صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
الأردنيون عن بكرة أبيهم تواقون للاصلاح ويرحبون بأي جهد يتم باتجاه أحداثه. المشكلة التي يواجهونها تتلخص في عدم وجود نظرية مقنعة توجه الاصلاح وتحدد مساراته فالكثير مما يجري يأتي استجابة لضغوط شعبية او توجيهات ملكية يسارع المعنيون إلى تنفيذها على عجل ودون دراسة وتقييم للآثار التي قد تترتب على اتخاذها او التأخر في تنفيذها .
تابعت خلال الايام الماضية استجابات الاعلاميين والناشطين وبعض المهتمين لإجراءات الحكومة في الدمج والإلغاء والضم لبعض المؤسسات المستقلة والشركات الحكومية ضمن سيل التدابير والإجراءات الهادفة للتحفيز والتحسين والجذب.ومع ترحيب المراقبين بهذا المنحى إلا أن هناك الكثير من الملاحظات :
في حالات كثيرة لا يعرف الناس الاسباب والمسوغات التي أدت إلى إنشاء المؤسسات والوظائف التي تقوم بها ولا الفرق بين ما تقوم به عن ما تؤديه الوزارات والدوائر التي انفصلت عنها ولا يملك المواطن اجابة منطقية عن اسباب توالد هذه المؤسسات والشركات بمتوالية هندسية في فترة قياسية ليصل عددها الى اكثر من سبعين هيئة ومؤسسة وشركة.
لم تقدم الحكومة نظرية مقنعة تشرح فيها أسباب وجود هذه المؤسسات والمسوغات التي اعتمدتها في الإبقاء على او الإلغاء لهذه الوحدات . حتى الآن لايوجد بين يدي الإعلام أي معلومات أو نتائج دراسات للأثر المالي المحتمل لقرار الإلغاء أو الإبقاء وكل ما يسمع أن الوزير الفلاني يتابع واللجنة الفلانية أقرت الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن القرارات قد تمت على عجل أو ربما هناك اجتهادات في غير مكانها.
في العرض الذي قدمه الوزراء للحزمة الثالثة جرى الحديث بنشوة على ان الاوضاع المالية والامتيازات الاخرى للعاملين في المؤسسات المدمجة لن تتغير ولكن سيجري معاملة من قد يجري تعيينهم لاحقا على اسس جديدة. السؤال اذا كان هناك مبررات كافية لإلغاء الوظيفة او تغيير مسماها وامتيازات العاملين فلما التردد ؟
تنفيذ الإجراءات بصيغها المقترحة يثير تساؤلات مهمة حول شعور الموظفين في المؤسسات التي ألحقت بها الوحدات الجديدة فكيف سيشعر الموظف الذي يعمل في وزارة النقل بعدما يرى أن ما يتقاضاه زميله المساوي له بالدرجة والتأهيل والخبرة ثلاثة أضعاف راتبه ويحصل على راتب ثالث عشر ورابع عشر كما هو حال الخط الحديدي الحجازي.
التحفظات التي أثارها رئيس ديوان التشريع السابق حول قرار إلحاق سكة الحديد بوزارة النقل باعتبارها الحارس القانوني على اموال الوقف التابعة لها ما يزال قائما بالرغم من التبريرات التي جاءت في الرد على التحفظات.
البروسترويكا الروسية التي ادت الى تصدع الاتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشرقي وارتماء العديد من دول اوروبا في أحضان الرأسمالية الغربية لم تحدث فجأة بل أطلت برأسها قبل إعلان الانهيار بسنوات وقد كان أبرز ملامحها المبكرة ظهور عدد من الشباب كخبراء ومستشارين في جسم الادارة الهرمة للقوة العالمية العملاقة. فيما بعد ألقى الرئيس الأميركي رونالد ريغان خطابا هنّأ فيه الشعب الاميركي والعالم الغربي الحر على الانتصار على الاتحاد السوفيتي وأثنى على شجاعة غورباتشوف في اتخاذ القرارات التاريخية التي عجلت فيما أسموه الاصلاحات في محاولة لتحسين قبح الهزيمة وتسهيل تجرعها .
ما من شك ان استمرار قيادة مجتمع برهط من الكهول أمر صعب لكن الأصعب من ذلك ان تستخدم اشخاصا عديمي الخبرة في إدارة التغيير وإعادة هيكلة النظام الإداري ايا كانت مواقفك منه. في حالات كثيرة أشعر بالغربة وأنا أستمع الى المبررات والتنظيرات والمسوغات التي يسوقها بعض القائمين على برامج التطوير وإعادة الهيكلة ويزداد استغرابي عندما أستمع الى عبارة “وفقا لأحدث وادق المعايير العالمية”.
ما زلت أبحث عن موقع أساتذة الإدارة وخبراء التطوير واللجان النيابية في الفرق التي تعيد النظر في هياكل وبنى المؤسسات فمنذ سبعينيات القرن الماضي والبلاد تؤسس لنظام إداري استطاع أن يضخ العشرات من المستشارين والمئات من الأساتذة في جامعات العالم العربي والمنظمات التي تعنى بتطوير الادارة الحكومية والعامة في مختلف اقاليم العالم.
السؤال المطروح على دولته ورفاقه يتعلق بكيف يغيب كل هؤلاء عن ما يجري من فتح وضم واستحداث وإلغاء وهل جرى وضع خبراتهم في خدمة الفريق الذي أدار عملية المراجعة لهياكل الدولة ومؤسساتها؟