يحسبون أنهم يقتلون الجياد . . !

15 نوفمبر 2017
يحسبون أنهم يقتلون الجياد . . !

صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان

سياسة التطنيش التي ينتهجها بعض المسؤولين في الدولة ، تجاه كبار الضباط المتقاعدين هذه الأيام، تتجلى بصورة واضحة أمام كل ذي بصر وبصيرة. أحداث خطيرة ومتلاحقة تجري من حولنا على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، تتمحور في معظمها حول مصير ومستقبل الأمة العربية وأوطانها، تجسيدا لمصطلح ” الفوضى الخلاقة ” الذي أطلقته كوندليزا رايس في منتصف العقد الماضي.

سأتجنب الخوض في الأحداث الخارجية في هذه العجالة، ولكنني سأتعرض لبعض قضايانا المحلية الهامة. فعلى الرغم من المديونية العالية التي تضغط على أعناقنا كل صباح، ورغم الظروف الحرجة التي نمر بها أمنيا واقتصاديا، فقد أشغلتنا حكومة الملقي بخبر مفاجئ، يتعلق بإنشاء مدينة جديدة في الصحراء الجنوبية الشرقية. وتدّعي الحكومة بأن هذه المدينة تشكل مشروعا حيويا طويل المدى، يستقطب المستثمرين ويخفف الأزمات الخانقة في العاصمة عمان. وهذا الخبر أثار في أذهاننا التساؤلات التالية والتي تتطلب إجابات صريحة عليها :

1. ما هي نواحي الجذب التي تجعل المستثمرين يقبلون على الاستثمار في هذه المدينة الجديدة ؟

2. من الذين سيقطنون في هذه المدينة الصحراوية في المستقبل القريب ؟ فإن كانوا من الأردنيين، ما الذي يجعل الموظفين منهم يتنقلون مسافة 180 كيلومترا ذهابا وإيابا، للوصول إلى وظائفهم في العاصمة والعودة مساء إلى منازلهم ؟ وما الذي يشجّع المواطنين غير الموظفين على السكن في منطقة صحراوية، وتجشم عناء السفر لقضاء مصالحهم في الدوائر الرسمية بعمان ؟

3. وإن كانت الحكومة ستنشئ الدوائر الرسمية الضرورية والبنية التحتية في هذه المدينة، فمن أين سيتم تمويلها ماليا مع وجود العجز المستمر في الموازنات السنوية ؟

4. وسؤال هام آخر : هل ستكون هذه المدينة مأوى لفلسطينيي الشتات بقرار دولي مفروض كما يُشاع ؟

وبالنسبة لموضوع هيكلة القوات المسلحة الذي أذيع في وسائل الإعلام سابقا، فلم نسمع تفسيرا مقنعا يبرر الإقدام عليه. ومن المعروف أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لمثل هذا الإجراء، يلجأ إليها أي جيش من جيوش العالم هي :

1. زوال أو ضعف التهديد المباشر الذي يواجه الدولة.

2. عدم توفر القوى البشرية اللازمة لملء مرتبات التشكيلات العسكرية.

3. شحّ المال اللازم لتغطية الرواتب وتنفيذ برامج وخطط التسليح والتطوير اللازمة.

ورغم توفر القوى البشرية وضعف النواحي المالية لدى القوات المسلحة الأردنية، إلا أن التهديد الخارجي يحظى بأهمية قصوى تتعدى جميع الأسباب المعوقة. فالتهديد الإسرائيلي – رغم معاهدة وادي عربه – ما زال قائما ولم تنخفض وتيرته أو يقلص حجم قواته، بل يجري تزويد جيشه بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة، من مصادر محلية و خارجية بصورة متواصلة.

وإذا ما أردنا ترشيق قواتنا المسلحة وزيادة كفاءتها لمواجهة هذا التهديد، فعلينا إعدادها بمتطلبات الحرب العصرية ( الحرب الهجينة، بما فيها عمليات السايبر )، إذ لا يمكن الاعتماد على أية ضمانات أو معاهدات دولية إن وجدت في هذا المجال.

يقول جلالة الملك عبد الله الثاني : ” أن المتقاعدين هم الجيش الرديف للقوات المسلحة “. ولكن هذا الجيش الرديف بعيد عن مجرى الأحداث الوقائية. فماذا لو دعا جلالته مجموعة من كبار الضباط المتقاعدين إلى اجتماع خاص، وإطلاعهم على ما يجري في المنطقة من أمور هامة، وخاصة ما يتعلق بالأردن في هذه الظروف المقلقة ؟ ماذا لو اجتمع دولة رئيس الوزراء مع تلك النخبة، وتحدث إليهم عن الخطط والمشاريع، وسياسة الاعتماد على الذات التي يتبناها، والإدارة الداخلية للدولة، ثم أدار حورا معهم حول المواضيع المطروحة ؟

ماذا لو دعا رئيس هيئة الأركان المشتركة لاجتماع حواري، مع عدد من أصحاب الخبرة والرأي من المتقاعدين العسكريين، وأوضح لهم سياسة هيكلة القوات المسلحة، بدلا من الاستماع للإشاعات التي تدّعي بتخفيض حجم القوات المسلحة على حساب الكفاءة ؟ صحيح أنه تحدث في إفطار رمضاني لعدد من المتقاعدين العسكريين المنتخبين حسب الأهواء، ولكن الحديث إليهم غاب مع غياب عيد الفطر، دون أن يعلم الآخرون عنه شيئا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : لماذا يُغيّب كبار المتقاعدون العسكريون عن الساحة، وتقام السدود والحواجز بينهم وبين المسئولين المدنيين والعسكريين بصورة متعمدة ؟ متجاهلين من تولوا قبلهم مناصب ومسؤوليات هامة في القوات المسلحة والدولة ؟ إننا عندما نطلب مثل هذه اللقاءات، نهدف إلى تعزيز اللُحّمة بين العاملين والمتقاعدين كما يطلب جلالة الملك، ولا نهدف من ورائها تحقيق مطالب شخصية، والسبب في ذلك أننا قلقون على مصير الوطن الذي عمّدناه بالعرق والدماء، وحافظنا عليه من الانهيار في ظروف عصيبة، ونرى من حقنا أن نعرف إلى أين يسير؟ وإلى أين تقوده سفينة الأحداث ؟ وما هو الهدف الذي يسعى إليه ؟

وإن كان بعض المسئولين في الدولة ” يحسبون أنهم يقتلون الجياد ” بعملهم في تطنيش وإهمال تلك الجياد من كبار المتقاعدين العسكريين . . فهم واهمون. لأن الشعب الأردني يعرف تاريخهم النظيف، ويعرف أن لهم جذور قوية ضاربة في أعماق الأرض الأردنية، ولن يبخلوا بدمائهم للدفاع عنها عندما تدلهمّ الخطوب، وستبقى الجياد تصهل في ميادين الشرف، حتى وإن تناساهم الآخرون ..!

 

الاخبار العاجلة