صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
المقدمة:
لقد تم ترديد مصطلح الأمن القومي العربي عشرات المرات على لسان العديد من قادة الدول العربية إبان إجتماعات القمم الخليجية والعربية والإسلامية وبكل أسف يبدو أن معظم المشاركين في القمة الإسلامية العادية نسوا أو تناسوا أن إتخاذ قرار إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي الذي تم إتخاذ القرار بإنشائه بتاريخ 25/9/1969 في مدينة الرباط إنما هو نتيجة حتمية لحادثة حرق المسجد الأقصى حيث اقتحم متطرف يهودي يدعى دينيس مايكل روهان المسجد الأقصى من باب الغوانمه وأشعل النار في المصلي القبلي بالمسجد الأقصى وشب الحريق في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى والتهمت النيران واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث والتهمت النيران منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب وذلك عندما استعاد المسلمون بيت المقدس عام 1187م .
في صبيحة اليوم التالي صرحت رئيسة الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير قائلة ” لم أنم طوال الليل كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان . ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن بإستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده ” . واليوم وقد تم نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وتم الإستمرار في تهويد المدينة المقدسة وتم الإعلان عن صفقة القرن المشبوهة والتي لا تستهدف مدينة القدس فحسب وإنما تستهدف كل القضية الفلسطينية ما هو رد القمة الإسلامية والقمة العربية بإستثناء إعادة وتداول نفس التصريحات السابقة المنمقة دونما تبني أي إستراتيجية عربية إسلامية للدفاع عن القضية الفلسطينية .
في قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي . هذا المجلس الذي تأسس بتاريخ 25/5/1981 والذي تم الإعلان عنه في الإجتماع المنعقد في الرياض . “حيث كان أمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الأحمد الصباح هو صاحب فكرة إنشائه” والمكون من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر ودولة البحرين بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها . هذه التجربة العربية الرائدة التي ضمت أعظم قوة إقتصادية تضم أكبر إتحاد مصدر للنفط والغاز في العالم تتعرض اليوم إلى عملية تمزيق وتفتيت لم أسمع أيا من الدول العربية أو الإسلامية يطالب بالتوسط من أجل حل الحلاف الذي يهدد هذا الإتحاد العربي الأمثل بين قطر وبين بقية دول مجلس التعاون لدول الخليج .
كما أن أيا من الدول الإسلامية وهم يدركون أن الشرخ بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية أي بكل بساطة بين الشيعة والسنة يتعاظم وأن حرب الإنابة والإستنزاف قد بدأ في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وأن أي مواجهة عربية إيرانية سوف تؤدي إلى حرب لا تبقي ولا تذر سوف تأكل الأخضر واليابس وسوف يكون مصيرها القضاء على كل مقومات التقدم والإزدهار والقضاء على المقومات الإقتصادية الهائلة ممثلة بإستهداف المنشآت النفطية العملاقة والأهداف الإستراتيجية في كل من إيران ودول الخليج العربي .
كما أن قضية ضم مرتفعات الجولان إلى السيادة الإسرائيلية وقضية ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية هي تجاوزات لكل الأعراف والقوانين الدولية تجاهلتها القمم العربية والإسلامية.
من فوق هذا المنبر للفكر وللضمير عبر المواقع الإعلامية حيث تكتسب الكلمة معنى الإلتزام . والإلتزام يعني البحث عن الحقيقة والحقيقة في أحيان كثيرة مؤلمة وقاسية من يظن أن إسرائيل سوف تدافع عن الخليج العربي فهو مخطىء ومن يظن أن الولايات المتحدة سوف تخوض حربا مع إيران للدفاع عن دول الخليج فهو مخطىء إن إيران بسبب تأثيرها وسيطرتها على عدد من الدول العربية تشكل “البعبع” الخطر الأكبر الذي أصبح يهدد أمن معظم دول الخليج ويستنزف مقدراتها الإقتصادية والكثير من أموالها فهي بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا بالنسية إلى الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة ألمريكية والدول الأوروبية وروسيا . فأي طائرة مسيرة أو صواريخ مهما كان نوعها تنطلق من قبل الحوثيين نحو السعودية تكلف المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات في محاولة التصدي لها وإن تكلفة الحرب على الحوثيين تشكل بئرا لا قرارة له ولا قاع وهي حرب إستنزاف لا أول لها ولا آخر .
