صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
كنت اتمنى لو ان هناك دواءاً يَنزع الحُب ويَزرع الكره لتناولته لينقذني من حب هذا الوطن والتعلق به . نعم اتمنى لو انني اتمكن من ان اكره وطني وان احبذ مغادرته والى الابد ، وان اتحصل على اية جنسية من اي بلد آخر مهما كانت اوضاعه شريطة توافر شرط واحدٍ وحيد هو :- ان يشفيني من الشوزيفرينيا التي اصابتني بسبب إحتراف هذا الوطن للمتناقضات .
أجزم انه لا يوجد وطن يحترف التناقض في اجراءاته كما نحن ، فبعد ان ضاع الوطن بضياع مقدراته ، لم يبقَ لدينا الا شيئاً بسيطاً من سيادة منقوصة ، قلنا لعل وعسى !؟ ولما لا !؟ فقبلنا مرغمين بهذه السيادة المنقوصة المجتزأه ، ولو على مضض ، واستصغنا ما يصدح به فنانونا ، ومطربونا وهم يتغنون بعيد الاستقلال ، واقمنا الحفلات ، بالرغم من الكورونا ، وشُح الامكانات ، حتى ترسخ لدينا ان استقلالنا مهيب ، وعظيم ومجيد ومتفرد ومتميز على مستوى دول العالم .
لا أود ان أخوض بتفاصيل الاتفاقية التي تم توقيعها مع الامريكان ، التي سُميت زوراً وبهتاناً اتفاقية دفاع مشترك . لا اود ان اخوض بتفاصيلها لسببين : اولهما : خوفاً على نفسي ، لانني اكاد ان انفجر غيضاً ، وقهراً ، وذُلاً . والسبب الثاني : لان الكثيرين تناولوها وحللوها وبهذا لن أُضيف شيئاً . لكن ما يهمني ان القي الضوء عليه :- هل من المنطق ان يتخلى وطن وبارادته عن سيادته !؟ هل يمكن ان يقبل وطن بان يجلب الدمار على نفسه !؟ هل يمكن ان يقبل وطن ان يخسر سيادته واستقلاله طواعية ، ولو انها كانت منقوصة او منزوعة الدسم !؟ هل يمكن ان نأتي (( بالنيص ونضعه في حقل الذره الذي نملكه )) !؟ كما يقول المثل (( مثل اللي بيجيب النيص لذرته )) .
نتغنى بالسيادة ، ونحتفل بالاستقلال ، ونتغنى بالمئوية الاولى ونستعد للمئوية الثانية . لكن تبين اننا نحتفل بوهم ، لا بل اوهام كثيرة . بهذه الاتفاقية تم تقديم الاردن كهبة (( هديه ما من وراها جزية )) . اتفاقية دفاع مشترك ضد من !؟ ونحن نعرف العلاقات والانسجام والانصهار بين امريكا وعدونا الأول الكيان الصهيوني كما اننا نعرف ان اغلب السياسات الامريكية يفرضها اللوبي الصهيوني (( الآيباك ))!؟ كيف لنا ان نعرف بغياب الرقابة على دخول واقامة ومغادرة الجنود الامريكان ان جنوداً للكيان قد دخلوا معهم وعاثوا فساداً ، وتخريباً ، وتهيئةً لإقامة الوطن البديل .
لا افهم هل هناك من عاقل يجلب الاستعمار لوطنه !؟
سُميت اتفاقية تعاون والتعاون يلزمه تكافؤ ، اي نوع من التكافؤ بيننا وبين الامريكان !؟ انها اتفاقية إذعانٍ ، وإذلالٍ ، وخضوع ، وخنوع ، وركوع .
اين هيبة الوطن !؟ اين كرامته !؟ اين استقلاله !؟ اين سيادته !؟
ثم اننا ندعي باننا دولة ديمقراطية !!؟؟ وهل لو ان ديمقراطيتنا حقه وليس ادعاءاً يمكن ان يتم توقيع اتفاقية الذل والعار والاحتلال وانتزاع السيادة هذه دون ان تمر على مجلس النواب !؟مع انكم فصلتم المجلس على هواكم وحددتم عدد(( البصيمة)) . اي مجلس هذا ؟ واية ديمقراطية ؟ هذه واية سيادة هذه !؟
اين ذهبت هيبة الوطن وكرامته !؟ اين ذهبت اغانينا الحماسية التي عندما نسمعها نزهو ونخال انفسنا فوق السحاب ونقتنع بان وطننا هو الاكرم ، والاعز ، والاغلى ، والاقوى وانه لا احد يجرؤ على المساس بكرامته !؟ اين وطننا الذي ضحى لاجله شهداء الوطن الابرار !؟ اذا لماذا قدموا انفسهم رخيصة لفكرة وهمية !؟
خلص بطلنا نستحي ، خلص بطلنا ( إنشم ) ، خلص طق ( عِرق ) الحياء من جباهنا المطأطأه ، خلص بطلنا دولة ، خلص بطلنا وطن النشامى ، خلص بطلنا احرار ، خلص بطلنا نغار . يا خسارتك ياوطن ، كنت الأعز ، واصبحت الأذل . أين السيادة والكرامة والاحتفال في عيد الاستقلال !؟ لو تعرفوا معنى كلمة نشمي لطأطأتم رؤوسكم ، ولتمنيتم ان تتساموا كيميائياً — والتسامي هنا لا يعني الرِفعة ، لأن الرفعة تترفع عنكم — بل تمني الإختفاء السريع من على وجه البسيطة خزياً وعاراً .
