صراحة نيوز – بقلم د . إيليا أيمن الربضي
غلطة الشاطر بألف .. مثلٌ شعبي موجودٌ في مجتمعنا الأردني كنّا نسمعه من حكماء القوم, عندما يرتكب الشاطر منّا خطأ كبير فيكون على ما فعله نادمًا, ففي الوقت الذي كان يمكننا الإصغاء إلى الصوت الآخر الذي غالبًا ما كان يكون هو صوت العقل والحق, لندرك معه المعقول من غير المعقول, كانت تأخذنا نشوةً عابرة لتلقي بنا بعيدًا عن جادة الصواب. ولا تتوقف عادةً المهارة “الشطارة” على الأفراد فقط, فقد تتعدّاها إلى الحكومات! كما هو حال حكومتنا الأردنيّة الموقّرة إزاء الخطأ الجسيم الذي إرتكبته في المؤتمر الصحفي قبل ساعات الذي أطلّ علينا به دولة رئيس الوزراء.
مُذّ بداية أزمة إنتشار وباء فيروس كورونا المُستجدّ (COVID19) الذي إجتاح العالم أجمع –والمملكة الأردنية الهاشميّة جزء من هذا العالم- أثبتت الحكومة الأردنية بقيادة الدكتور عمر الرزاز وفريقه الوزاري كُلٌ بمكانه ومن على جبهته أنهم قادرون, وقَدِرّوا حقًا على قيادة دفّة الزمام بِحِرَفيّة ومسؤوليّة قلّ نظيرها -مقارنة بملفات أخرى- أو بطريقة تعاطي دول عظمى مع ذات الكارثة (الوباء)، فكانت بإثر قرار بعد قرار، تقترب من المواطن –بعد الشرخ الذي تولد سابقًا بينهم- وذلكم بدافع المسؤوليّة المجتمعيّة التي تتطلب تكاتف جميع الفئات والأطراف إحقاقًا وتعظيمًا لصالح الدولة الأردنية (الأرض، الشعب، والقيادة “العرش الهاشمي”).
فكنّا نحن الوطنيين الأردنيين جنبًا إلى جنب مع الحكومة, جميعًا جنودًا لهذا الوطن مخلصين آمنين عليه أرضًا وقيادةً في ذات الخندق واقفين متراصين في صفٍ واحدٍ, وقفةً كان ولا زال وسيبقى عنوانها الأسمى “كرامة الإنسان الوطني الأردني”, التي ضحى أجدادنا بأنفسهم لأجلها مُذّ ذكرى الكرامة عام 1967 وها نحن اليوم نجدد العهد عهد الإنتماء والولاء في عام 2020 لمواجهة هذا الفيروس الذي يهدد وطننا كما سائر الدول والأوطان في هذا الكوكب, إلّا أنه ومن الجانب الآخر فإن واجبنا الوطني يُحَتِّمُ علينا وضع اليد على مكامن الألم والخطأ, ليس بدافع زيادة الألم وإنما سعيًا منّا للعلاج الحقّ وتجنب الوقوع بذات الخطأ في مرات أخرى, وهذا هو تحديدًا جوهر ما يرمي إليه مقالنا اليوم. ولكن أولًا نود التنويه إلى أنّ هذا المقال سوف يقع على شقين أولهما الشق القانوني والثاني يوضح الآثار الماديّة للقرارات التي تم إعلانها وإشهارها للمواطنين من خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقِدَ قبل ساعات.
أولًا الشقّ القانوني:
لقد حدد قانون الدفاع الآليّة التي تتيح لرئيس الوزراء ممارسة إختصاصة من خلالها, وذلكم إحقاقًا وتعظيمًا للصالح العام ودفاعًا عن المملكة الأردنية الهاشمية, والمتمثل بإصدار “أوامر خطيّة” تسمى أوامر الدفاع, وهذا هو تحديدًا جوهر ما أكدت عليه الفقرة (ب) من المادة (3) من قانون الدفاع الأردني رقم (13) لعام 1992 ,والتي شاهدناها جليًا بأمريّ الدفاع رقم (1,2) لعام 2020 ,وعليه فإن جميع قرارات دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز التي صدرت مساء أمس من خلال المؤتمر الصحفي لا تتماشى وتتوائم قطعًا مع المرام والغايّة التشريعيّة من النص آنف الذكر, لأنه من غير المتصور إلغاء أو تعديل أو إصدار أمر دفاع “بمؤتمر صحفي شفوي”, وعليه .. وإزاء ذلك فقد كان من المتوجب إصدار أمر دفاع ثالث إحقاقًا للنص القانوني الصريح آنف الذكر وإرساءً لدولة القانون الأردنية التي نفاخر جميعًا بها الدنيا.
وإني إذّ اتسائل في هذا المقام أين كان وزير الدولة للشؤون القانونية –الذي نحترم شخصة الكريم- عن مثل هذه الهفوة الجسيمة التي وقعتم بها .. أين كان مستشارك القانوني الخاص يا دولة الرئيس عن مثل هذا الخطأ!!
ونتسائل أيضًا عندما صدر أمر الدفاع رقم (2/2020) والمتضمن حظراً كاملاً للتجول وإغلاق تام لكافة المولات والبقالات …وغيرها, تحت طائلة الحبس, وخلال مؤتمر أمس ترفع الحظر بشكل جزئي وتسمح بفتح البقالات ليتمكن المواطن من الشراء –شريطة الذهاب للبقالة سيرًا على الأقدام-, لو فرضنا أنه تم القبض على مواطن وهو ذاهب سيرًا على الأقدام لشراء الحاجات من البقالة, كيف سيتعامل إخوتنا القضاة والمحامون مع هذا الوضع في المحاكم ..؟! ,كون أن هذا المواطن قدّ خرق أمر الدفاع رقم (2/2020) والذي يقضي بحظر كامل للتجوال, وطبق ما طلبت أنت خلال الؤتمر الصحفي مساء أمس..؟, م كيف سيتم أيضًا الطعن بأمر التوقيف هذا !! هل سيكون الدفع أمام القاضي في المحكمة (دولة رئيس الوزراء المحترم أجاز للمواطن السير على الأقدام للتبضع خلال مؤتمرة الصحفي..؟!), هل يعقل هذا دولتكم …؟! الم يكن من الأجدر والأوجب قانونيًا إحقاقًا وتعظيمًا للنص التشريعي أن يصدر أمر دفاع رقم (3/2020) يقتضي بالسماح للمواطن السير من الساعة (10 صباحًا –ولغاية- 6 مساءً) كذا أيضًا السماح للبقالات والدكاكين بأن تفتح أبوابها بذات الوقت –بحسب تصريحاتك الشفويّة يوم أمس- !!
دولة الرئيس صدقني إنّ جميع جهودكم خلال إدارتكم لهذه الأزمة وهذا الملف هي محل للتقدير ومدّعاه للفخر بكم جميعًا, لكن عندما يتعلق الموضوع بالقانون وتطبيقه فالمعادلة عندي ولديّ تختلف وتنقلب, فالقانون الحقّ هو وجدان الشعب, وإن آليّة تطبيق هذا القانون هي العدالة ,بالتالي فإن العدالة دولتكم هي جوهر وجدان الشعب … والتاريخ والمجتمع سيحكم وسيقاضي وجدان الشعب قبل كل شيء …
ثانيًا الآثار المادّية:
بعدما تحدث رئيس الوزراء قبل ساعات من خلال المؤتمر الصحفي بخصوص رفع الحظر الجزئي غير الواضح والصريح حقيقةً, وذلك بسبب إستخدام مصطلحات مطّاطيّة قابلة للتأويل والترجيح نحو؛ السماح للبقالات ،الدكاكين …وغيرها، -دون التحديد الدقيق لماهيّتها-، بالسماح لها بفتح أبوابها لغايات الإستعداد لممارسة أعمالها المعتادّة, فإن هذا سيدفع بجميع فئات المجتمع يوم غدّ للخروج دون أدنى مسؤوليّة وللأسف كما شاهدنا “البعض الكثير” اليوم وهم يتزاحمون على مركبات توزيع الخبز والتي تعتبر بيئة خصبة وخصبة جدًا لإنتقال هذا الفيروس بين أفراد الشعب –بحسب المختصين وتقارير منظمة الصحة العالميّة-.
ثم إنتقل دولة الرئيس بالقول بأن رفع الحظر الجزئي لا يشمل المركبات, ففي هذا المقام اتسائل ماذا لو كان أحد الأشخاص يقطن في جبال عجلون الشامخة والبعيدة عن مركز المدينة عدّة كيلومترات طِوال, وإحتاج مُرغمًا لتوفير بعض الحاجيات الأساسيّة لأطفاله, فأيهما يُعتبر خرقًا ومخالفة لقانون الدفاع, ذهابه سيرًا على الأقدام –كما طلب دولته- كل هذه المسافة البعيدة والتي ستحتاج وقت طويل…؟ أم إستخدامه لمركبته الخاصة وذهابه وعودته بوقت قصير..؟ أم أن كلا الخيارين سيعتبر يوم غد خَرق لحظر التجول فيصبح هذا الأب عُرضةً للحبس (3) سنوات أو دفع (3000) دينار كغرامة -إنّ لم يكن كلاهما- ..؟
وعلى إثر ذلك وما تحمل هذه القرارات من آثار مادية, فإني أمسيت أخشى أننا سننتقل من “التدافع والمزاحمة والشجار” من على مركبة توزيع الخبز -كما حصل اليوم ومساء الجمعة المنصرمة-، إلى التدافع على أَسِرَّة الطوارئ محدودة العدد في المستشفيات، وخاصةً بأنه هناك كثير من حالات الإختلاط لم يتم إكتشافها بعد وهنا الكارثة,وتلك الحالات التي لم تنتهي فترة حضانتها بعد، لتظهر الأعراض جليّة على حامل الفيروس وهنا الكارثة أعظم وأعظم !
أخيرًا وليس آخرًا، رُبما البعض يتفق مع هذا الرأي غير المتوافق مع حالة رفع الحظر، وربما البعض الآخر لا يتفق ويقول –مثلًا- هذا الكلام مدعاه للتشاؤم !!
فإني هنا وفي هذا المقام أُجيب ؛ صدقني عزيزي القارئ هذا ليس كلام للتشاؤم أو تثبيط للمعنويات قطعًا، فجهود جميع الفئات مُثمَّنه ومحل تقدير كلٌ بموقعه ومكان عمله .. لكن ما هذا الكلام الذي تقرأ عزيزي القارئ إلّا قراءة مستقبليّة إستشرافيّة لواقع محتوم علينا ولن يكون سبيل نجاتنا منه إلّا “بوعي المواطن الأردني”، والذي نعول عليه كثيرًا كما قال سيد البلاد في خطابه عندما خاطب شعبه بصفة الأب وهنا أقتبس من خطابه: ” نحن اليوم بحاجة إلى إلتزامكم تعاون إستثنائي منكم وهذا ليس على الأردنيين بالغريب أو المستحيل فما عهدي بكم إلا على مستوى المسؤوليّة .. وأنتو قدها”. إنتهى الإقتباس!
ختامًا نسأل الرب أنّ يحفظ الأردن وسائر الإنسانيّة جمعاء، والرب خير حافظ !!