إن نفقات الدفاع للملكة العربية السعودية هي الأكبر في العالم ولكن هذه الأسلحة لا تكفي لحماية الأمن للمنشآت السعودية الرئيسة فإذا كانت صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة تقض مضجع السعوديين فما بالك إذا وقعت حرب لا قدر الله لسبب أو لآخر بين إيران والمملكة العربية السعودية والتي ستكون كل دول الخليج العربي هي المسرح الجغرافي لمثل هذه الحرب.
لو نظرنا الى عالمنا العربي اليوم بكل تجرد وموضوعية لهالنا هذا الإرث العظيم من الصراع العربي العربي ومن الصراع الشيعي السني ومن الصراع العربي الإسرائيلي ومن الصراع الرجعي والثوري والملكي والجمهوري ففي القرن الماضي شاهدنا حرب الصحراء في أقصى الغرب والخلاف المستعر بين المغرب والجزائر والحرب العراقية الإيرانية في أقصى الشرق وحرب الجوع والهلاك في السودان والحرب الأهلية في اليمن بين الجنوب والشمال والحرب الأهلية في لبنان وسلسلة من الحروب المؤلمة بين الجيوش العربية وبين إسرائيل نجم عنها سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وبعض أجزاء من لبنان واحتلال صحراء سيناء ومن ثم إعادتها الى مصر مع إبقائها منطقة منزوعة من السلاح بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر العربية وبين إسرائيل . وتبعتها اتفاقيات سلام بين المملكة الأردنية وبين إسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل .
والحرب الليبية الأمريكية في خليج سرت والإنقسام بين البعث السوري والبعث العراقي والصراع البحريني القطري والقطري السعودي والإجتياح العراقي للكويت وثورة ظفار ومأرب في سلطنة عمان واحتلال جزر الإمارات العربية طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة أبو موسى من قبل إيران وتلغيم مياه الخليج العربي ومياه البحر الأحمر وبروز تيار القاعدة في أكثر من دولة عربية ووقوع حوادث الإرهاب في العديد من الدول العربية. كما شهدت قيام اسرائيل باجتياح لبنان والإشراف على مذابح صبرا وشاتيلا وما أشبه اليوم بالبارحة فقد شنت اسرائيل حربها المجنونة على حزب الله طوال 46 يوما. وتلتها الحرب الإنتقامية على غزة وفرضها العقاب الجماعي على غزة وعلى مدن الضفة الغربية وقراها.
وتم تعريض العالم العربي الى هزة اقتصادية زلزلت الإقتصاد العربي وهزت أركانه.
وبعد غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين وانهيار القوة العسكرية للبوابة الشرقية للعالم العربي ووقوع العراق تحت النفوذ الإيراني وتزايد عمليات اغتيال رجالات وضباط وطياري النظام السابق وانتشار الفساد المالي والإداري وتهيئة البنية السياسية والدينية والإجتماعية اللازمة لتفتيت العراق الى ثلاث دول الجنوب ويسيطر عليه الشيعة والوسط ويسيطر عليه السنة والشمال يسيطر عليه الأكراد ونحن نتساءل كيف يمكن أن ينضوي العراق وهومحتل من قبل الجيوش الغربية وبالذات الجيش الأمريكي تحت تأثير وسيطرة النظام الشيعي الإيراني مما أدى إلى إضعاف السنة في العراق وشهد تعاظم التعداد الشيعي في بغداد مما أفقد السنة حق إعتبارهم الجزء الرئيس من التكوين السياسي .
