صراحة نيوز – بقلم بلال التل
المتتبع للأخبار حول مايجري في الأردن، لايحتاج إلى عناء ليكتشف أن الناس في الأردن في حالة إنقسامات متتالية فيما بينهم، أو هذا ما تنقله وسائل التواصل على الأقل، وهي إنقسامات تأخذ من جهدهم ووقتهم الكثير، علاوة على ما تسببه لهم من خسائر كبيرة وكثيرة، أهمها ضياع وحدة الصف، وضعف التماسك الاجتماعي وتهديد سلامة الأردن وتشويه صورته.
أغرب مافي إنقسامات الناس في الأردن وخسائرهم أنها تتم لأسباب لاعلاقة لها بقضايا أردنية، لأن جل الإنقسامات التي تقع بينهم، تحدث لأسباب غير أردنية. فهم مثلاً ينقسمون ويقتتلون حتى داخل الأسرة الواحدة بسبب نادي ريال مدريد وتنافسه مع نادي برشلونه، وينسون أن الكثير من لاعبي هذين الفريفين من أشد الداعمين للإحتلال الإسرائيلي، مثلما ينسون الحماس لفرقهم الوطنية والإندفاع إلى الملاعب لتشجيعها، إلا في حالة مباريات الفيصلي والوحدات التي صارت صورة من صور إنقسام الناس في الأردن.
هذا رياضياً أما خارج الإطار الرياضي فالأمر أسوء بكثير، فعندما ندقق في إنقسامات الحزبيين في الأردن مثلاً، نجد أنها لا تتم على أسس وطنية أردنية، بل لأسباب خارجية تتعلق بمواقف دول أخرى ومصالحها, حيث يصير البعض بعثياً عراقياً والبعض الآخر بعثياً سورياً، ويصير البعض شيوعياً ماوياً محسوباً على الصين،والبعض الآخر شيوعياً لينيناً محسوباً على موسكو.ويصير بعض الإسلاميين محسوباً على إيران، وبعضهم الآخر محسوباً على تركيا، ويصير بعض المسيسين محسوباً على فتح والآخر على حماس، فأين هو نصيب الأردن عند الحزبين؟ وأين هي الوطنية الأردنية في التربية الحزبية، علماً بأن في أرشيفينا ما يفيد أن الكثير من الأحزاب تربي منتسبيها على كل ما ينفر من الأردن،وأن بعضها يمنع أو يُحرم رفع العلم الأردني في مقاره واحتفالاته.
إذن لماذا نستغرب أن ينقسم الناس في الأردن إذا أخطأت مذيعة في توصيف حادثة لها علاقة بسوريا، أو نستغرب أن يختلفوا إذا مرت مناسبة لها علاقة بصدام حسين، أو إن اختلفوا حول مناسبة لها علاقة بعبد الناصر؟.
ولماذا نستغرب عندما يذهب الناس في الأردن إلى المساجد للدعاء لأردوغان أو خامنئي ثم يتحدون في السؤال عن شرعية دعاء الخطيب لولي الأمر في الأردن؟ فهؤلاء يختلفون حول كل شيء ثم يتفقون على شيء واحد هو جلد الأردن، وتشويه صورته وهز الثقة بدولته ومؤسساته،بل وأكثر من ذلك، فمن العجائب التي تجري في الأردن أنه إذا اختلفت الدولة الأردنية مع دولة أخرى، فإنك تجد “ناس”في الأردن ينحازون إلى الدولة الأخرى على حساب الأردن.
لماذا وصل كثيرون في الأردن إلى هذه الحالة المزرية في العلاقة مع وطننا؟
سؤال تستحق الإجابة عليه بعض العناء منا، لكن بعض أسباب هذه الحالة لا تحتاج إلى عناء، بل إلى عين مدققة لتكتشف أن هناك خللاً قاتلاً في مؤسسات ومناهج إعداد وتربية الإنسان المعمول بها في بلدنا.
ففي الأحزاب العاملة في الأردن، وفي كثير من المدارس أيضاً يتربى الأفراد لتظل عقولهم وقلوبهم معلقة خارج وطننا، في إطار قومي أو في إطار عالمي، وهي تربية خاطئة ومنافية لكل القيم، وقبل ذلك منافية لفطرة الإنسان ودوائر إنتمائته، التي تبدأ من أسرته ثم محيطه المحلي ثم وطنه، وهكذا حتى يصل إلى العالمية، فرسول الله محمد “ص” الذي بُعث للعالمين ظل قلبه معلقاً بمسقط رأسه في مكة، واعتبر من يُقتل في سبيل وطنه شهيداً، فلماذا يقتل بعض المحسوبين عليه الوطن في قلوب محازيبهم؟
وكذلك لم تُخرج “الماوية” الصيني من عباءة وطنه، ولم تفعل ذلك اللينينية مع الروس، وانتعشت الوطنية المصرية في ظل عبد الناصر الذي يعتبره البعض بطل القومية العربية، فلماذا يراد لنا في الأردن بأن نكون حالة شاذة عن كل الأوطان والشعوب، ولماذا يربى الناس في الأردن على مناهج بمثلث مقلوب أسفله الوطن،بعكس كل شعوب الأرض؟ ولمصلحة من يراد أن يكون الأردن بلا أردنيين يحبونه, ويثقون به ويدافعون عنه؟
ولمصلحة من صار البعض بين ظهرانينيا لا يختلفون حول الأردن بل يختلفون مع الأردن؟ ولماذا صار الأردن عند هؤلاء مجرد جواز سفر أو مجرد محطة ترانزيت؟ ولماذا صار البعض في الأردن يقاتلون من أجل كل شيء إلا من أجل الأردن؟ ولماذا يتسابق البعض على إبراز العورات في الأردن، ويصر على إخفاء وإنكار الإنجازات؟ ولماذا يربى الناس ليكونوا منفلتين في الأردن منضبطين في خارجه؟ ولماذا يكون الناس بلا إنتاجية في الأردن منتجون في خارجه؟ولماذا يؤهل الناس في الأردن للبناء خارج الأردن وللهدم داخله؟
أسئلة كثيرة تستدعي منا أن نشحذ عقولنا للتفكير الإيجابي بحثاً عن إجابات عليها، إجابات تؤكد أن في الأردن أردنيين وأنهم يدافعون عنه وعن صورته بأرواحهم وأموالهم.