صراحة نيوز – بقلم د. محمد أبو رمان
شدّ اهتمامي وانتباهي، قبل أشهر قليلة، من خلال متابعتي الحراك والنشاط الشبابي الأردني، مصطلح “البناء المنهجي”، الذي كان يضعه عشرات الشباب الأردني، ذكوراً وإناثاً، ضمن خانات التعريف بهم، مشاركين أو أعضاءً في هذا المجال. ثم تبيّن لي، من خلال السؤال والاستفسار والمتابعة، أنّنا لا نتحدث عن عشرات، بل عشرات الآلاف من الشباب العربي، ممن يشاركون في هذا النشاط المجتمعي – الديني – التعليمي، الذي أسّسه شاب سعودي، أحمد بن يوسف السيد.
استقطب هذا البرنامج عشرات الآلاف، وكان إحدى الظواهر التي رصدها الباحث والناشط السياسي الشاب المهندس، محمد أمين عسّاف، في ورقته المهمة التي ستُشهَر الأسبوع المقبل، من خلال معهد السياسة والمجتمع في عمّان، بعنوان “الإخوان المسلمون في الأردن: اضطرابات الداخل في ظل فجوة الأجيال وتجاوز الأطر التنظيمية”. وتتمثل الثيمة الرئيسية للورقة في أنّ الأطر التنظيمية التقليدية، مثل الإخوان المسلمين، لم تعد قادرةً اليوم على استيعاب طموحات الجيل الإسلامي الجديد، وأفكاره وتنوّعه، الذي أخذ يبحث عن مجالاتٍ ومساحاتٍ أخرى في الفضاء العام، ويجد فرصاً أكثر ومساراتٍ مؤثرة أقوى وأعمّ.
وإذا كان البناء المنهجي إحدى هذه الظواهر، فهنالك ظواهر وأمثلة أخرى يشير إليها عسّاف في ورقته، وجزء منها مهتمٌّ بدرجة كبيرة في المجالات، التعليمي والمعرفي والتثقيفي، التي تتجاوز اللغة الأيديولوجية المعلّبة التقليدية لدى الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى، ويذهب نحو السؤال المعرفي بانفتاح ومرونة أكثر، ويقبل على دراسات وقراءاتٍ غير تقليدية لديهم عندما كانوا في الإخوان المسلمين، أو يتجهون (الجيل الجديد) إلى أنشطة مجتمعية تطوعية، بعيداً عن الاستقطابات والصراعات السياسية.
تؤسس الورقة لما سمّاها عسّاف ظاهرة “إخوان الإخوان”، أو الفضاء العام الملتزم دينياً، عبر تتبّع مسار التحولات داخل جماعة الإخوان المسلمين، وصولاً إلى منع الجماعة الأمّ وحظرها قانونياً، ما أدّى إلى انتقال آلاف الشباب من الجماعة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي، ما أدّى بدوره، كما يرى عساف، إلى انتقال هيمنة “اليمين الإخواني” (تيار الصقور بحسب التسمية السابقة) على الحزب، بينما انقلب الأمر وسيطر الوسطيون على الجماعة، وهنا يرصد عسّاف، بذكاء، انتهاء حقبة التصنيفات التقليدية في جماعة الإخوان (صقور وحمائم وغيرهما) وبروز تياراتٍ جديدةٍ ذات طابع مختلف، بعدما حدث من انشقاقاتٍ أدت إلى ولادة حزبي زمزم والشراكة والإنقاذ، وبروز ما تسمّى “حركات ما بعد الإسلام السياسي في الأردن”.
ثمّة تحولات بنيوية مهمة يرصدها عسّاف في ما يتعلق بـ”الداخل الإخواني”، منها ما سمّيت فجوة الأجيال، وبروز جيل جديد متأثر بالربيع العربي، ومشتبك مع الأوضاع العامة بصورة مختلفة، مع تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع المشهد الإسلامي إلى حالةٍ من السيولة، والانتقال إلى أنشطة ومشروعات وبرامج متنوعة.
يضع عسّاف جملة من النتائج والخلاصات، تؤطّر التحول في مفاهيم وقيم وأفكار رئيسية لدى جيل الشباب الإسلامي الجديد، منها تطوّر أدوات الشباب الإسلامي ومهاراته، منها التغير في الصورة النمطية التي كانت ترى البطل هو القيادي الإسلامي الذي يواجه الدولة و”السيستم” ويصعّد في الخطاب إلى تصوّر جديد يقوم على تعريف الكفاءة القيادية بـ”الحفاظ على المكتسبات وشقّ الطريق نحو المشاركة الفاعلة في صنع القرار وتعزيز الديمقراطية وعقد التفاهمات التي تؤدّي إلى تحقيق تقدم سياسي”.
ينهي عسّاف ورقته بمناقشة التساؤل، فيما لو تغيرت العلاقة بين الدولة والجماعة (الإخوان)، التي وصلت إلى حدّ القطيعة، وحدث انفراج، هل سيعيد ذلك الزخم إلى الإخوان، ويعزّز من قدرتها على استيعاب جيل الشباب مرة أخرى، ويصل إلى نتيجة أن الفاعلية السياسية لدى جيل الشباب صارت تنزاح نحو مناهج وأدوات وأنماط تبتعد عن الهرمية أو الصيغ التقليدية، فـ”العملية الهيكلية للعمل السياسي، على العموم، باتت اليوم تخضع لعملية تحديث وتطوير واسعة”.