وكذلك الحال بالنسبة الى السودان والذي تم تقسيمه الى دولة في الشمال ودولة في الجنوب والمحاولات جارية الى فصل إقليم دارفور والإعلان عن المطالبة بتسليم الرئيس السوداني عمر البشير الى المحكمة الدولية باعتباره مجرم حرب وهي أول سابقة في تاريخ الدول العربية. وها هو السودان اليوم يخوض عملية ولادة عسيرة بعد إنهاء نظام عمر الشير .
أما القرن الواحد والعشرين فلقد شهد الحرب الرابعة حرب الإنابة وحرب الخلايا النائمة بدءا بقيام الثورة في تونس والتخلص من نظام الرئيس زين العابدين بن علي وقيام الثورة في مصر والتخلص من نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك وحل الحزب الحاكم وتحويل رموز النظام السابق الى المحكمة بتهم الفساد وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين.
والحرب الأهلية الليبية الدائرة في أقسى مظاهرها ومقوماتها التي دارت بين نظام الرئيس القذافي وبين ثوار المجلس الإنتقالي وما تعرضت له المدن الليبية وعلى رأسها مصراتة من قصف ودمار وإرتفاع عدد الضحايا الى أرقام فلكية تجاوزت الثلاثين ألف قتيل بين الطرفين المتنازعين والتي سطرت أفظع الجرائم الإنسانية بين الشعب الواحد واليوم ونحن نرقب الأيام الأولى لمأساة جديدة بقيام اللواء حفتر بالهجوم على طرابلس لا يعلم أحد ما هي نتائجها ولا مقوماتها وما هي المخلفات التي ستتبعها وما هي قيمة الأموال التي رصدتها بعض الدول العربية من أجل تدمير ليبيا وتحويلها إلى مقبرة جديدة يندى لها الجبين العربي ولا أحد يعلم الثمن الباهظ الإنساني والأخلاقي والمادي ونحن كعرب ومسلمين ننتظر الفصل الأخير لهذه التراجيديا في التاريخ العربي
والحرب التي دارت بين أنصار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وبين الثوار ومحاولة اغتياله وحتى بعد قتله في كمين على قارعة الطريق فلا زالت الثورة مستمرة لا يعرف أحد أولها أو آخرها هذه الثورة التي قسمت الشعب اليمني وتسببت في إيقاع شرخ لا يرحم بين القبائل اليمنية الواحدة وأضحت الحرب الأهلية تخيم على كل أرجاء اليمن لا سيما وأن التوازن في القوى بين الجانب الثائر وبين أنصار الرئيس اليمني يطيل أمد الصراع ويرفع من منسوب الخسائر بين المقاتلين والمدنيين والأطفال .
أين هو العقل أين هو الشعور الوطني أين هي الكرامة والأخوة هل هانت عليكم الأوطان هل أعمى الحقد كل الضمائر هل أصبح اليمني عدو اليمني هل أصبح العربي عدو العربي هل أصبح المسلم عدو المسلم هل غابت الرحمة من الأفئدة والضمائر ما هو مصير اليمن وإلى متى يستمر هذا المسلسل الأعمى في القتل قتل الجسد والأمل والضمير تموله الدول العربية وتجرب في ربوعه كل أسلحة الدمار الأجنبية وفي مقدمتها طائرات وصواريخ وأسلحة ومعدات أمريكية . لقد تحول اليمن بأهله وشعبه إلى حرب للإنابة عن إيران وعن السعودية .
ولو انتقلنا الى ما يحدث في سوريا هذا القصف المجنون الذي لا يرحم هذا السيل المتدفق من الضحايا هذا النزيف الذي لا يتوقف هذا القصف الذي لم توقفه أو تمنعه قدسية الجوامع هذا القتل الذي نزف فيه الدم بين الأخوة بين الأهل بين الأطفال والشباب والرجال والشيوخ هذا القصف الذي وصل كل القرى وكل المدن الى متى يستمر تمزيق الأمة الواحدة هل غابت السبل الإنسانية هل اضمحلت الوسائل السياسية هل تحولت الثورة الى حرب أهلية طائفية بين سوري علوي وسوري سني هل هي ثورة ضد الظلم وضد الفساد هل هي ثورة ضد النظام هل هي ثورة من شعب كفر بقادته أم هي ثورة مدروسة مدسوسة موجهة ومخطط لها من الخارج أم هل هي كل هذه الأشياء معا . أم هل هي سياسة حزب البعث حزب عفلق وآثاره على أبناء سوريا .
