صراحة نيوز – كتب باسل رفايعة على صفحته
يعترفُ الدكتور عمر الرزاز، على نحوٍ صريح، بأنه ينتمي إلينا، إلى الأردنيين الذين يحتفلون حينَ يتعيَّن متصِّرفٌ منهم، ولا يأبهون لفتاةٍ حصلت على الدكتوراه في الفيزياء، وصممت مكوكاً إلى المريخ. إلى الأردنيين الذين تكبرُ “قحمتهم” باللغة، وتصغرُ بالفعل. إلى لهجتنا المنفوخة، المتنمرة، فقيرةِ الدلالة، وضئيلةِ المعرفة. إلى عشقنا الأبدي للألقاب والغرور وخيلاء ديك الحبش.
يقولُ “دولته” أخيراً، وهو تخرجَ في جامعة هارفرد، إن حكومته “لنْ تتسامحَ مع المشككين بأعداد إصابات (فيروس) كورونا محلياً”، فأشكرهُ أولاً على هذا الاعتراف، وعلى هذه اللغة، إذْ “طوبي لمن لا يتوقعُ شيئاً، لأنّ أمله لن يخيب”، وأشكرهُ ثانياً، لأنه أردنيٌّ حقيقي، والأردنيُّ حين يعتلي منصباً ينسى كلّ ما سبق. ينسى إرثه العائلي، ومنيف الرزاز، ومؤنس الرزاز، والكتب التي قرأها، وهارفرد، وجبل اللويبدة، حيث نشأ “دولةُ” الرئيس، قريباً من “ملحمة ومشاوي وهبة”، وأشكره ثالثاً، لأنه علمني كمهاجر مقيم في الولايات المتحدة أنْ أُدربَ حنيني إلى البلاد على الأسى، وأُمارسَ تمارين الخيبة، كل يوم. كل يوم. إي والله.
1. أنا أُشكِّكُ بأرقام كورونا في الأردن، ومصدرُ الشك انعدام الثقة بالحكومة. وللدقة، بالدولة كلها. فليس لديَّ سببٌ يقنعني بأنّ أوامر الدفاع والطوارئ مرتبطة بأكثر من ألف إصابة، بما يقل عن أقل قرية في أي دولة في العالم. ومع ذلك يتحدث “دولة” الرئيس و”معالي” الوزراء بهذا التهديد والوعيد، وأستطيعُ، مثل أي بائع خضار في الحسبة المركزية (مع بالغ الاحترام) تحليل الأسباب المتعلقة بالمنطقة، وبالاقتصاد، وبالتنافس بين الفيل والحمار في واشنطن … إلخ.
2. أنا أُشكِّكُ بأرقام كورونا، وبالولاية العامة لـ”دولة” الرئيس، وأُحاجج بقضية المعلمين وحدها. شأني، شأن بائع الخضار، وصاحب الدكان المقابل لملحمة ومشاوي وهبة، ولدي/لدينا، ما يكفي من دفوع، يُمكنُ دفعها بالشكِّ والتشكيك، أيضاً، دونَ أنْ نحاسبَ أحداً، أو نتوعدَ أحداً.
3. الشكُّ والتشكيكُ ينطويان على موقفٍ ومشاعر. ويناقضهما اليقين، ولا يُمكنُ محاسبةُ إنسان على مشاعره في العام 2020 بعد الميلاد، ومن المضحك المبكي أنك تتهدد بـ”عدم التساهل” مع إنسان يشك. إذا كانَ لا بُدَّ من محاسبة، فعلى اليقين، وذلك حتى تطمئن أنّ البلادَ ضيقةٌ حتى على الشعور، كما هي أضيقُ على الخبز، والأمل، وحتى يرتاح الأخ رينيه ديكارت في قبره.
4. قلتَ يا دولةَ الرئيس، ولم أضعْ دولتكَ بين مزدوجين، حتى تكون سعيداً باللقب، وأقسم أنّ خريجاً من هارفرد لا يحتاجه أبداً، إلا في بلادٍ، مثل بلادنا. وهنا مربطُ الفرس يا دولةَ الرئيس. هنا مربطُ اللغة إلى مِدْواد. وأزيدُ أنك بتعبير “لن نتساهل”، تكون على الطريق الصحيحة، لتتحول إلى شخصية “يوسف” في رواية شقيقك الراحل العذب مؤنس الرزاز “اعترافات كاتم صوت”، وهي لغةٌ بعثية تزدحمُ برطوبة الخشب تحت المطر، وتنشفُ سريعاً تحت ضوء الشمس، وتصبح هشيماً، لأقرب نار، وعوضاً عن مسدس يوسف، لديكَ “قانون”، بين مزدوجين، ويكتمُ صوتَ الناس بين فكّين.
5. خذني مثالًا، أرجوك. أنا أُكرِّرُ التشكيك بأرقام كورونا، وبولايتك العامة، ولا أطالبكَ أنْ تحذو حذوَ عون الخصاونة، وتذهبَ إلى بيتك، إلى جوار ملحمة ومشاوي وهبة في اللويبدة. ولكنني مجرد مواطن مهاجر يشكُّ، ويشكِّكُ، فماذا بوسعكَ أنْ تفعل لي، سوى أنْ تهدرَ مزيداً من المال العام، بتحويلي إلى القضاء، وتوجيه تهمة “إطالة اللسان إلى كورونا” أو “التحريض على تقويض مش عارف شو” و.. كل التهم الكوميدية ما غيرها!..وينهمكُ المدعي العام، والمحافظ، والشرطة، والمحامون، ووساطات تكفيلي، بعد القبض عليَّ في المطار بتهمة “التشكيك بكورونا”، فما بالك لو أنَّ التهمة تتعلقُ باليقين!
6. سمعتُ أنَّ جون أوليفر، يُعدُّ حلقةً عن المعلمين، والنقابة، والأكاديمية، وكورونا بنسختها الأردنية.. و.. و .. وجاريد كوشنر، ومَنْ يعزفون معه في عمّان. أرجو من دولتكَ “ألا تتساهل” معه، فهو مُشكِّكٌ كبير، ومُحرِّضٌ لا يردعه ترامب أبو ندهتين نفسه. وهذا شأنٌ يتعلقُ بهيبة الدولة، وجون أوليفر، كما تعلم، صاحبُ أطول لسان في العالم، ولا تعنيه أيَّةُ هيبةٍ، تنحني في “أرلينغتون” قرب دي سي، وتتعطنزُ على أهل حوارة وعيرا ودلاغة. أي والله.
دولةَ الرئيس:
قلتَ في تغريدةٍ شائعةٍ ومتداولة: “دعوني أنتمي إلى القلة التي ينتمي لها عرار وتيسير سبول…. “. وذلك قبلَ إصابتك بمتلازمة المنصب الأردني، ولا تثريبَ عليك. فقط. أناشدكَ أنْ تنتمي إلى “الكثرة التي ينتمي إليها سلامة حماد”، وقد اخترته وزيراً بـ”محض إرادتك” ودون “تعليمات من أي جهة”.. ولا أُشكِّكُ بذلك، لا سمحَ الله، ومَنْ أنا لأفعل. ولكنْ .. حتى سلامة حماد لَمْ يقلْ ما قلته دولتكَ، فاسلم من كلِّ مكروة، أنتَ والبلاد التي لم يعدْ يسلمُ فيها مواطنٌ، لمجرد أنه يشكّك بفيروس “ينشف ويموت”..