نيوز – بقلم موسى العدوان
بمناسبة إعلان بعض الدول الخليجية عن سحب اعتمادها لعدد من الجامعات الأردنية، فأرغب التذكير بمقال كتبته في أواخر عام 2016 ردا على تغريدة الملكة، منتقدا به السياسة التعليمية في الدولة. ورغم ارتكاب الأخطاء في ممارسة نشاطات التعليم بشكل عام، مثل : رفع الرسوم في المدارس والجامعات الخاصة والعامة، والاتجار بالشهادات، أو تقليص المدد الزمنية لمنح الشهادات الجامعية، أو تخفيض علامة القبول في الجامعات، أو الدراسة في مكاتب الملحقين الثقافيين، كانت ظاهرة للعيان.
إلا أن المسئولين لم يتخذوا الإجراءات اللازمة لتصحيحها، إلى أن تردى التعليم فوقع المحذور، ووصلنا لهذه النتيجة المسيئة والمحزنة، والتي سيكون لها تبعاتها المختلفة على هذا القطاع الهام. وبأدناه أعادة لبعض ما جاء في ذلك المقال، لمن يحب الاطلاع.
التاريخ : 8 / 7 / 2019
* * *
تراجع التعليم في تغريدة الملكة
موسى العدوان
أطلقت جلالة الملكة رانيا العبد الله تغريدة عبر صفحتها على الفيس بوك، حول خيبة أملها من مخرجات الخطط التعليمة، ختمتها بالعبارة التالية وأقتبس:
” فلتكن هذه النتائج، رغم خيبة أملنا، حافزا وحتى تزيد من إصرارنا على أولوية التعليم. تقاذف المسؤولية ليس حلا . . الحل يكمن في المضي معا بعملية تطوير متكاملة، عناصرها سياسات التعليم والمدرسة والمعلم والمنهاج والأهالي . . . لذا أدعو كل فرد في المجتمع لأن يكون جزءا من الحل. فلكل منا دور وعلى كل منا مسؤولية “. انتهى الاقتباس.
وبما أنني أحد المواطنين في هذا المجتمع الذين طلبت منهم الملكة أن يكونوا جزءا من الحل وتحمل المسؤولية، فأجد من واجبي أن أستجيب لجلالتها وأدلي برأيي في هذا المجال، لعلمي بأن جلالتها ترحب بالحوار وتتقبل الرأي والرأي الآخر.
فمن المعروف أن العلم هو السبيل لتقدم الأمم والجهل هو السبيل لتخلفها. وهنا لابد من الإشارة إلى أن ديننا الحنيف حث على العلم والقراءة، حيث كانت أول سورة من القرآن الكريم نزلت على الرسول ( ص ) هي ” سورة اقرأ “. وما تطرقت له الملكة في تغريدتها هو موضوع خطير، يلقي بظلاله على مستقبل أجيالنا الحالية واللاحقة، وينعكس بالتالي على نهضة الوطن إيجابا إذا أحسن استغلاله.
وقبل النظر في حل أي معضلة ( أو خيبة أمل )، لابد من البحث عن أسبابها، ومعرفة الحيثيات والأساليب التي تم إتّباعها، وأدت مخرجاتها إلى تلك النتائج المحبطة، في مسيرة الوطن ومستقبل أبنائه. ويجب أن يكون الهدف منها، أخذ الدروس والعبر لتصحيحها وتجنب الوقوع بمثلها في المستقبل.
فعند المقارنة مع الدول التي كانت فيها نسبة الأمية أعلى من الأردن بدرجات قبل بضعة عقود، نجد أن تلك الدول انتهجت خططا تعليمية فعّالة، نقلتها من التخلف إلى التقدم وأصبحت في طليعة الدول الصناعية خلال فترة قصيرة. ومن أبرزها دول جنوب شرق آسيا ( ماليزيا، كوريا الجنوبية، اليابان، سنغافورة ). وبالمقابل وضع جهابذة التخطيط التربوي لدينا خططا من بينها ما يلي :
1. خطة المسارات التسعة بعد الثانوية ( علمي، أدبي، معلوماتي، صحي، شرعي، صناعي، زراعي، الخ … ، ثم جرى تحويلها فيما بعد إلى مسارات ثلاث فقط ( علمي، أدبي، ومهني )، ولكنها باءت بالفشل جميعها.
2. خطة وزير التربية والتعليم الأسبق خالد طوقان، الذي كان قد أدخل أنظمة الحاسوب إلى المدارس دون توفر أساسياتها، وبقيت في معظمها مخزونة في المستودعات المدرسية دون استعمال. ثم اتخذ قرارا تجهيليا ألغى من خلاله رسوب الطلاب في المراحل الابتدائية، وأصبح تدريس الأطفال يبدأ بالصورة والكلمة لا بالحرف، الذي هو المكوّن الأساسي للكلمة. فأنتجت هذه القرارات 22 ألف طالب أمي في الصف الثالث الابتدائي، في مختلف مدارس المملكة لا يقرأون حرفا واحدا.