في مصلحة من يتم تدمير سوريا وفي مصلحة من يتم توجيه السلاح الى صدور الأبناء بدل توجيهها الى العدو الإسرائيلي. هل هي حرب بين علويين يسيطرون على نظام الحكم ويملكون السلاح يمثلون 10% من السكان وبين سنيين ومسيحيين ودروز وأكراد لا يملكون السلاح يمثلون 90% من السكان هل أضحت سوريا أرضا للصراع بين القوى العظمى أم هي أرض للصراع بين إيران وإسرائيل يدفع ثمنها الشعب السوري هل هي حرب تركيع للتخلي عن مرتفعات الجولان والتوقيع على معاهدة صلح مع إسرائيل أم هي الذريعة الأكبر كي تصبح سوريا جزءا لا يتجزأ من النفوذ الروسي وقاعدة من القواعد الهامة لا سيما وأن ميناء طرطوس هو القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في شواطىء البحر الأبيض المتوسط لمدة 49 سنة مقبلة.
بأي لغة أخاطبكم أن أوقفوا هذا التقتيل بأي صلاة أصلي لله أن أوقفوا هذا الصراع بأي آية أدعو لكم أن توقفوا إطلاق النار بأي سورة أقرأ لكم أن تعيدوا المغفرة الى ضمائركم أن تعيدوا الإيمان الى قلوبكم يا أخوة في المصير يا أخوة في العروبة والإسلام
هل هذه الثورات موجهة ضد القادة العرب ضد الأنظمة العربية هل هي ثورة شعوب مقموعة عانت من الذل والفساد والفقر والجوع على قادة فاسدين لم يحققوا لشعوبهم أبسط ما يتطلعون اليه لا نصر في أي معركة مع اسرائيل لا عدالة اجتماعية لا عدالة سياسية لا عدالة انسانية جوع لا يرحم وفقر كافر ومرض خبيث وتخلف بدون أمل هل هي ثورات نابعة من الشعوب العربية أم ثورات مخطط لها من الخارج تهدف إلى تحطيم كل ما هو مسلم وكل ما هو عربي .
متى نستفيق وكم من السنين سننتظر قبل أن تفاجئنا النهايات وقبل أن تتكشف الحقائق لقد انتهى زمن الأنبياء ولكن رحمة الله لن تنتهي إن الأعداء يتربصون بنا ونحن ننفذ مخططاتهم المجرمة لصالح من يقتل بعضنا بعضا . لصالح من هذه القسوة المفرطة هذه الحروب البشعة هذا الإستهتار بحياة الإنسان العربي هل تخلق القادة شعوبها أم أن الشعوب هي التي تخلق قادتها
الأمن القومي العربي:
قبل سنوات دعا الأستاذ السيد يسين القادة العرب الى مجابهة المشاكل التي يتعرض لها العالم العربي والتي من أبرزها
1: مصادر التهديد للأمن القومي العربي
2: الإفتقار الى التكامل القومي العربي
3: الإفتقار الى الإجماع العربي
4: ضعف معدلات المشاركة السياسية
5: شرعية جهاز الدولة
6: الصراعات الغير محلولة وآثار الميراث الإستعماري
7: الفساد والفقر وانخفاض مستوى التنمية وندرة الوارد
8: تقريب وجهات النظر بين التيار السني والشيعي
9: إنعدام البحث العلمي العربي والضعف في محاولة تجسير الفجوة بين العالم العربي والعالم المتقدم والإنتقال من مجتمع مستهلك الى مجتمع منتج
10: عدم رسم استراتيجية قومية من أجل الإستغلال الأمثل للأموال العربية من أثمان النفط والغاز
إن أي دولة من دول العالم يدفعها حب البقاء . وإن كل ما تقوم به الدولة في هذا السبيل لا بد وأن تتصرف تلقائيا أو عن تخطيط مسبق لتحقيق هذا البقاء وإن كل ما تقوم به الدولة في هذا السبيل هو انعكاس للتفاعل بين مفهوم الأمن القومي للدولة وللظروف والتهديدات التي تحيط بها. ولما كانت هذه التهديدات مختلفة بين دولة وأخرى اختلفت السياسات التي تنتهجها الدول في إطار مفهوم الأمن القومي الخاص بها ولكن هناك بعض الأسس والمبادىء الأولية التي تلتقي عندها أو على الأقل تتشابه في مدلولاتها وتركيبها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكرياً.
