وقع الأردنيون بين فكيّ كماشة: النخب التي تجلس على مقاعد المسؤولية تتهمهم بالسوداوية، والانغماس باليأس، والابتعاد عن الفعالية والإيجابية، فيما تراهم النخب التي تتصدي للمطالبة بالإصلاح، وترفع لافتة المعارضة، مجتمعا مستسلما لقدره، وعاجزا عن الحركة، “وطيبا” بما يكفي لتجاهله، وعدم أخذ مطالبه على محمل الجد والاهتمام. كلا التصنيفين يتجاوزان الإجابة على سؤال مهم، هو: ماذا حدث للأردنيين؟ لا أقصد بالطبع سمات الشخصية الأردنية التي لم تحظَ بأي دراسة علمية، كما حظيت الشخصية المصرية والعراقية والعربية عموما، ولا أقصد، أيضا، ما يتمتع به الأردنيون من طبائع وتقاليد، وربما كرامات، أفرزت ما شهدناه من إنجازات جماعية أو فردية، ساعة الأزمات والحروب، أو في أعوام الرخاء والازدهار. الإجابة على سؤال ماذا حدث للأردنيين، تستدعي التذكير بالتحولات السياسية والاقتصادية والثقافية، التي تسببت بما وصلنا إليه من حالة صعبة، كما تستدعي الإشارة للطبقة السياسية التي تولت المسؤولية، وما وقعت به من أخطاء، تطورت لأزمات وخيبات، ثم تراكمت على شكل انسدادات واحتقانات، تستدعي التذكير، ثالثا، بما حصل من اختراقات لمنظومة القيم والأخلاق من قبل مؤسسات الدفع والتمويل الأجنبية، التي وجدت من يتحدث باسمها في بلادنا، ويضرب بسوطها أيضا. قبل أن نلوم الأردنيين، يفترض أن نلوم من أوصلهم الى هذه النتيجة، وقبل أن نطالبهم بالخروج من “السواد العام”، أو المشاركة بالعمل العام، أو تجاوز الصمت والاستسلام والنضال “الافتراضي”، يجب أن نفهم حالتهم، وأن نعترف بتقصيرنا – كنخب تنظّر عليهم – تجاههم، وللإنصاف تحمل الأردنيون، خلال السنوات الماضية على الأقل، ما لم يتحمله أي شعب آخر، فقد صبروا على واقعهم ومعاناتهم، وتحملوا خطأ حكوماتهم، وتسامحوا مع الفاسدين الذين مدوا لهم ألسنتهم، كل ذلك لحماية بلدهم من الفوضى، والدفاع عن دولتهم من العبث الذي يستهدفها. لا يعرف الذين يتهمون الأردنيين بالعجز أحيانا، وبالسلبية أحيانا أخرى، أن أمننا الاجتماعي في خطر، وأن صورة مجتمعنا تبدو بائسة جدا، خذ، مثلا، لدينا نحو مليون شخص مجرم (دراسة وزارة العدل 2013-2019)، 80 ٪، منهم من الذكور، أغلبهم متزوجون، تكرر دخول 50 ٪، منهم للسجون بسبب عدم وجود فرص عمل أو بسبب رفض المجتمع لهم، خذ، ثانيا، لدينا نحو (2) مليون أردني يعانون من الاضطرابات النفسية، وربما زاد عددهم بسبب “كورونا” وإجراءاتها وكوارثها، خذ، ثالثا، لدينا نحو 13 ٪، ( إحصائيات 2015) من الأردنيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لدينا، رابعا، أكثر من 20 ألف شخص يتعاطون المخدرات، وتم ضبطهم بأكثر من 32 ألف قضية، وتبلغ النسبة الكلية لانتشار المخدرات في البيئات المجتمعية 21 ٪،، احتلت المدارس منها 13 ٪. إذا كانت حالة المجتمع في الصحة النفسية على هذه الحالة، فإن الصحة الجسدية تبدو أسوأ أيضا، خذ أعداد المصابين بالضغط والسكري والعجز الجنسي والجلطة والسرطان.. الخ، ستجد أن وضع الأردنيين صحيا لا يختلف عن أوضاعهم الاقتصادية والتعليمية والسياسية، السؤال: كيف يمكن لمجتمع على هذه الحالة أن يخرج من الاكتئاب واليأس، وأن يشارك بالحياة العامة والانتخابات والأحزاب؟ ثم وهذا الأهم: من أوصل الأردنيين لذلك؟ أليس غياب العدالة والحرية والاختناقات السياسية والاقتصادية هي السبب؟ يا سادة، أمننا الاجتماعي في خطر، أرجوكم لا تزيّنوا الصورة، ولا تخدعوا أنفسكم بأجوبة غير صحيحة، نحن بحاجة لدراسة الملف الاجتماعي والملف الديني والثقافي والتعليمي، لنعرف حقيقة ما حدث للأردنيين، وما دفعهم للانكفاء على أنفسهم، والاستسلام لواقعهم والالتزام بالصمت، وعدم القدرة على العمل والحركة والإنجاز، هذا قبل أن نطالبهم بأي شيء، فإذا عرف السبب بطل العجب.