صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
تابعنا أواخر العام 2017م كيف بدأت الادارة الأمريكية الجديدة عامها الثاني بوعد “بلفور” جديد نسف ما تبقى من ثقة لدى الفلسطينيين ومعهم العرب والمسلمين في أن تكون وسيطاً نزيهاً يعمل لاحلال السلام في فلسطين المحتلة وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة.
واليوم وبعد متابعة ردود أفعال قيادات وشعوب الدول العربية والاسلامية المختلفة والمستمرة على هذا القرار المعيب، وعلى رأسها موقف القيادة الأردنية الهاشمية صاحبة الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس بحسب إتفاقية السلام بين الأردن ودولة الاحتلال، يدعمها كل مخلص ومحب للقدس من زعماء وشعوب العالم عرباً ومسلمين ومن كافة أرجاء المعمورة، نرى كيف نجحت في توجيه 128 صفعة على وجه الدولة الأقوى في العالم والكيان المحتل الغاصب في الأمم المتحدة باعلانها رفض القرار الأمريكي، ما يحتم على الجميع مراجعة حساباته لأجل القدس، بمسجدها الأقصى مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قبلة المسلمين الأولى لأكثر من 13 عاماً في بدايات البعثة النبوية وثالث الحرمين الشريفين، وكنيسة القيامة المقدسة لدى المسيحيين، وكل مافيها من إرث ديني سماوي للديانات السماوية ولموروثنا العربي.
ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يجادل في تضحيات الشعب الفلسطيني إلا مكابر جاهل بتاريخه، مع ضرورة العمل لإنهاء الانقسام فيما بينهم والذي يشكل أكبر طعنة في ظهر شعب فلسطين وقضيته العادلة، خصوصاً ونحن نرى مبادرة إنهاء الانقسام الأخيرة تترنح للأسف بتمسك كل طرف بمواقفه.
وسنبقى نردد أنه لا من المعقول ولا المقبول أن تبقى آراء قادة فلسطين وأحزابها وفصائلها تسير بمبدأ “كل حزب بمالديهم فرحون”، هذا ينادي بدولة على حدود 1967 وآخر من النهر للبحر وآخر همه رمي اليهود في البحر وكل يغني على ليلاه، مما يجعل كثير من الدول مترددة في مساعدة الفلسطينيين في إقامة دولتهم التي نتمناها جميعاً، دولة عاصمتها القدس يرفرف فيها علم فلسطين عالياً، وتحتاج قبل كل شئ من كل المخلصين في فلسطين توحيد الخطاب والمواقف قيادة ومقاومة وشعباً.
هذا بالاضافة للحاجة الماسة لتوحيد كافة الجهود الصادقة لأجل القدس في عالمنا العربي والاسلامي، فهي اليوم وكل يوم بحاجة لجهد كل أحرار العالم، مسلمين ومسيحيين ومن أي الديانات والملل كانوا، لا أن يستمر حصر الأمر في ديانة أو فئة بعينها فقط فالقدس وفلسطين لكل أبناء فلسطين بكافة دياناتهم وطوائفهم ومعتقداتهم، ومن واجبهم جميعاً الوقوف صفاً واحداً للدفاع عنها مع كل حر في هذا العالم مهما كانت ديانته أو معتقده.
كما أنه من المهم الخروج من نبرة تحويل الصراع إلى صراع ديني مع اليهود، فليس في دين الاسلام ما يأمر بقتال اليهود لأنهم يهود ولم نرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعلن الحرب عليهم لأنهم يهود، ولكنه أعلنها عندما نقضوا العهود وتآمروا عليه وعلى الدولة التي يعيشون فيها، ثم أن تحويل الصراع لديني يعني أننا لا نتحدث عن تحرير فلسطين وإنما عن قتل اليهود في كل أنحاء العالم فقط لأنهم يهود، تحررت فلسطين أو لم تتحرر، وهو ما يناقض جوهر دين الاسلام وحقيقة قضية فلسطين السياسية، كما أن من يحول الصراع لديني مردداً حديث حرب آخر الزمان بين المسلمين واليهود ينسى أن الحديث جاء بسياق خبر أن سبب الحرب هو إتباع أكثر اليهود للمسيخ الدجال الذي يعيث في الأرض فساداً وقتها وليس لأنهم يهود، فلنخرج إذن من نبرة إلغاء الآخر بسبب دينه ولنعمل على رفعة بلادنا وصيانة جوهر ديننا في إحترام حق كل إنسان في عبادة ربه كما يعتقد هو، لأن هناك في النهاية رب سيحاسب كل إنسان على أقواله وأفعاله.
