صراحة نيوز – د.محمد ابوحمور
وزير مالية سابق
يواجه الأردن اليوم العديد من التحديات الاقتصادية التي تعمقت بفعل الظروف الناجمة عن تفشي جائحة كورونا، وقد أصبحت هذه التحديات أولوية بفعل الاثار الناجمة عن سياسات الاغلاق والتباعد الاجتماعي التي نجحت في التصدي لانتشار الوباء ولكنها أثرت سلباً على معيشة المواطنين وعلى الحياة الاقتصادية بشكل عام.
ولدى الحديث عن التحديات الاقتصادية عادة ما يطرح موضوع جذب وتحفيز الاستثمارات كوسيلة رئيسية لرفع نسبة النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم ومكافحة الفقر والتهميش.
وهذه الافتراضات صحيحة الى حد كبير ولكن السؤال هو كيف يمكن جذب وتحفيز الاستثمارات، وما هي الفرص المتاحة في هذا الاطار، وأي الاستثمارات يمكن أن تساهم في تحقيق الطموحات والاهداف التنموية للمملكة، ولا شك بان الإجابات ليست سهلة وتحتاج الكثير من التفاصيل، الا أننا يمكن ان نشير الى جزء منها وخاصة ما يتعلق بالظروف الراهنة وتداعياتها.
يؤدي الاستثمار دوراً اساسياً في تحقيق العديد من الطموحات والاهداف الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك توفير السلع وفرص العمل للمواطنين واتاحة المجال للاعتماد على الذات وبناء دولة الإنتاج، هذا بالإضافة الى زيادة معدلات الادخار والمساهمة في زيادة الصادرات وتنويع المقدرات الاقتصادية وكذلك توفير ظروف ملائمة لنقل التكنولوجيا والنهوض بالقدرات الفنية والتكنولوجية للقوى البشرية ويتضافر في هذا المجال الاستثمار بشقيه المحلي والاجنبي المباشر وغير المباشر وعادة ما يتيح تنوع الاستثمارات العديد من الفرص والمزايا ويمكن من استدامة الاستثمار وتوسيع المشاريع القائمة وتعزيزها عبر سلاسل التوريد والإنتاج.
وعندما تتقلص إمكانيات الدولة وتتراجع قدرتها على إقامة المشاريع الرأسمالية ويضيق الحيز المالي المتاح يصبح العمل لتحفيز وجذب الاستثمارات عنواناً اساسياً في السياسات الاقتصادية، وكلنا يعلم محدودية الموارد المتاحة لدينا، لذلك فقد بدأ العمل في بناء بيئة استثمارية محفزة وجاذبة منذ عقود.
وقد بذل جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله جهوداً كبيرة في مجال تسويق الأردن استثمارياً وأصدر توجيهاته السامية بإيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من اهتمام وقد تكللت هذه الجهود والتوجيهات في وضع الأردن على الخارطة الاستثمارية العالمية وقامت العديد من الشركات المرموقة بفتح فروع ومكاتب لها في المملكة، وكذلك قامت الحكومات المتعاقبة بجهود في هذا المجال.
ونحن اليوم في الأردن نفخر بتوفر اطار تشريعي يتمثل في قانون الاستثمار والتشريعات الأخرى مثل قانون الشركات وغيرها، يضاف لذلك العديد من الإصلاحات التي تم تنفيذها في مختلف المجالات، ونتيجة لذلك فقد حقق الأردن نقلة نوعية في تقرير سهولة ممارسة الاعمال2020 وكان من بين أفضل ثلاث دول عربية وعشر دول في العالم في مجال اصلاح وتحسين بيئة الاعمال، وتقدم الى المرتبة 75 عالمياً بعد أن كان في المرتبة 104 في التقرير السابق، كما أن الأطر المؤسسية أصبحت تتعامل مع موضوع جذب وتحفيز الاستثمارات وفق منهجية واضحة يتم عبرها مواجهة المعيقات والتحديات والعمل على حلها تدريجيا.
وقد استطاع الأردن الذي يتميز بموقع جغرافي استراتيجي أن يتغلب على محدودية حجم السوق المحلي من خلال الانضمام للعديد من الاتفاقيات التجارية الدولية والإقليمية والعالمية، وأصبح بإمكان المنتج الأردني ان يصل الى المستهلكين في كبرى الأسواق العالمية.
وتتميز المملكة بالأمن والاستقرار في إقليم يعج بالاضطرابات مما يؤهلها لكي تشكل بوابة للمنتجات والاعمال التي ترغب بالاستفادة من الفرص المتاحة في الإقليم بما في ذلك عمليات إعادة البناء، كما أن المملكة تتوفر لديها المتطلبات الأساسية اللازمة لإقامة مشاريع واستثمارات ناجحة تدر عائداً مناسباً، وهذا يشمل البنية التحتية المتطورة والقوى العاملة المؤهلة وجهود تعزيز سيادة القانون والقضاء النزيه والعادل والحوافز الاستثمارية المتعددة كل ذلك يشكل أساسا صلباً لجذب الاستثمارات وتحفيزها.
وفي هذا المجال لا بد من الإشارة الى جهود هيئة الاستثمار وقيامها بتطوير منهجيات عملها وعرض العديد من الفرص الاستثمارية عبر الاليات المتاحة في مختلف محافظات المملكة مع توفير دراسات جدوى أولية لها والعمل على توفير خدمات تسهل على المستثمرين استكمال إجراءات إقامة المشاريع.
ونذكر هنا أن رئيس الوزراء كان قد قام في شهر شباط الماضي بالإعلان عن 68 مشروعا استثماريا بحجم استثمار يصل إلى 4.5 مليار دولار تغطي معظم مناطق الأردن وتشمل عدة قطاعات اقتصادية، وخلال الأسبوع الماضي قامت وزارة الطاقة بالتعاون مع هيئة الاستثمار بإطلاق مجموعة من الفرص الاستثمارية في قطاع الثروة المعدنية والنفطية ما يشير الى رغبة في تعزيز دور هذا القطاع وتنويع الاقتصاد الأردني، ولا شك بان مثل هذه المشاريع ستساهم في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بمستوى معيشة المواطنين وتوفير فرص عمل لهم.
وبالرغم من كل هذه المزايا التي تتوفر الا انه يجب ان لا نتجاهل العديد من المعيقات والتحديات التي تواجه المستثمرين ورجال الاعمال الأردنيون منهم والأجانب، وأهم هذه المعيقات يرتبط بالظروف الإقليمية المحيطة، مما يؤثر على قدرة السلع الأردنية على الانسياب الى تلك الأسواق او من خلالها، كما أن هذا كثيراً ما يؤدي الى صعوبات في التزود بالمواد الأولية والمواد الخام.
وعلى المستوى الداخلي يبرز موضوع كلفة الإنتاج بما في ذلك الطاقة والايدي العاملة واشتراكات الضمان الاجتماعي، ومن المفيد أيضاً التذكير بالصعوبات المتعلقة بقطاع النقل وكلفته المرتفعة إضافة الى كلف التمويل.
ومن جانب اخر هناك أيضاً التحديات المتعلقة بالإجراءات البيروقراطية المعقدة الى حد ما بالرغم من الجهود التي تبذل لتبسيطها واختصارها، وبالرغم من وفرة القوى العاملة المؤهلة الا أن هناك بعض المجالات التي تفتقر الى توفر الخبرات والمؤهلات المناسبة، ولكن وبالرغم من كل المعيقات والتحديات التي أشرنا لها أو لم نشر الا أن جهود مختلف مؤسسات الدولة الأردنية في مجال تشجيع الاستثمار يشهد لها، ويدلل على ذلك ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 17 % مقارنة مع مستواه في نفس الفترة من العام 2019 ، علماً بان البيانات الرسمية أظهرت تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الأردن بنسبة 9 % على أساس سنوي في 2019 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وتشير بعض التصريحات الرسمية الى أن حجم الاستثمارات التي استقطبها الاردن خلال فترة جائحة كورونا بلغت 52 استثمارا جديدا في قطاعات الصناعة والسياحة والصحة وتكنولوجيا المعلومات بحجم استثمار يصل 50 مليون دينار ويشغل نحو 1100 أردني، وهذا يشير الى ارتفاع مستويات الثقة بالاقتصاد الأردني.
ويشار هنا الى تقرير الاستثمار العالمي لعام 2020 الذي أصدرته “أونكتاد”، وتوقع أن تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، بنسبة تصل إلى 40٪ في عام 2020، علماً بان نفس الجهة تشير الى أن هذه التوقعات غير مؤكدة وتخضع للتعديل وفقاً للظروف، وبحسب التقرير فقد انخفضت إعلانات مشاريع الاستثمار الجديدة وعمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود بنسبة تزيد عن 50٪ في الأشهر الأولى من عام 2020، مقارنة بالعام الماضي.
كما تراجعت الصفقات الجديدة في تمويل المشاريع العالمية، التي تعتبر مصدرا مهما للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، بنسبة تزيد عن 40٪، كما توقع التقرير أن تشهد الاقتصادات النامية أكبر انخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر، لأنها تعتمد بشكل أكبر على الاستثمار في الصناعات الاستخراجية كثيفة القيمة والتي تضررت بشدة، ولأنها أيضاً غير قادرة على تنفيذ تدابير دعم اقتصادي كالتي تنفذها الاقتصادات المتقدمة، كما يوضح مدير الاستثمار والمشاريع في أونكتاد.
هناك الكثير مما قيل أو قد يقال حول الإجراءات المطلوبة لمواجهة التحديات والصعوبات التي تواجه جذب وتحفيز الاستثمار، بما في ذلك الإصلاحات المتعلقة بالتشريعات والإجراءات وتحسين بيئة الاعمال ومحاربة الفساد والحرص على الشفافية والحوكمة الرشيدة وتعزيز الثقة والمساءلة ورفع كفاءة القطاع العام ، ولكن من المهم أن نولي اهتماماً خاصاً وفهماً عميقاً لجانب أساسي وهو أن الاقتصاد كل لا يتجزأ لذلك فالإصلاح المطلوب لا بد أن يتم في اطار وعي بالترابطات القطاعية والتأثيرات المتبادلة بين الأسواق الثلاث سوق السلع وسوق العمل وسوق راس المال.
وهنا من المهم أن تكون لدينا الجاهزية الكاملة لاقتناص الفرص فور توفرها والبحث عن إيجاد فرص الاستفادة من المبادرات العالمية المختلفة مثل مبادرة الحزام والطريق وإمكانية الاستفادة من المشاريع والاستثمارات التي تتم في اطارها ، هذا في نفس الوقت الذي يجب ان نحرص فيه على جذب استثمارات نوعية تساعد في التغلب على المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الأردني والقادرة ايضاً على التواؤم مع متطلبات التطور التكنولوجي والرقمي، مع بذل اهتمام خاص لديمومة المشاريع الاستثمارية وتوفير الظروف الملائمة لاستمراريتها واستدامتها وامكانيات التوسع المستقبلي، والأردن بفضل مقدراته وامكانياته المتوفرة ودعم قيادته العليا بيئة خصبة للاستثمار وهو على قادر ان يحقق اختراقاً استراتيجياً في هذا الميدان.