3. مبادرة مدرستي التي أطلقت عام 2008، بهدف تحسين بيئة التعليم من الناحيتين المادية والتعليمية في المدارس الحكومية، وخاصة في المدارس الأقل حظا. فأين مخرجاتها في تحسين التعليم، بعد ثماني سنوات من إطلاقها ؟ ولماذا غاب ذكرها في التصريحات الرسمية ؟ ثم أين جمعية جائزة الملكة رانيا للتميز التربوي ؟
الفشل في التعليم كان واضحا منذ سنوات، ليس في المواد العلمية فحسب، بل في اللغة العربية والتاريخ وغيرهما. ولكننا دفنا رؤوسنا في الرمال، وأقنعنا أنفسنا زورا بأن التعليم لدينا بمستوى جيد. ولتأكيد ذلك فإنني سأستشهد بأقوال الوزير، الذي يتربع حاليا على رأس وزارة التربية والتعليم:
بتاريخ 8 / 3 / 2013 صرح وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ذنيبات: ” بأن مسار ( الإدارة المعلوماتية ) الذي كان قد أقرّ في عهد الوزير خالد طوقان لا يعلّم الطالب شيئا، ولا يوائم متطلبات سوق العمل، كما لا يفيد الطالب في دراسته الجامعية، وأن المنهاج فيه نواقص ويركز على مهارات قليلة الأهمية، وليست معارف تهم الطالب. كما أن عددا من طلبة المعلوماتية يتعثرون في دراستهم الجامعية “.
ثم شخّص الوزير ذنيبات في حينه أسباب تراجع قطاع التربية، حيث قال: ” إنها تمتد لعشر سنوات سابقة، أي منذ تسلم خالد طوقان حقيبة التربية والتعليم من عام 2000 – 2007، من خلال دخول الأهواء في اتخاذ القرارات، والبعد عن الميدان التربوي، والاجتهادات غير المبنية على دراسات، والتغيير السريع للوزراء، وغياب المؤسسية “.
الوزير ذنيبات، يدّعي أنه اطّلع على تجارب دول أخرى مثل : فنلندا، سنغافورة، اليابان، وكوريا الجنوبية، وخرج بخطة جديدة لإصلاح التعليم تمتد حتى عام 2025. فهل علينا أن ننتظر حتى ذلك الموعد، دون أن نعرف النجاح المبدئي لتلك الخطة، ليخبرنا معاليه بعد 8 سنوات، إن كانت خطته قد حققت أهدافها أم فشلت بها ؟
تقول الملكة أن عناصر تطوير العملية التعليمية هي: سياسات التعليم، والمدرسة، والمعلم، والمنهاج، والأهالي، وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه. ولكن المسؤولية الرئيسية في المحاور الأربعة الأولى، تقع على عاتق الحكومة، لأنها هي من تضع سياسة التعليم، وهي من تبني المدارس وتزودها بالوسائل التدريسية ووسائل الراحة الضرورية، وهي من تهيئ المعلم الكفء وتدفع له راتبه، وهي من تقرر المناهج وتعدلها على مزاجها، كما حدث في الآونة الأخيرة. أما الأهالي فعليهم التعاون ومراقبة وتوجيه أبنائهم لما ينفع مستقبلهم. وبهذه المناسبة أحب أن أروي القصة التالية:
فشل التعليم في رأيي يكمن بشكل رئيسي في السياسة التعليمية الحكومية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تنجح الخطط التعليمية الحكومية في معظم الدول ولا تنجح عندنا ؟ يبدو أن أهم سبب لهذا الفشل، يكمن في من يضعون السياسات التعليمية دون خبرة عملية لهم بها، خاصة إذا كان بعضهم يحملون تخصصات أخرى لا تمت للتعليم بصلة، فتخرج خططهم نظرية غير قابلة للتطبيق.
لا شك بأن التعليم في المراحل الابتدائية يحظى بأهمية كبيرة، لأنه يشكل القاعدة الأساسية للمراحل الثانوية اللاحقة. فالدول التي نجحت في سياساتها التعليمية، كانت تؤكد على أن المعلم الذي يدرّس الصفوف الابتدائية، يجب أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولى، إضافة لاشتراكه بدورة مدتها أربع سنوات يتعلم خلالها أساليب التدريس الناجعة.
إن الخطأ الكبير في خطط التعليم وغيرها من الخطط الحكومية الأخرى هو، أن لا رقابة ولا متابعة لتلك الخطط، وكذلك لا محاسبة لمن يضع خططا فاشلة، لاسيما وأن نتائجها السالبة لا تظهر إلاّ بعد سنوات،. وكذلك لم يحاسب وبأثر رجعي من خرّب التعليم ودمّر أجيال المستقبل، بل نطبق مقولة عفا الله عما مضى ؟
على الحكومة التي تسعى للنهضة والتقدم، أن تقتفي أثر دول جنوب شرق آسيا في سياسة التعليم . فقد آن الأوان لوضع الخطط والبرامج المستقبلية بعد دراسة دقيقة، ومن ثم متابعتها على مراحل تتناسب مع تقدم تلك الخطط. ولابد من محاسبة كل مقصّر بواجبه مهما كان موقعة، حتى وإن كان ذلك بأثر رجعي، تطبيقا لمبدأ تلازم السلطة مع المسؤولية، لكي ننهض ببلدنا إلى مستوى الدول المتقدمة، وأن لا نطلب شفاء الجواد بالدعاء فقط . . فقليل من القطران مع الدعاء، يشفي الجواد العليل . . !