وهناك أكثر من تعريف لمفهوم الأمن القومي حيث أنه مفهوم متطور لا يرتبط بزمان أو مكان ولقد شهد عبر القرون الماضية مفاهيم ومضامين وسياسات تبنتها الكثير من المدارس الفلسفية في العالم ولعل أبسط تقدمة لمفهوم الأمن القومي أن هناك نوعين من القوانين في كل دولة النوع الأول هو الذي ينظم الشؤون الداخلية للدولة والنوع الثاني هو القانون الخارجي الذي ينظم علاقة الدولة مع الدول الأخرى مثل معاهدات الصداقة والتحالف وتحليل مفهوم السلام والحرب .
وقبل أربعة عقود قام كل من ” فرانك تريجر ” و ” فرانك سيمونييه ” في دراستهم ” مقدمة لدراسة الأمن القومي ” بتعريف أهداف الأمن القومي ” بأنه حماية وتنمية للقيم الوطنية والحفاظ على المصالح الحيوية لا سيما القيم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والحفاظ على سيادتها واستقلالها والمحافظة على مواطنيها وسلامتهم . وإن من واجب الأمن القومي احتواء الأخطار الداخلية والخارجية ومعالجتها . كما أن السياسة الخارجية للدولة تلعب دوراً كبيرا في الحفاظ على أمنها القومي كما أن من واجب السياسة العسكرية أن تضع الخطط اللازمة للحفاظ على سيادة الدولة ومجابهة أي طارىء. إن السياسة العامة للدولة تهدف الى تحقيق المبادىء والأهداف والمصالح القومية وهي تشكل في مجموعها ما يعرف بالأغراض القومية. كما أن الدستور والقوى السياسية والعسكرية تساهم في إعطاء الدولة القوة في الإستمرار وتحمل المسؤوليات.
إن السياسة العامة للدولة تتفرع الى أربعة فروع رئيسية هي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية والسياسة الإقتصادية. وكل هذه السياسات تصب في ينبوع واحد هو الإستراتيجية القومية , ولقد ظهرت في القرن الماضي سياسة إنشاء ما يعرف بمجلس الأمن القومي وذلك من أجل تنسيق ودمج السياسات الخارجية والداخلية والعسكرية والإقتصادية في استراتيجية قومية واحدة. ويقوم مجلس الأمن القومي برسم الإستراتيجية القومية وتحديد مسارها فهو يضع كلا من الدستور والقوى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والأمنية من جهة والمبادىء والأهداف والإلتزامات القومية من جهة أخرى . وبعد الدراسة يستخلص المصالح القومية ويحدد عن طريقها الأهداف القومية وبناء على هذه الأهداف يتم التخطيط لتحديد معالم السياسة القومية.
وقبل أن نصل الى تعريف جامع متفق عليه لمفهوم الأمن القومي يجدر بنا أن نميز بين مفهومين دارجين في ميادين السياسة والحرب وهما الإستراتيجية القومية والتي تعني الإستغلال الكامل للقوى السياسية والإقتصادية والنفسية والإجتماعية للدولة في السلم والحرب لتحقيق الأهداف التي تضمن سلامتها وامنها . أما اتلمفهوم الثاني فهو الاستراتيجية الحربية والتي تعني الإستغلال الكامل للوسائل العسكرية لتحقيق أهداف الإستراتيجية الحربية والتي تعني الإستغلال الكامل للوسائل العسكرية لتحقيق أهداف الإستراتيجية القومية بالإستخدام المباشر أو غير المباشر للقوات المسلحة للدولة أثناء السلم وأثناء الحرب.
