر توقة
بتاريخ 16/2/1915 استعمل الألمان غاز “الفوسيجين” السام لأول مرة ضد القوات البريطانية وبعد ذلك استخدموا غاز ” ثاني فنيل كلور آرسين “
في مساء 22 نيسان 1915 فاجأ الألمان القوات الفرنسية في مقاطعة “إيبر ” البلجيكية بإطلاق ما يزيد على 500 أسطوانة تحوي على 168 طنا من غاز الكلور السام المضغوط .
وبتاريخ 12/7/1917 استعمل الألمان غاز ” الخردل ” ولقد بلغت حصيلة إصابات الأسلحة الكيماوية في الحرب العالمية الأولى مليون إصابة. ولقد نجح الألمان في إكتشاف أنواع جديدة من غازات الأعصاب القاتلة كالتابون عام 1936 والسارين عام 1938 والزومان عام 1944
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من أربعين نوعاً من الأسلحة الكيماوية ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:
أ : العوامل الكيماوية السامة أو غازات القتال . وقد قسمها خبراء هيئة الصحة العالمية إلى ثلاثة أقسام أولا الكيماويات القاتلة كغازات الأعصاب . وثانيا الكيماويات المعطلة كغاز الآدمسايت . وثالثاً الكيماويات المزعجة أو المعوقه . ولا ننسى في هذا المجال محاولة عميل الموساد في محاولته اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في أحد شولرع عمان.
ب: المواد المبيدة للنباتات وهي مواد كيماوية تحرق المزروعات وتتلف المحاصيل الزراعية.
ج: القنابل الحارقة مثل النابالم والفوسفور والترمايت.
وإن الأسلحة الكيماوية منتشرة في العديد من الدول ونظراً لسهولة تصنيعها أو لسهولة شرائها فلقد ضمت العديد من الجيوش العربية في مخازنها أسلحة كيماوية.
وإن ما يهمنا هنا هو التركيز على القدرة الإسرائيلية في أنتاج وتخزين الأسلحة الكيماوية.
الأسلحة الكيماوية في إسرائيل :
لقد اهتمت إسرائيل بشكل علني بإنتاج وتطوير الأسلحة الكيماوية في عام 1975 حين قرر رئيس الوزراء البدء بالبحث والتطوير لإنتاج أسلحة كيماوية متطورة وللمرة الأولى يعلن وزير العلوم الإسرائيلي بتاريخ 27 تموز 1990 أن إسرائيل تمتلك أسلحة كيماوية وأنها سوف تستخدمها ضد العراق في حال تعرض إسرائيل لهجوم كيماوي عراقي.
ولا شك بأن التفوق والتقدم الإسرائيلي في مجال التصنيع الحربي لا سيما في التكنولوجيا الحربية المتطورة بدءا من صناعة الصواريخ والدبابات والطائرات والزوارق الحربية والمدافع والرادرارات المتقدمة والأسلحة الخفيفة ووسائل الإتصال هذا التقدم التكنولوجي قد جعل من صناعة الأسلحة الكيماوية مهمة سهلة حيث تم التركيز على نوعية هذا السلاح بحيث يفوق نوعية الأسلحة الكيماوية المتوفرة في الجانب العربي بل ويتفوق في كثير من الخصائص والمزايا على ترسانة ألأسلحة الكيماوية في الدول العظمى كما أن توفر المواد الخام المتمثلة بمناجم الفوسفات الغنية بالمواد الكيماوية الأساسية في جنوب إسرائيل ومناجم النحاس في منطقة تمناع والبوتاس المستخرج من البحر الميت . بالإضافة الى توفر رؤوس الأموال في إقامة العديد من المصانع والمنشآت الكيماوية . ولا شك بأن تعاون إسرائيل مع كل من الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا بالإضافة الى هولندا قد أرسى قاعدة علمية صلبة في إنتاج الصناعات الكيماوية والمواد الكيماوية الأساسية مثل كلوريد البولفين وحامض الفوسفوريك والتزوجليرين والبولي أثيلين والإتبلين . ولعل أهم الأسباب في تقدم كافة الصناعات الحربية في إسرائيل يرجع الى توفر القاعدة العلمية الكبيرة ووجود هذا الكم الهائل من العلماء والباحثين في ميادين الفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم التقنية والتكنولوجيا الحديثة فهناك أكثر من عشرة آلاف عالم بالإضافة الى عشرين ألف مهندس يعملون في المجهود الحربي والبحث والتطوير العلمي في كافة مجالات التسلح . كما تمكنت إسرائيل من أمتلاك العديد من المعامل المستخدمة في إنتاج الأسلحة الكيماوية حصلت عليها من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة في أواخر الخمسينات والستينات من القرن الماضي .
