صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
الاستبداد كلمة ثقيلة الوقع على السمع ومنفّرة لمتلقيها، لأنها توحي بالاستعباد، وصفات أخرى تخالف الطبيعة الإنسانية. ومن المعروف في الأدبيات المتداولة، أن الاستبداد والعلم ضدان متنافران. فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها لإطفاء نور العلم، وتكريس الجهل والظلم. ورغم ذلك فقد ينبت من بين صخور الاستبداد علماء ومفكرين، يبذلون أقصى طاقاتهم لتنوير الناس، وحثهم على الانعتاق من الاستعباد الذي يقيدهم، وتنسم رياح الحرية والديمقراطية.
وفي كل الأحوال . . ما أن يذكر الاستبداد، إلا ويتبادر إلى الذهن عبد الرحمن الكواكبي، الذي أطلق من منفاه الاختياري في مصر في بداية القرن الماضي، صرخته الشهيرة في كتابه ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد “، معلنا الحرب على كل حاكم مستبد، ويوقظ الجماهير الغافلة. وقد عرّف الاستبداد بأنه : ” تصرف فرد أو جمع في حقوق القوم بالمشيئة وبلا خوف يتبعه. وهو صفة الحكومة المطلقة العنان فعلا وحكما، والتي تتصرف في شؤون الرعية بلا خشية من حساب أو عقاب “.
يقول الكواكبي كذلك : ” إن خير ما يُستدل به على استبداد الحكومات، هو تغالبها في شنآن وفخامة القصور، وعظمة الحفلات ومراسيم التشريفات وعلائم الأبهة، ونحو ذلك من التمويهات التي يسترهب بها الملوك رعاياهم، عوضا عن العقل والمفادة. وهذه التمويهات يلجأ إليها المستبد كما يلجأ قليل العز للتكبر، وقليل العلم للتصوف، وقليل الصدق لليمين، وقليل المال لزينة اللباس “.
يقول الأستاذ أحمد التلاوي في عرضه لكتاب الدكتورة اليمنية هناء البيضاني بعنوان ” مفهوم الاستبداد في الفكر الإسلامي المعاصر ” ما يلي : ” في ظل الأجواء المحيطة بالشعوب الغربية في الوقت الراهن، وما تعانيه هذه الشعوب من ظلم وقهر، قامت ضده ثورات عديدة، فجاء هذا الكتاب ليلقي الضوء على أهم ظاهرة شملت شعوبا كثيرة على مر التاريخ، وهي ظاهرة الاستبداد “.
والاستبداد قد يأخذ شكلا أو أكثر من الأشكال التالية، في ممارسة السلطة المطلقة هي :
1. الفساد السياسي : ومن بين صوره، القفز إلى سدة الحكم بالقوة وزوال سيادة القانون، الحؤول دون المشاركة السياسية، سيطرة بطانة السوء، تبني آليات الدولة البوليسية، سن القوانين المكمّمة للأفواه لقمع حرية الرأي، التضييق على المحتجين وتهديدهم بمعاقبة أقاربهم، وزج النشطاء السياسيين في السجون بسبب كلمة، أو على شعار يطلق في الهواء. وقد يقول الحاكم المستبد كما قال فرعون مصر لقومه : ” ما أريكم إلا ما أرى “، أو كما قال لويس الرابع عشر ملك فرنسا : ” أنا الدولة والدولة أنا “، فهكذا يحكم الطغاة.
2. الفساد الاقتصادي : ومن بين صوره، الإسراف والبذخ، وفرض قوانين الجباية المجحفة، وإيجاد المؤسسات الرديفة لدوائر الدولة، والإنفاق المبالغ به على المؤسسات العسكرية والأمنية، من أجل ضمان ولائها للحاكم المستبد.
3. الفساد القضائي : ومن أبرز أدواته تعطيل العدالة، وتلفيق التهم الكاذبة للسياسيين والناشطين وزجهم بالسجون، أو توقيفهم لفترات طويلة دون محاكمة. تقرب الحاكم من القضاة والعلماء لكسب ودهم وتأييدهم ومحاباتهم في تطبيق القانون. وعندما يستفحل الاستبداد، يلجأ المسؤولون إلى أسلوب ( الألو )، ليوجهوا أدواتهم في مختلف مفاصل الدولة لأداء الأفعال المرغوبة.
4. الفساد الإداري : ومن بين مظاهره، فساد الأجهزة الأمنية، فساد كبار موظفي الدولة، تفشي المحسوبية والشللية في التعيين بالوظائف العامة وإعادة تدوير الكراسي، شخصنة السلطات وعدم محاسبة الفاسدين، عدم ترشيد الإنفاق العام، منح الأعطيات المالية والقصور للمقربين على حساب الشعب، منح الرواتب العالية للمحاسيب، اختلال سلم الرواتب بين مختلف وظائف الدولة، وأخيرا مركزية القرار.
يختم الكواكبي موضوع الاستبداد، بتقديم النصيحة التالية لكل من يقرأ كتابه : ” لا تخف أبدا من قول الصدق والحقيقة، من أجل التعاطف ضد الظلم والكذب والطمع. ولو فعل كل الناس ذلك، فمن المؤكد أن حياتهم ستتغير إلى الأفضل “. وكما هو معروف فإن وقوع الظلم في أي مكان، يهدد وجود العدل في كل مكان. والمصيبة التي تلقي بثقلها على أكتاف الجميع، ليست في ظلم الظالمين، بل هي في صمت المظلومين على ظلمهم.
وختاما أقول : إذا أراد أي مواطن أن يعرف طبيعة حكومة بلاده، فيمكنه استخدام المعيار الوارد بأعلاه، كدليل لمعرفة أين موقع حكومته بين أي من معادلتي الاستبداد والديمقراطية ؟.