ويتم استخلاص الإستراتيجية القومية للدولة والسياسة العسكرية السليمة للدولة التي تحقق القوة والسيادة والإستقلال هذه القوة التي تكفل منع نشوب الحرب أو تحديد مداها إذا نشبت أو تمكنها من شن الحرب بنجاح.
لقد قام العقيد أ. إيلون في دراسته لأمن إسرائيل القومي بتعريف ألأمن القومي ” بأنه محصلة الإتصالات المتبادلة للدولة مع بيئتها القريبة والبعيدة . وهذه المحصلة تعكس قوتها واستعدادها ووسيلتها وقدرتها التنفيذية على الدفاع عن مصالحها الحيوية وتحقيق غاياتها وأهدافها القومية”
ويجب أن نوضح هنا بأن من واجب كل دولة التخطيط للسلام بقدر ما تخطط للحرب “وهنا تكمن نقطة الضعف في الإستراتيجية الإسرائيلية لأنها مبنية على سياسة الحرب الدائمة وسياسة الإحتلال على مراحل والتوسع المستمر
والبقاء في حالة حرب واستنفار “.
وفي النهاية يجب أن نوضح بأن هناك أكثر من خيار وأكثر من أسلوب لدى كل دولة للتعامل مع الدول في الجوار الإقليمي وفي المسرح الدولي
1: الأسلوب الأول . يتمثل في كون الدولة إحدى القوى العظمى تسيطر وترعب الدول المجاورة لها. وتقاس قوتها حسب قوتها العسكرية والإستراتيجية والإقتصادية وأنتشار نفوذها في العالم
2: الأسلوب الثاني . يتمثل في كون الدولة ضعيفة فتختار الإرتباط مع إحدى الدول العظمى في معاهدات حماية واتفاقيات تعاون من أجل أن تضمن الإستمرار في البقاء
3: الأسلوب الثالث . يتمثل في الإنضمام الى حلف سياسي عسكري أو إقتصادي يتكون من دول ذات آيديولجية عقائدية سياسية اقتصادية والإرتباط العسكري بهذا الحلف
4: الأسلوب الرابع . ويتمثل في إعلان سياسة عدم الإنحياز والإبتعاد عن سياسة الأحلاف والمحاور وإرساء سياسة العلاقات الطيبة المتبادلة مع كل دول العالم وفتح الأسواق الحرة وإرساء قاعدة أقتصادية راسخة.
إن الأمن القومي العربي في ظل هذه المعطيات كان ولا زال معدوما في عالمنا العربي وكان عاجزا في التعامل مع العوامل الضاغطة والمتفجرة على المسرح السياسي العربي والعالمي. وبدل أن يكون الأمن الوطني لبنة قوية في بناء الأمن القومي العربي أصبح الخلاف والإنقسام وسياسة المحاور والتبعية النهج الذي رضخت له وأذعنت اليه السياسات العربية فنحن وبكل أسف ننفذ المخططات المجرمة التي رسمتها لنا الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة
وإنني أعتقد جازما بأن الدول العظمى قد توصلت الى معادلة تم من خلالها تقسيم العالم العربي الى مناطق نفوذ واستغلال جشع يرتكز على استنزاف طاقات وقدرات ومصادر الثروات في الدول العربية المغلوبة على أمرها وتحويلها إلى ساحات معارك لا ترحم وقتال يقتل فيه العربي أخاه العربي ومن ثم تحويل العالم العربي لأسواق استهلاكية لمنتجات العالم المتقدم وفي خضم العولمة تم استعمار الفكر العربي وسلب الإنسان العربي من فكره وهو أقسى أنواع الإستعمار .
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي