صراحة نيوز بقلم منذر ابو الهواش
لقد جاء موقف الحكومة الرومانية بنقل سفارتها إلى القدس إقتداء بالسفارة الأمريكية بشكل وسرعة وظرف زماني غير متوقع ؛ خاصة في ظل الظروف الدولية المعقدة المترقبة للقادم ولما ستتمخض عنه ما يسمى بصفقة القرن، جاء ذالك إبان ما صرحت به رئيسة الوزراء الرومانية فيوريكا دانسيلا أثناء مشاركتها في مؤتمر الإيباك في العاصمة الأمريكية واشنطن أن بلادها تعتزم نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل .
ورداً على هذا القرار لم يكن إعلان الديوان الملكي العامر بإلغاء زيارة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى بوخارست الرومانية مستغرباً، وذالك لأن حتمية الأمانة الملقاة على عاتق الهاشميين في وصايتهم على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية تفرض نفسها، هذه الوصاية لم تكن وليدة الأمس وإنما هي وصاية دينية تاريخية شرعية بامتياز .
دينية إسلامية ومسيحية، دينية إسلامية لما يحظى به الهاشميين من شرف النسب إلى رسول الله وشرف خدمة الإسلام والمسلمين على الدوام، ودينية مسيحية لما يحظى به الهاشميين من احترام ووقار وضمان توازن ديني واجتماعي لدى أتباع الديانة المسيحية على مر العصور .
تاريخية أصيلة ومعاصرة، تاريخية أصيلة بعيدة وضاربة في عمق التاريخ لأنها تعود إلى قرونٍ خلت كانت وصاية القدس فيها للهاشميين، وتاريخية معاصرة قريبة لما حظي به الشريف الحسين بن علي رحمه الله وأبنائه من مكانة عربية وإسلامية كزعيم للثورة العربية الكبرى وملك للعرب .
شرعية دولية وأممية وشعبية، شرعية دولية لما حظيت به الوصاية من مكانة عالمية ؛ ولما ترسخ في الاتفاقيات الدولية والأمم المتحدة، وشرعية أممية لما عهدت به الأمتين العربية والإسلامية عبر العديد من المؤتمرات والمواثيق، وشرعية شعبية لما يؤكد به الشعبين الأساسيين في القضية ؛ الشعب الفلسطيني والشعب الأردني للهاشميين من وصاية على المقدسات .
جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين لا يكل من التأكيد دائماً على ثبات موقفه من القضية الفلسطينية والمقدسية، فلا يكاد يخلو حديث أو خطاب له إلا ويحمل رسائل واضحة للجميع وعلى كافة الأصعدة .
وما رأيناه من تحرك دولي لجلالة الملك ليقوم بدورٍ جلي وفق وصايته الهاشمية إبان قرار الرئيس الأمريكي نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس كان واضحاً وحمل معه النتائج الكبيرة، وما جاء اليوم من قرار لإلغاء زيارة جلالة الملك إلى رومانية يأتي إكمالا لمسيرة بدأها في ذالك الوقت، ويأتي رسالة دولية مفادها أننا لم ولن نتراجع عن موقفنا تجاه القدس، ويأتي رسالة شعبية أننا لا بد أن نضحي ونبذل مقابل موقفنا، وأنه مهما زادت الضغوط فإننا ثابتون على مبادئنا وأمانتنا .
الأردن الذي يدفع ضريبة مواقفه ومبادئه بضغوط اقتصادية لا تخفى على أحد، كانت هذه الزيارة إحدى الزيارات الاقتصادية المخطط لها بعناية مسبقاً، حيث كان من المفترض أن توقع الحكومتين الأردنية والرومانية اتفاقية ومذكرتي تفاهم وبرنامج عمل في عدد من المجالات وتنظيم ملتقى للأعمال يجمع ممثلين عن القطاع الخاص في البلدين والمشاركة في اجتماعات العقبة التي كان من المفترض أن تستضيفها رومانية بالشراكة مع الأردن، ومع كل ذالك فإن صاحب الجلالة آثر أن ينتصر للقدس ويلغي الزيارة .
ولقد رأينا جلياً كيف أثر موقف جلالة الملك في الداخل الرماني، فقد نقلت «سي أن أن» بيان هاجم فيه الرئيس الروماني كلاوس جوهانيس رئيسة وزرائه فيوريكا دانسيلا على قرار نقل السفارة إلى القدس، لافتاً أنها أظهرت مجددا جهلها بالشؤون الخارجية، وأنه لا يرى أي نوع من الحكمة في نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، مؤكداً أن قرار نقل السفارة بيده هو فقط كرئيس لرومانية وليس بيد رئيسة الوزراء .
وبدورنا فإننا نقول لصاحب الجلالة صاحب الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات، أن سر يا جلالة الملك ونحن من خلفك ماضون، سر يا جلالة الملك وأبناؤنا رصاص في سلاحك جاهزون .