الاستثمار والمواطنة

12 نوفمبر 2019
الاستثمار والمواطنة

صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات

في مصر يجري شهريا تشييد مشروع او اكثر من المشاريع الاقتصادية والتنموية العملاقة . فبعد أن افتتح التفرع الثاني لقناة السويس زمن قياسي استطاعت البلاد التخلص من معظم العشوائيات وشيدت مدنا واحياء جديدة اضافة إلى العديد من الطرق التي حدت من الازمات وسهلت الانتقال بين المحافظات وأماكن الجذب السياحي. قبل ايام جرى افتتاح الطريق الصحراوي الجديد والواصل بين شرم الشيخ والقاهرة بطول يزيد على 340 كم بكلفة تصل إلى 3,5 مليار جنيه.

الطريق الجديد وعشرات المشروعات المصرية يجري تنفيذها من قبل شركات وطنية والقوات المسلحة المصرية وبمساهمات فاعلة من قبل المغتربين المصريين تنعكس إيجابيا على النمو الاقتصادي المصري فقد اشارت الارقام إلى ارتفاع عائدات ورسوم استخدام القناة إلى 5,9 مليار دولار للعام 2018 وهو الاعلى منذ حفر القناة.

المغتربون المصريون من أصحاب رؤوس الاموال مهتمون بما يجري في مصر ويتابعون الاوضاع والتغيرات في بلادهم . الكثير منهم يرغب في توظيف استثماراتهم في الفرص التي يتيحها الاقتصاد المصري. في كل عام يشارك المئات من الاقتصاديين واصحاب الاعمال المصريين في الاجتماعات التي تديرها الحكومة المصرية وتعرض خلالها الاوضاع الاقتصادية والخطط وبيان الفرص والتسهيلات التي تشجعهم على الاستثمار او المساعدة في جذب الاستثمار الاجنبي لبلادهم.

الكثير من أبناء مصر يقبلون على الاستثمار والمساهمة في مشروعات بلادهم التنموية والخدمية. البعض يقبل على ذلك للإفادة من الفرص وبرامج التشجيع لكن الغالبية العظمى يشاركون بدافع الحب للوطن والإيمان والاعتزاز بالانتماء له.

في الأردن يوجد العديد من التحديات المركبة والمزمنة فبالرغم من البرامج التحفيزية التي تطلقها الحكومات والمؤتمرات والاجتماعات التي تعقد لشرح الفرص الاستثمارية إلا أن الاقبال ما يزال ضعيفا وحذرا. الكثير ممن حاولوا الدخول إلى السوق الاستثماري الأردني ترددوا في إدخال رؤوس اموالهم وتوجهوا إلى البنوك ومؤسسات الاقراض المحلية.

خلال العقود الماضية وبفعل الخصخصة وتوصيات البنك الدولي خسر الأردن ملكيته لأكثر من خمس وعشرين شركة حكومية شكلت عماد الاقتصاد الأردني وضمانات مستقبلية. الاسمنت والبوتاس والفوسفات وتوليد الكهرباء وتشغيل الكهرباء والاتصالات والملكية الأردنية والموانئ وغيرها اصبحت شركات خاصة احتفظت الحكومة بنسب ملكية ضئيلة في العديد منها.

عائدات الخصخصة والبيع لم توفر للأردن اكثر من 1800 مليون دينار في الوقت الذي حرمت منه الخزينة والبلاد من عوائد سنوية واصول تشعر الدولة والمواطن بالطمأنينة وبقوة الدولة وسيادتها على مواردها. كنتيجة لكل ذلك دخل إلى السوق الأردنية العديد من المستثمرين الفعليين والوهميين.

بعض هؤلاء دخلوا بترتيبات خاصة وبشروط غير تنافسية. العديد من المستثمرين اكتفوا بتشغيل المرافق التي اشتروها بأموال اقترضوها من البنوك المحلية دون إبداء الكثير من الحماس والالتزام لدفع استثماراتهم وأعمالهم إلى آفاق جديدة مستدامة تحسن الاوضاع وتحدث آثارا حقيقية على الاقتصاد والواقع ونوعية حياة الناس.

في اماكن عديدة توقفت بعض المشروعات الانشائية لتصبح أطلالا لا يعرف الناس أسباب تجمدها وفي حالات أخرى انسحب المستثمرون او باعوا حصصهم بعدما استفادوا من التسهيلات والترتيبات التي صاحبت انطلاقتهم.

بخلاف الحالة المصرية والاماراتية يصعب ان تتعرف على آثار ملموسة للاستثمار وبرامج تشجيعه على الاوضاع الاقتصادية للسكان او على فرص العمل وواردات الدولة من الضرائب والرسوم. يخطر ببالي وفي كل مرة أطالع فيها حجم صادرات الأردن من الملابس إلى الاسواق الأميركية والبالغة 1,2 مليار دولار ان أسأل عن حجم تأثير وجود هذا الاستثمار على مهارات الأردنيين في التعامل مع صناعات الاقمشة والملابس ونسب التشغيل لهم وأثر ذلك على اقتصاد المدن المحيطة بهذه المصانع.

في الأردن ما تزال البطالة والفقر وشح المياه وتباطؤ عجلة ومشروعات التنمية قائمة بالرغم من الحديث عن الاستثمارات وعقد المنتديات ووجود اكثر من 40 مليار دينار في البنوك الأردنية . وفي الأردن ما يزال المواطن يدفع اكثر من ضعف السعر الفعلي للطاقة بالرغم من قدرة وامكانية توليد طاقة بكلف محدودة جدا من موارد متجددة.

ما يفتقر له الأردن هو التخطيط والتنفيذ الذي ينظر للمواطن كمحور لعملياته وليس التخطيط الموجه لاستمالة المستثمر المتطلع إلى ترتيبات وصفقات. توطين الاستثمار والعمل وتشجيع التعاونيات والبرامج الريادية ذات الصبغة الوطنية هو اكثر ما تحتاج له البلاد ويرحب به المواطن.

 

الاخبار العاجلة