صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
من غير المستغرب أن يرث الأبناء شركات واعمال ومهن الآباء لكن الملفت ان يرث البعض مواقع الآباء والأشقاء في الحكومات والمؤسسات والدوائر وحتى في اكشاك الخدمة وبوفيهات الدوائر الحكومية. في بعض الأسر أصبح كل الأشقاء وزراء وفي أخرى انقسمت الاسرة إلى جنرالات ومحافظين واليوم تنتقل العدوى إلى المؤسسة التشريعية فلماذا عادت الظاهرة التي اعتقدنا اننا تخلصنا منها منذ 1989.
الأردنيون يستعدون للانتخابات القادمة. في الكثير من البلدات والقرى تجاوز الناس التقاليد التي كانت تحظر على غير اولاد الشيوخ المنافسة على المقاعد الانتخابية فأفرزت الكثير من الدوائر أشخاصا عصاميين حظوا باحترام مجتمعاتهم وتقديرها وأدوا أداء مقبولا.
المشكلة في بعض هؤلاء النواب التصاقهم بالمواقع واتجاههم نحو إعادة انتاج نظام التوريث فالبعض سيتنازل لحساب اشقائه او ابنائه فقط. في الزمن السالف كان ذلك مقبولا اما اليوم فهو يعكس صورة بغيضة لأشخاص طالما اشبعونا خطبا وهم يناضلون للوصول إلى ما وصلوا اليه. اليوم نجد هؤلاء الاشخاص أشد حماسا أمام ما قاله داروين ونيتشه معتبرين انهم سلالات مميزة تنتج أناسا من اصناف لا يرقى لها غيرهم.
الكثير من الناس يعيشون صدمة رفض الاشخاص التنازل عن المواقع التي انتخبوا لها متمسكين بحق التوريث ورافضين الاعتراف لغيرهم بحق التنافس والانتقال معا إلى الحالة التي يتساوى فيها الجميع في فرص تولي المواقع العامة .
لا يجد الآباء والآمهات الذين بذلوا ما في وسعهم لتعليم وتنشئة ابنائهم ورعاية سعيهم لتحقيق احلامهم ما يقولونه لإقناع الأبناء بصحة هذه الممارسات ومبررات العودة لها وإعادة إنتاجها.
في الزمن الغابر وقبل انتشار المدارس والجامعات كانت العائلات تتولى مسؤولية إعداد الأبناء للحياة فيكتسب الصغار كل ما يعرفه الأهالي ويتحول الأبناء إلى نسخ عن آبائهم وأمهاتهم وينتقل ارث العائلات انتقالا سلسا إلى الابناء فيصبح ابناء الشيوخ شيوخا ويكبر ابناء الزراع ليصبحوا زراعا ويورث الحرفيون حرفهم لأبنائهم كما يورثونهم اسماءهم وسمعتهم.
مع تطور العلم واختراع الآلات وتقدم الاتصال وانتشار المدارس تقلص تأثير العائلات على الافراد وأتيحت لهم حريات وخيارات أكثر فأدرك الكثير منهم وجود مواهب متنوعة يمكن توظيفها في مجالات غير تلك التي ورثوها عن الآباء والأجداد.
المدارس والجامعات أتاحت للشباب والشابات التفكير في بناء نماذج جديدة للتنظيم والإدارة والتطوير وحلول المشكلات والتحديات بطرق وأساليب غير تلك التي اعتادت عليها البنى التقليدية لمجتمعاتهم المحافظة.
من الطبيعي تطلع الشباب إلى المستقبل وسعيهم للحصول على المواقع والادوار التي يستحقونها بصرف النظر عن خلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية لكن المؤسف ان يحصل البعض على فيض من التسهيلات التي تمكنه من التقدم، في حين يستمر رفاقهم في مواجهة العقبات والعوائق التي تحول وتحد من وصولهم إلى اهدافهم.
اليوم تشكل ظاهرة التحالفات التي بناها النواب مع المؤسسات المؤثرة على القرار واستثمار هذه العلاقة في توسيع دائرة النفوذ العائلي لأصحابها مظهرا جديدا يحد من الانجازات التي حققها المجتمع في تكافؤ الفرص وتخطي التقاليد التي مكنت بعض العائلات من احتكار المواقع وتدويرها.
ما لم يعِ الشباب خطورة هذه الممارسات وما لم يسعَ الجميع إلى الوقوف في وجه تحقيقها فإن الوضع مرشح لمزيد من النكوص والتراجع عن الانجازات التي حققها الحراك الديمقراطي العام 1989.