كيف قبلتم ان يدخل الامريكان بدون جوازات سفر ودون ان يُسألوا عن اثباتاتهم الشخصية ، وكيف يتم اعفائهم من الضرائب والرسوم ، وكيف يحق لهم ان يصولون ويجولون في الوطن من ادناه الى اقصاه بدون سؤال (( لا شاهي ولا ناهي )) ، كيف تسمحوا ان تتم محاكمة من ارتكب جرماً بحق اردني ان تتم محاكمته في امريكا !؟ كيف تفتحوا لهم ابواب الوطن مشرعة وتضيّقوا على الاردني في كل شيء !؟ ما الذي دفعكم للتوقيع على اذلال الوطن وامتهان كرامة المواطن !؟ الذين وقعوا على اتفاقية الذل والعار هذه : اليس لديهم عروق حياء !؟ الا يجري في عروقهم دم الوطنية والعروبة !؟ منهم هم !؟ وما هي غاياتهم !؟ واين شبّْوا وترعروا على إستمراء الذل !؟ هل هم عبيد !؟ لانه من المستحيل ان يكونوا احراراً . هل هم من ابناء جِلدتنا !؟ هل لديهم غِيرة !؟ هل هم بشر ، أم روبوتات يؤمرون فينفذون !؟ من هم !؟ كيف اكتسبوا اردنيتكم !؟ هل سمعتم باحد ابطال معركة الكرامة الذي امر زملائه ان يقصفوا موقعه ليستشهد هو وزملائه حتى لا يقعوا اسرى بيد جيش العدو ، تصوروا انهم فضلوا الشهادة على الأسر !؟ هل سمعتم بأسماء الشهداء الابطال :- معاذ الكساسبة / راشد الزيود / سائد المعايطه/ محمد ضيف الله الهباهبه / فراس العجلوني ، هل سمعتم ب/ وصفي التل / وحابس المجالي ، هل سمعتم ب / كليب الشريده / وحسين الطراونه ، وهل ، وهل !؟
باتفاقية الدفاع المشترك هذه هل يمكن ان تحمينا امريكا وتدافع عنا فيما لو غدر بنا الكيان الصهيوني !؟ وانتم تعلمون ان الطائرات الحربية الامريكية التي تُباع للدول العربية لا تظهر على شاشات راداراتها فلسطين المحتلة وتتعطل الاجهزة عندما تكون وجهة الطائرة الى الاراضي المحتلة حماية للكيان من اي تفكير لقصفه من اي طيار عربي متحمس غيور !؟ تصوروا انهم يبرمجون الطائرات ويُفقدونها قدرة قصف او حتى الطيران فوق الاراضي المحتلة ، هل تعلمون هذا !؟
سنصبح مستعمرة امريكية ، طواعيةً ، لعيون الامريكان ، ولاجلهم تهون كرامة الاوطان والانسان ، وتنازلنا عن طيب خاطر عن كرامتنا واستقلالنا الذي كنّا نَزعُم . وين اللي بدنا إنطُقهم على خشومهم لو تعدوا على الوطن !؟ وين اغانينا الحماسية : وين بيرقنا العالي / وين لعيونك يا اردن / وين تبرق وترعد / وين دقوا للاردن تحية يالنشمي ويالنشمية / وين ثوب العزً والفخار / … وين وين وين . تأكدت اننا نمور نعم ، لكن من ورق . وأختم وانا كسير النفس ببيتين من الشِعر :-
والذل اصعب ما يكون على الذي / رضع الإباء مع الحليب الطاهرِ .
وأقول أيضاً :-
يا ضَيعةَ الوَطَنْ الذي أنصَارَهُ / قومٌ يَرونَ النصرَ بالخُذلانِ .