ويبقى إنقسام الأمة وتشرذمها من أكثر ما يهين القدس ويهيننا جميعاً معها، حتى قبل قرار الادارة الأمريكية وأفعال الصهاينة المجرمين، عندما نرى إنشغال البعض في الاساءة لهذا الزعيم أو ذاك أو هذه الدولة وشعبها أو تلك، والأسوأ إختزال القضية وتسخيفها في شعر تلك الفتاة المقاومة أو لباسها بدلاً من الاشادة بكل جهد لنصرة القدس وتقويته، مايذكر بحال المسلمين والعرب في كثير من الأزمنة، ومنها عندما كانت تغرق بين دولة عباسية مترهلة ممزقة يتآمر أمرائها على بعضهم البعض ويتحالفون مع أعدائها ضد بعضهم، ودولة فاطمية في حرب دائمة مع العباسيين، وأعداء من الخارج يكملون الطريق في تمزيق الأمة أكثر وأكثر، لكن الفتى “يوسف بن أيوب بن شاذي” لم يفقد الأمل يومها في تحريرها من الاحتلال مهما مر عليه من السنين “كبعض من يعيشون بيننا اليوم للأسف”، وأخلص النية لتوحيد الصفوف أولاً ثم الانطلاق لتحرير بيت المقدس في العام 1187م بعد إحتلال دام فيها ما يقارب 90 عاماً، فان كنا نريد مثل “يوسف بن أيوب” أو “الناصر صلاح الدين الأيوبي” “الكردي الأصل” يتوجب علينا توحيد قلوبنا وعقولنا أولاً،والخروج من النظرة الاقليمية الضيقة، هذا كردي وهذا عربي وهذا تركي وهذا فارسي والانشغال بديانة هذا أو معتقد ذاك، عندها يمكننا توحيد الصفوف والجهود لأجل القدس مع كل أحرار العالم، بغض النظر عن دياناتهم وأشكالهم وأصولهم وفصولهم، فالتشتت والتمزق والانشغال بالاساءة لبعضنا البعض لن يزيد الاحتلال إلا قوة ومنعة وصلابة وتمدداً، وعدالة قضيتنا إلا دماراً وضعفاً، فالقدس كانت دائماً بحاجة لمن يتعلمون من تاريخهم وليس لمن يتألمون ويبكون على الأطلال ويرددون الشعارات الرنانة فقط ليل نهار.
وبرغم كل شئ ومهما مر على الاحتلال من زمن سيبقى بيننا من الأجيال الصادقة الصابرة الحافظة لحق فلسطين والقدس وأهلها في حياة حرة كريمة ينعمون فيها بالحرية والأمن والسلام، ولأجلك يا قدس سنبقى نرددها بأعلى الأصوات “القدس العربية عاصمة دولة فلسطين”، وسنعمل لأجل تحقيق ذلك مع كل مخلص في هذا العالم بكل الطاقات قولاً وفعلاً شاء من شاء وأبى من أبى، ولأجلك يا قدس ستبقى ترخص كل الأرواح والمهج، جعل الله هذا العام عام خير وسلام وتحرر على القدس وفلسطين وأهلها الصامدين الأبطال، وعلى كل إنسان يعمل لتعزيز معاني الحرية والعدالة والسلام في هذا العالم ولو بكلمة واحدة.