صراحة نيوز – في الاردن هناك حال من الاحتقان الشعبي تتضخم يوما بعد يوم لاسباب عديدة، بعضها سياسي، يعود الى رفض قطاع عريض من هذا الشعب لمواقف حكومة بلاده من قضايا اقليمية ودولية، والبعض الآخر معيشي صرف ناجم عن الضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومة في محاولة من جانبها لسد العجز الضخم في الميزانية الذي يزيد عن مليار دولار.
بالامس السبت تظاهر المئات من المواطنين الاردنيين في ميدان صلاح الدين في مدينة الكرك، في جنوب الاردن، للتعبير عن عدم رضائهم على سياسىة حكومة الدكتور هاني الملقي، رئيس الوزراء، مثلما افادت صحيفة “الغد”، وطالبوا برحيلها لانها اضرت بمصالح الشعب بفرضها ضرائب اثقلت كاهل المواطنين الاردنيين، وامتدت هذه المظاهرات مع نهاية اليوم الى العديد من المحافظات الاردنية الاخرى مثل البلقاء (ومدينة السلط) والطفيلة وذيبان.
ان تنطلق المظاهرات من الكرك، هذه المدينة التي شهدت قبل شهرين تقريبا هجوما ارهابيا نفذته خلية تابعة لتنظيم “الدولة الاسلامية” وتبادل اطلاق نار مع رجال الامن، واقتحمت قلعة الكرك التاريخية، فهذا مؤشر على درجة كبيرة من الخطورة، من حيث وجود غضب شعبي يزداد تضخما، ويهدد بالانتقال الى مدن اخرى، بينها العاصمة عمان.
مدينة الكرك معروفة بنخبتها السياسية والاجتماعية ذات الشعور الوطني الراسخ، وتشكل ترموميترا يمكن من خلاله قياس اتجاهات الرأي العام في الاردن تجاه الحكومات سلبا او ايجابا، خاصة ان ابناء هذه المدينة يتواجدون بكثافة في مؤسسات الدولة الرئيسية الفاعلة، وعصبها الرئيسي، وابرزها المؤسسة العسكرية وشقيقتها الامنية.
حكومة الدكتور الملقي لم تصنع الازمة الاقتصادية المتفاقمة، ولم يكن لها اي دور في تضخم الدين العام الذي يصل الى 37 مليار دولار، وتبلغ فوائده السنوية ملياري دولار، وورثتها من حكومات سابقة، ولكن الاجراءات التي اتخذتها لحل هذه الازمة، وعلى رأسها فرض ضرائب على اكثر من مئة سلعة، ورفع اسعار الخدمات الاساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، ادت الى حدوث ارتفاع ضخم ومفاجيء في الاسعار، وحالة من الغلاء غير المسبوق، في وقت لم ترتفع الاجور بالقدر نفسه.
لعل لجوء حكومة الدكتور الملقي الى توقيع عقد استيراد الغاز من دولة الاحتلال الاسرائيلي تجاوبا لضغوط امريكية اسرائيلية، كان من اسباب حدوث التزاوج بين الغضبين المعيشي والوطني في الوقت نفسه، فالمواطن الذي يتمتع بشعور وطني يتمحور حول العداء لدولة الاحتلال والتطبيع معها، وجد نفسه يطهو طعامه يوميا بالغاز الاسرائيلي المسروق من الشعب الفلسطيني والامة العربية، وبأسعار مرتفعة جدا، ووسط غلاء معيشي على الصعد كافة.
الحكومة الحالية تملك تبريرات عديدة لفرض ضرائب عالية لمواجهة الازمة الاقتصادية التي ورثنها، وعلى رأسها توقف المساعدات المالية من دول الخليج والمملكة العربية السعودية خصوصا، ولكن المواطن الاردني يتساءل عن اسباب هذا التراكم والسكوت عليه طوال السنوات الماضية، والرهان على دول خذلته ولم تقف الى جانبه في محنته وباعته الوهم، والوعود التخديرية الكاذبة، وتقديم خدمات سياسية له، وابرزها الخدمات الامنية والسياسية دون مقابل، بينما حصلت دول اخرى على عشرات المليارات، ولم تقدم عشر ما قدمه الاردن.
المواطنون في الاردن، والمطحونون يتحدثون ايضا عن حيتان الفساد، والطبقة المتخمة، التي راكمت مئات الملايين من الدولارات في حساباتها الداخلية والخارجية، وتهربت من الضرائب لسنوات، واستفادت من حالة الفساد، ويجادلون بأن هذه الطبقة يجب ان تتحمل المسؤولية الاكبر في دعم الخزينة الاردنية، لا الطبقة الفقيرة المعدمة التي تشكل اكثر من ثلثي الشعب الاردني.
النائب الكركي صداح الحباشنة قال ان اسقاط الحكومة اصبح مطلبا شعبيا، وليس من قبيل المناكفة، ونعتقد في هذه الصحيفة ان الضغوط التي تمارس حاليا على الاردن للدخول في تحالف رباعي مع الدول التي اوقفت مساعداتها المالية له، تكون اسرائيل شريكا فيه وبرعاية امريكية، بهدف مواجهة النفوذ الايراني، وربما الدخول في حرب مذهبية مع طهران ستؤدي بطريقة او باخرى الى تضخم الاحتقان الشعبي، وربما تصاعد المطالب باقالة، او استقالة هذه الحكومة.
ثلاثة اعمدة يرتكز عليها الاردن وادت الى استمرار تجربته المتميزة التي صمدت طوال العقود المئة الماضية، الاول الاستقرار، الثاني التعايش وتماسك الجبهة الداخلية، والثالث العقول الاردنية المبدعة، ويبدو ان عنصر الاستقرار الذي يعتبر عمود الخيمة الاردنية بات يواجه تحديات خطيرة جدا، وبما يؤثر على العمودين الآخرين سلبا.
الحكومة الاردنية مطالبة بتحرك سريع لانقاذ ما يمكن انقاذه، واتباع سياسات تلبي احتياجات المواطن، او تخفف من اعبائه، والا فان استمرارها سيكون من الصعوبة بمكان.
“راي اليوم”