إن ما يهمنا هنا هو ثلاثة عوامل هامة أولها أن إسرائيل تحيط انتاجها الكيماوي بالسرية التامة رغم تسريب بعض المعلومات عن قصد أوغير قصد تؤكد توفر ترسانة كيماوية تضم غازات الأعصاب المستمرة والذخائر الثنائية لغاز السارين والمواد الحارقة والنابالم واليورانيوم المخفض وغازات الإعاقة وشل القدرة.
وثاني هذه العوامل التركيز على الإستخدام الميداني للذخائر الكيماوية وفقا لمعايير وحسابات فنية قمة في الدقة حسب وسائل الإستخدام . وهناك عمليات حسابية دقيقة لكمية ونوعية السموم المستخدمة عند استخدام المدفعية من عيار 155 ملم وعند استخدام الهاون 120 ملم أو عند استخدام قنابل الطائرات زنة 250 كلغم للقنبلة الواحدة أو عند استخدام الصاروخ لانس أو صاروخ أريحا -3
أما العامل الثالث فإن إسرائيل بقدر اهتمامها بتصنيع وإنتاج هذا السلاح الكيماوي فلقد اهتمت أكثر بأجهزة الوقاية وتطوير وسائل الحماية من الأسلحة الكيماوية على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي .
إن إسرائيل تدرك وتقدر كافة المخاطر التي يمكن أن تهدد أمن إسرائيل القومي في حال لجؤ الدول العربية الى الخيار الكيماوي كردع مضاد لمواجهة الإحتكار النووي الإسرائيلي ومن أجل هذا التهديد المباشر فلقد عملت إسرائيل على تطوير الأقنعة الواقية الميدانية والبدلات الواقية ووسائل الوقاية الجماعية وزادت إسرائيل من حجم وحدات الوقاية في الجيش الإسرائيلي وأنشأت نقاط للمراقبة الكيماوية في جميع منشآتها العسكرية كما قامت بتطوير وتحديث معدات الإستطلاع الكيماوي وقامت بتزويد كافة الدبابات الإسرائيلية بأنظمة وقاية وركزت القيادة الإسرائيلية على إجراء المناورات العسكرية في إطار احتمالات تعرض القوات الإسرائيلية لضربات كيماوية كما أصرت على إجراء التدريبات الشاقة والسير لمسافات طويلة مع ارتداء بدلات وتجهيزات الوقاية . كما أن إسرائيل قد توصلت من خلال معاملها إلى التوصل إلى أفضل ألأمصال والعقاقير المضادة للحرب الكيماوية.
إنه لمن المؤلم والمحزن أن نراقب الدولة الإسرائيلية وهي تزود الشعب الإسرائيلي بأحدث الأقنعة وتقوم بتوزيع أكثر من خمسة ملايين قناع كما تقوم بتوزيع الحقن والأمصال المضادة للغاز من أجل الحفاظ على استمرار جريان الدم وتنشيط الجهاز التنفسي كما قامت بزيادة إنتاجها من مهمات الوقاية الفردية والجماعية ومعدات التطهير للأفراد والمعدات والأسلحة والمباني والأراضي وبنت ملاجىء محصنة مجهزة بمهمات الوقاية ذات التقنية العالية كما زودت المستودعات الحصينة المحكمة لتخزين الأغذية والمياه بمرشحات لحمايتها من التلوث.
والسؤال الذي نطرحه بكل خجل على أنفسنا هل قامت أي دولة عربية بتوزيع أي قناع من الأقنعة الواقية على أي فرد من أبنائها وهل أجرت أي دولة عربية أي مناورة أو أي تدريبات لحماية ووقاية أبناء الشعب من أي هجوم كيماوي محتمل . هل هناك أي ملاجىء محصنة بمرشحات لحمايتها من التلوث بل هل هناك أي ملاجىء لتخزين الأغذية والمياه في حالة نشوب حرب والجواب على كل هذه التساؤلات … لا .. لا .. لا
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي